القاهرة ـ لبنان اليوم
تزخر كتب العمارة بمعلومات ومصطلحات حول نظرياتها وطرزها وفلسفتها قديماً وحديثاً، لكن ربما لا شيء يجذب الجمهور العادي للتواصل مع عمارة مدنهم بقدر الفوتوغرافيا التي تسرد الحكايات المعمارية التي تحتضنها منذ تشكل ملامحها وتراكيبها العمرانية، بل قد تجسد شواخص بصرية شاهدة على تطور العمارة أيضاً؛ وذلك ما يلمسه المتلقي عند زيارة معرض الفنان المصري فادي قدسي المقام حالياً بغاليري «نوت» بالزمالك تحت عنوان «المعمار والضوء».
يحتفي فادي قدسي بالتصوير المعماري الأبيض والأسود والتجريدي، وتتجاوز أعماله الرصد المرئي لتعكس العناصر الجمالية والفكرية والثقافية للمعمار بحثاً عن المعنى والروح الكامنة في البناء، وتصاميمه، فيقدم فوتوغرافيا ترتبط بالبيئة والهوية، يقول لـ«الشرق الأوسط»، «تستطيع الفوتوغرافيا أن تتوغل في ذاكرة الشعوب، وتحتضن عناصرها كافة، كما تمثل مرآة تعكس كافة مناحي الحياة والبيئة المحيطة بالإنسان، ومن هنا هي وثيقة مهمة للتحقيق الجمالي في المعمار والبحث في مكنوناته وفهم تركيبته».
من يتأمل صور قدسي يشعر بروح المعمار التي تعبر عنه وعن تاريخه وقوته، سواء كانت أعمالاً توثيقية أو «فاين أرت» أو تصميماً داخلياً، ويقول «عمارة مصر ثرية بطرزها المختلفة المنتمية لثقافات وحضارات كثيرة، وقد وجدت في مبانيها الإيقاع المعماري الفريد والملهم»؛ لذا يصل المشاهد إلى روح المعمار المصري وشخصيته وفق وجهة نظره التي يقوم في إطارها بالتقاط الصور، ومن ذلك صورة تجسد «تيجان عواميد مسجد الرفاعي» فنجد الضوء يتسلل بين الأعمدة الثلاثة، يقول «لفت نظري في ذلك التكوين زخم التفاصيل، فعملت على إبرازها بزوايا مختلفة، وعبر استخدام الإضاءة مزجت الكلمات بأشكال الورد».
وفي عمل آخر جسد «قبة مسجد الرفاعي» بعد تجريدها من معماريتها، لإبراز التفاصيل المزخرفة للقبة، فبدت بعد التجريد كما لو أنها تحولت لـ«لا» متعددة ومتشابكة بفضل تفاعلها مع الضوء. ومن مبنى المتحف المصري بالتحرير التقط صورة الملك الفرعوني وكأنه يسير في طوابق دائرية، صاعداً نحو السماء أو قبته النورانية. وهكذا سائر أعمال فادي قدسي بالمعرض التي تتماهى مع المقولة الشهيرة للمعماري العراقي الراحل رفعت الجادرجي، إن «العمارة ليست طرز مبانٍ نسكنها، إن مفهومها يدل على كونها كياناً يشاركنا العيش والوجود والمعرفة، وأثرياً هو قابل للتغيير والتقدم والتجدد وابتكار عالم ممكن، يبدأ من التاريخ ليطل على المستقبل».
يلعب الضوء دور البطولة في أعمال معرض قدسي المستمر حتى 30 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وعن ذلك يقول «الفوتوغرافيا هي الرسم بالضوء، وأرى أن المعمار يتجسد بقوة ويتشكل وتظهر معالمه عبر تفاعله مع زوايا الضوء الساقطة عليه، ومن هنا كان اختياري للشقين المعمار والضوء كمحورين لعنوان معرضي؛ ذلك أن المعمار والضوء يتوافقان مع اتجاهي في أعمالي في التصميم والتكوين».
لذلك؛ فإن صور المعرض التي يبلغ عددها نحو 41 صورة فوتوغرافية، تعد بمثابة إعادة صياغة لرؤية عناصر المكان مع الضوء وظلاله بل إنها في بعض الصور بمثابة إعادة تشكيل للمكان عبر اللعب بالتجريد والدمج مع الضوء، إذ تقدم رؤية جديدة للمكان، ويساعد على ذلك اختياره زوايا غير معتادة، ربما تختلف من توقيت إلى آخر أو من فترة إلى أخرى «معرفة التوقيت المناسب، أو استغلال الوقت المتاح بطريقة مناسبة لصورة معينة مع المعالجة الرقمية المناسبة هو عشقي وشغفي».
استخدام قدسي تقنية التصوير أحادي اللون يأتي متسقاً مع اعتبار كثير من المصورين أن التصوير بالأبيض والأسود بمثابة عمل فني في حد ذاته، كما يعتبرونه من بين أنقى أشكال التصوير الفوتوغرافي، وفي مجال التصوير المعماري على وجه الخصوص يزداد الأمر أهمية؛ إذ يُعد اللون مصدر إلهاء يجذب الانتباه بعيداً عن لبنات البناء المرئية، والتباين اللوني، بالأشكال، والتماثل، والإضاءة، والتي تعد أهم مقومات هذا النوع من التصوير، ووفق قدسي «فإن هذا الأسلوب مع توظيف الضوء يساعد على تجسيد التفاصيل، كما أنه يمنح الأبنية رونقاً خاصاً».
بدأ فادي قدسي طريقه في عالم الفوتوغرافيا مصوراً هاوياً عام 2010، وسار في طريق الاحتراف مدرباً للفوتوغرافيا والإضاءة، وأصبح مصوراً حراً منذ عام 2013، وحصل على مجموعة من الجوائز، وشارك في الكثير من المعارض المحلية والدولية.
قد يهمك أيضـــــــًا :
"الآثار" المصرية تكشف عن إجراءات احترازية للتعامل مع زائري المناطق الآثرية
تأجيل فعاليات افتتاح "المتحف المصري الكبير" بسبب تداعيات "كورونا"
أرسل تعليقك