بيروت ـ لبنان اليوم
إذا كان وزير التربية والتعليم العالي في لبنان عباس الحلبي قد بدأ منذ اليوم الأول لتسلمه مهماته، العمل على إعادة مفهوم الدولة الى الوزارة، فإنه يطمح من خلال محاولته تطبيق هذا المفهوم الى رفع مشروع ملف تعيين العمداء في الجامعة اللبنانية، الذي تم إنجازه تقريباً، الى مجلس الوزراء بعد البحث فيه مع الرئيس الجديد للجامعة الدكتور بسام بدران، وتعيين مدير عام للتعليم العالي في أقرب وقت ممكن مع حرصه الشديد على إعادة تشكيل كل من مجلس التعليم العالي واللجان الفنية المنتهية الصلاحيات مع إقرار هيكلية للتعليم العالي التي تحتاج الى قانون.
بعد تأكيده على عودة التدريس في المدارس الرسمية، رد الوزير الحلبي على شائعات جرى تداولها في بعض الكواليس التربوية عن تغيير ممكن لرئيس المركز التربوي للبحوث والإنماء، قائلاً "ان لا فكرة لديه الآن حول هذا الطرح". وأضاف في حديثه لـ"ّالنهار"، ان "الأستاذ جورج نهرا يشغل اليوم مهمات رئيس المركز بالوكالة، ويقوم بعمل نشيط وجيد وإنتاجيته مقبولة كما أراها".
وهل عودة الدكتورة ندى عويجان لتسلم رئاسة المركز أمر وارد؟ أجاب: "هذا أمر آخر، ولا أريد البحث فيه حالياً في الإعلام".
في بداية الحديث، قارب الحلبي تحديات السنة الدراسية الحالية، التي يتمنى أن تمر بأقل اضرار ممكنة، وصارح الأسرة التربوية بأنه يعتقد "أننا لسنا مؤهلين لتجربة التعليم عن بُعد"، مجيباً بذلك عن سؤال طرحناه عليه حول إمكان تبنّي هذا الخيار في حال حافظ سعر الدولار على ارتفاعه وانعكس زيادة في سعر صفيحة البنزين أكثر مما هي عليه اليوم.
حسم الحلبي رأيه في منظومة التعليم عن بُعد، مشيراً الى أن "التجربة بحد ذاتها لم تكن ناجحة لأن البنى التحتية لهذا النوع من التعليم غير متوافرة في لبنان"، ما جعله يتمسك بإصرار على "التعليم الحضوري والعودة الى المدرسة بمعدل 4 أيام مع تخصيص يوم واحد فقط للدراسة عن بُعد".
وقبل عرضه نتائج الاجتماع الذي جمع الرئيس نجيب ميقاتي والروابط التعليمية، أكد الحلبي أن "معلمي الثانوي والأساسي استأنفوا التدريس، وما يشاع عكس ذلك لا يمت الى الحقيقة بأي صلة"، مشيراً الى أن "معظمهم عادوا الى التدريس في جميع المدارس الرسمية باستثناء بعض المترددين من القطاع الثانوي..."
بلغة الأرقام، أكد الحلبي في رده على سؤال عن عدد المدارس الرسمية التي تم إقفالها بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية، أنه "سُجل تراجع في أعداد التلامذة المنتسبين الى المدارس الرسمية نتيجة إضراب الروابط"، موضحاً "أن 390 ألف تلميذ انتسبوا الى المدارس الرسمية العام الماضي، فيما كشفت الإحصائية الأخيرة، التي رُفعت إليه قبل أيام، أن نحو 270 ألف تلميذ يتابعون دراستهم هذه السنة في القطاع التربوي الرسمي". ورأى أن "هذا التسرب في أعداد التلامذة من التعليم الرسمي الى القطاع الخاص مؤشر خطير جداً، وهو تنبيه للمضربين من مخاطر الإستمرار في الإضراب لأنه كاد أن يقضي على التعليم الرسمي في لبنان".
ثم انتقل الى الحديث عن مضمون الاجتماع الذي جمع الرئيس ميقاتي مع الروابط التعليمية في حضوره، فلفت الى أن الرئيس ميقاتي "فوجىء ببعض المعطيات التي عرضتها شخصياً عليه، ومنها عندما أبلغته أن أجر ساعة الأستاذ المتعاقد 20 ألف ليرة، أي تساوي دولاراً واحداً"، وأن موقف الرئيس ميقاتي "كان مشابهاً لموقفي من ناحية تفهمه لأحقية مطالب المعلمين".
وأشار الى أنه "جرى تكليف وزير المال يوسف الخليل في هذا الاجتماع إحتساب الكلفة، ودراسة مدى تحمل الخزينة لهذه الأعباء الاضافية لجملة اقتراحات هي ضرورة إعطاء المنحة الاجتماعية، مضاعفة بدل النقل أو تحديد زيادة أكثر من ذلك، زيادة ساعات التدريس للمتعاقدين وتنسيبهم الى الضمان الاجتماعي، وزيادة مساعدات الدولة للجهات الضامنة كالضمان الاجتماعي وتعاونية الموظفين وتغطية تكاليف الإستشفاء". وأكد أنه "تم اقتراح استمرار صرف المنحة الاجتماعية لتغطي نصف راتب المعلم، وهذا الطرح مغاير لما قمنا به في المرة الأولى من ناحية تقسيم منحة محصورة للراتب على شهرين فقط".
ورداً على سؤال عن الطرح المناسب للمنحة المقترحة لمن يتقاضى منهم راتباً أقل من مليون ليرة، قال: "يجب أن تغطي المنحة الاجتماعية نسبة أكبر من نصف راتبه ليكون لها أثر في دعم مدخوله".
وتمخض الاجتماع ايضا، وفقاً له، عن "وعد بزيادة الضعفين على الأقل الى أتعاب القيمة اليومية للعاملين والخدم في المدارس، والتي تصل الى 30 ألف ليرة يوميا، مع العلم أنه لا تحتسب لهم أحياناً أيام العمل كلها".
ولفت الى أن "هذه المأساة الحقيقية التي يعيشونها دفعتهم الى الإضراب"، مشيراً الى أنهم "شكوا خلال لقاء جمعهم معي من بعض مديري المدارس الذين يحسبون بطريقة إعتباطية أيام عملهم، من ناحية أن بعض المديرين يعمدون الى احتساب 10 أيام فقط ويحرمونهم أتعاب أيام أخرى..."
وكشف أنه "يتعاطى مع ثلاث جهات مانحة أساسية لتوفير مساعدات تربوية هي البنك الدولي، اليونيسكو واليونيسيف"، معلناً أن "الحكومة البريطانية قدمت 37 مليون دولار لمساعدة نحو 50 ألف معلم في الملاك والتعاقد في القطاع الرسمي، على ان يتم رصد 90 دولاراً مساعدة شهرية لكل معلم، وقد لا يتقاضاها بالدولار الأميركي، بل بالليرة اللبنانية وذلك وفقاً لما يعادل سعر الدولار في السوق السوداء، وهذا الطرح ينطبق على توافقنا مع مصرف لبنان والبنك الدولي في اعتماد هذه الآلية".
وتوقف الوزير الحلبي عند "تهكم مواقع الكترونية تابعة لبعض الروابط التعليمية على ما تقديم الـ 90 دولاراً شهرياً لأساتذة الملاك في المدارس الرسمية، كمساعدة خلال العام الدراسي الحالي"، مشيراً الى أن "للروابط آراء مختلفة في هذا الشأن، وهي بأكثريتها الساحقة تتفهم الواقع وتحلت بالمسؤولية والمهنية والوطنية تجاه كل من تلامذتهم والمدرسة الرسمية، فيما القسم المتردد منهم ينتقد هذه المساعدة ربما لحسابات لا تتصل بأي مبلغ محدد، بل يعتمد البعض على هذا الموقف السلبي غير المدروس، وغير الواقعي لعدم معرفتهم بالواقع المعيشي الذي نمر به ربما، ولارتباطهم بأجندات لا علاقة لها بالتعليم".
هل تشمل هذه المساعدة الاجتماعية أساتذة التعليم المهني والتقني؟ أجاب: "للأسف لا. كنت أتمنى ذلك".
ووعد بأن يواصل محادثاته مع منظمة "اليونيسيف" لتوفير مساعدة إجتماعية شهرية لمعلمي المهني والتقني، أسوة بمعلمي الثانوي والأساسي...
وقارب الحلبي لجوء إدارات في المدارس الخاصة الى فرض رسوم بـ "الفريش دولار" على أولياء التلامذة، مشيراً الى "إمكانات الوزارة في التعليم الخاص والمنصوص عليها في القانون الذي لا يمكن ان نتجاوزه، مع العلم ان بعض المدارس عمد الى تحصيل الفريش دولار لتعطيه لبعض معلميها من أصحاب الكفاءات في سعيها للمحافظة عليهم في كادرها التعليمي..."
وشدد على "اننا اصدرنا تعميماً جرى توزيعه على المدارس الخاصة نطلب فيه من الإدارات ألا تفرض على أولياء التلامذة تغطية نفقات عدة بالدولار الفريش، وألا تقر أي زيادة على الأقساط لأن عدداً كبيراً من الأهالي لا يمكنهم الإستجابة لهذه الطلبات..."
في ملف الجامعة اللبنانية، أكد الحلبي أنه "رغم الإضراب، تعمل بعض أقسام الجامعة على إنجاز ما تأخر من السنة الماضية"، معلناً أنه "سيتعاون مع الرئيس الجديد الدكتور بسام بدران على حلحلة مشكلات الجامعة".
وصارح الأسرتين الإدارية والأكاديمية في الجامعة "بعدم قدرة الدولة على المسّ بالرواتب، مع العلم أننا نجري مباحثات مع جهات مانحة لدرس إمكان رصد مساعدات إجتماعية لأساتذة من جهة، وتوفير مبالغ لتغطية تكاليف التشغيل التي تحتاج اليها إدارة الجامعة".
وتوقف عند عائدات فحوص الكورونا وتخصيص رئيس الجامعة اللبنانية السابق الدكتور فؤاد أيوب 4 مليارات ليرة لدعم الأساتذة بمليون ليرة شهرياً، موضحاً أن "عائدات هذه الفحوص لم يتم تحويلها بشكل كامل الى الجامعة اللبنانية، وذلك بسبب مشكلة نحاول إيجاد حلول لها بين الجامعة وبعض شركات الطيران، التي تعمد الى تسديد عائدات هذه الفحوص بالليرة اللبنانية في حين انها تتقاضاه بالدولار الأميركي".
وعن رأيه في الضجة الإعلامية التي أثارت شكوكا في سوء إدارة الرئيس أيوب لهذا الملف، قال: "هذه الضجة كانت نتيجة عدم إطلاعهم على حقيقة الملف".
وأكد ان أيوب "أطلعني على الكشوفات والتقارير في هذا الملف، وقد طلبت منه بطبيعة الحال أن يكلف شركة تدقيق مالي في هذه الحسابات".
هل يعود هذا الطلب فعلياً الى شكوك راودته عن غياب الشفافية في التعاطي مع هذا الملف؟ قال: "لا أبداً. يجب أن تعتاد كل مؤسسة على فكرة التدقيق المالي في أي مرفق عمومي أو خاص لأن نتائج التقرير عند إنجاز التدقيق المالي أمر مهم جداً ولاسيما إذا ما أسنِد ببراءة ذمة للمستخدم".
وذكر أن "العائدات المتوافرة اليوم من فحوص الكورونا تؤمن في قسم منها المليون ليرة شهرياً لكل أستاذ في الجامعة، إضافة الى أن بعض هذه العائدات تؤمن مثلاً الـ 6 مليارات و500 مليون ليرة لصندوق تعاضد أساتذة الجامعة ولتغطية تكاليف الأدوية المزمنة وفروقات الإستشفاء".
دعا الحلبي الأسرة التربوية الى "التكاتف لمصلحة تلامذة لبنان وطلابه"، مشيراً الى أنه "مهما كانت المطالب محقة، هناك مصلحة أولى عليا لا تعلو عليها أي مصلحة أخرى تتمثل في متابعة طلابنا وتلامذتنا لسنة دراسية عادية تمكنهم من استلحاق ما خسروه في السنين الماضية نتيجة الوباء والظروف المعيشية ونتيجة الأزمة المالية والإقتصادية".
وختم مشددا على "اننا بحاجة الى سنة دراسية عادية حتى ننقذ أجيالنا من الجهل، والضياع الذي يودي بالبلد الى التهلكة وفقدان تميّزه الذي اشتهر به لبنان كمنارة في هذا الشرق".
قد يهمك أيضا
إضرام النيران في مدرسة إسلامية في دولة السويد
اجتماعات مكثفة للحكومة اللبنانية لإقرار مصير العام الدراسي
أرسل تعليقك