نيويورك ـ كونا
عشية يوم الأمم المتحدة العالمي للمياه الذي يحتفل به في 22 مارس من كل عام تتفاوت المواقف تجاه الحدث هذا العام لتشير الى خلافات أوسع نطاقا حول الدور الذي تلعبه المياه بالنسبة للأمن العالمي.
ففي حين يعرب العلماء والخبراء عن أملهم في أن تتعاون الدول التي تتقاسم طبقات المياه الجوفية والأنهار من أجل التشارك في المياه بدلا من التقاتل عليها تبدو الأمم المتحدة ومعها بعض المحللين قلقين من أن ندرة المياه في بعض أنحاء العالم ومنها الشرق الأوسط قد تثير بالفعل توترات بين الجيران.
وفي هذا السياق قال رئيس مختبر العلوم الهيدرولوجية في مركز (غودارد) لرحلات الفضاء بالإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) الدكتور ماثيو روديل في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) "حيثما توجد طبقات المياه الجوفية والأنهار التي تعبر الحدود السياسية يمكن أن تكون المياه سببا للنزاعات لكن ما رأيناه حتى الآن في أجزاء كثيرة من العالم هو أن البلدان تبدو قابلة للعمل معا من أجل حل قضايا ندرة المياه أكثر مما هي مستعدة للتقاتل على المياه لذلك دعونا نأمل أن يستمر هذا الاتجاه".
وأوضح روديل ان المياه السطحية مثل البحيرات والجداول والأنهار تتجدد باستمرار لكن قد يتم استخدام تلك المياه بشكل مفرط وهو ما يخضع للتقلبات السنوية في معدلات هطول الأمطار.
ورأى من ناحية أخرى ان المياه الجوفية وفي الكثير من الأحيان يكون عمرها آلاف السنين في المناطق الجافة وهذا يعني ان المياه الجوفية لم تعد تتجدد عن طريق الترسبات.
وأشار الى انه "عندما يستخدم الناس هذه المياه الجوفية الأحفورية فيكونون كمن لديه حساب توفير في البنك لم يضع فيه أي وديعة جديدة" مضيفا ان العديد من طبقات المياه الجوفية في الشرق الأوسط هي مياه جوفية أحفورية وبالتالي يعاد شحنها ببطء شديد ما يعني ندرة في المياه.
وأكد ان "ما رأيناه هو انه خلال فترات الجفاف يميل الناس الى استخدام المزيد من المياه الجوفية بسبب وجود كميات أقل من المياه السطحية المتاحة ما يتسبب بانخفاض مستويات المياه الجوفية بسرعة من دون ان تسترد للأسف تلك الكمية عند عودة الطقس الرطب".
ولفت الى انه "إذا كان الناس يعتمدون بشكل مفرط على المياه الجوفية في الشرق الأوسط فسوف تتجه الآبار الى الجفاف في بعض الأماكن كما ستتدهور نوعية المياه" محذرا من الخطورة الكبيرة لعدم إدارة المياه الجوفية على نحو مستدام.
وعما اذا كان يمكن للعلم ان يقدم الحلول في هذا الاطار اعتبر الدكتور روديل "ان ذلك ممكن حيث يستطيع العلم ان يوضح سرعة استنزاف المياه وما الذي يمكن فعله للحفاظ على معدل استهلاك مستدام كما يمكنه تعريفنا على كمية المياه المتبقية في الطبقات الجوفية" مبينا انه "إذا تم استخدام هذا العلم بحكمة من قبل صانعي القرار ومديري البرامج فإنه يمكن الاستفادة منه في تجنب الأزمات".
وفي يوم المياه العالمي غدا السبت من المقرر ان تصدر الامم المتحدة من اليابان تقريرا بعنوان (المياه والطاقة) لأن المياه والطاقة مترابطتان بشكل وثيق حيث ان الإجراءات المتخذة في احداهما يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الأخرى سلبا أو إيجابا.
وسيتناول التقرير وهو الأول من نوعه الظلم الواقع في توزيع المياه وخاصة في ما يسمى (مليار القاع) وهو عدد السكان الذين يعيشون في الأحياء والمناطق الريفية الفقيرة ويعانون ظروفا قاسية مع عدم تمكنهم من الحصول على مياه شرب آمنة ومرافق صرف صحي ملائمة الا نادرا.
ويتوقع أن يكون هناك رسالة للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون سيقول فيها "دعونا نتعهد بتطوير السياسات اللازمة لضمان أن يتم تأمين المياه والطاقة المستدامة للكثيرين وليس فقط لعدد قليل من الناس".
ويرجح ان يضيف بان في الرسالة "ان العديد من الروابط القوية بين المياه والطاقة تتطلب سياسات متكاملة واستراتيجيات مبتكرة اذ يجب استخدام المياه وتوليد الكهرباء وتوزيعها بإنصاف وكفاءة كي يحصل كل المستخدمين على حصة عادلة".
وتقدر الأمم المتحدة ان 783 مليون شخص حول العالم يعيشون دون مياه نظيفة فيما تتوقع ان تنخفض كمية المياه العذبة في منطقة الشرق الأوسط بنسبة 50 بالمئة بحلول عام 2050.
وكشفت صور حديثة التقطتها وكالة (ناسا) عبر الأقمار الصناعية عن ان إمدادات المياه في العالم تنضب بسرعة فيما توضح الدراسات ان ذلك يعود أساسا إلى تزايد عدد السكان والإفراط في ضخ المياه الجوفية والطلب الزراعي وتغير المناخ بينما يشير البعض الى أن الحروب حول المياه زادت في الآونة الأخيرة وسيكون هناك المزيد منها مستقبلا.
بدورهم يتكهن الساسة والعلماء بأن تحصل الحروب في المستقبل على المياه وليس على النفط.
وفي هذا الشأن قال ولي عهد دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في مؤتمر المياه الدولي الذي عقد مؤخرا في أبوظبي "ان المياه بالنسبة لنا هي أكثر أهمية الآن من النفط".
ولا شك ان ندرة المياه تواجه كل بلد عربي تقريبا في حين ان بعض الدول العربية وخاصة دول الخليج تستورد الغذاء أو تستأجر الأراضي الزراعية في دول بعيدة مثل أستراليا لتطوير الزراعة.
وأفضل مثال على ندرة المياه الحادة يأتي تحديدا من فلسطين حيث ان الموارد الطبيعية بما في ذلك المياه لا تنضب بشكل طبيعي فقط ولكن يتم أيضا سرقتها من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي يسيطر على معظم موارد المياه الفلسطينية في انتهاك لاتفاق أوسلو عام 1995 وفق خبراء فلسطينيين.
ولا تزال إمدادات المياه في الضفة الغربية وقطاع غزة أقل بكثير مما تتمتع به إسرائيل حيث يحذر مسؤولو الامم المتحدة من ان الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني سيبقى رهينة ل65 سنة من عدم الثقة مع عدم ترجيح احراز اي تقدم في عملية السلام بوقت قريب.
وعن هذا الموضوع قال العضو في البعثة الفلسطينية لدى الأمم المتحدة ربيع الحنتولي أمام لجنة تابعة للمنظمة الدولية في أواخر عام 2013 ان الاقتصاد الفلسطيني محروم من الوصول إلى 82 بالمئة من مياهه الجوفية مشيرا إلى أن إسرائيل تستغل حاليا أكثر من 90 بالمئة من الموارد المائية الفلسطينية للاستخدام الإسرائيلي فقط بما في ذلك استخدامها في المستوطنات الإسرائيلية.
وكنتيجة لذلك أشار الحنتولي إلى أن متوسط استهلاك المياه في الأراضي المحتلة هو 70 لترا للشخص الواحد في اليوم وهو أقل من الحد الأدنى البالغ 100 لتر يوميا والذي أوصت به منظمة الصحة العالمية وكذلك أقل بكثير من متوسط 300 لتر الذي يمثل الاستهلاك في إسرائيل.
وأيد مركز الأبحاث حول العولمة ومقره كندا المعلومات التي أدلى بها الحنتولي حيث أشار الى ان اسرائيل تسيطر على معظم موارد المياه المتجددة والتي تقدر بنحو 750 مليون متر مكعب كما تقيد وصول الفلسطينيين الى موارد المياه وتمنعهم من حفر آبار مياه جديدة.
بدورها تتلقى المستوطنات الإسرائيلية 75 مليون متر مكعب من المياه منها 44 مليون متر مكعب تأتي من الآبار التي تسيطر عليها إسرائيل في الضفة الغربية حيث استهلاك المياه من قبل المستوطنين الإسرائيليين هو أعلى بأربع مرات من الذي يستهلكه الفلسطينيون.
وفي حين يتهم الفلسطينيون إسرائيل بسرقة مياههم تتهم إسرائيل في المقابل الفلسطينيين بالاسراف في الري.
ويقول الخبراء ان اسرائيل وجيرانها العرب يواجهون نفس ندرة المياه ومشاكل التصحر لكن إسرائيل نجحت في تجنب مثل هذه المشاكل ويمكن أن تساعد جيرانها حتى على تجنبها معتبرين انه إذا تعاون الجميع بهذا الأمر فقد يمكن للتوترات الإقليمية بينهم ان تنخفض.
بدورها أعربت رئيسة مركز أبحاث الغذاء دانييل نيرنبرغ عن أسفها لأن "الري مصدر الاستنزاف المفرط للمياه من طبقات المياه الجوفية ويمكن أن يتسبب بتآكل وتدهور التربة" مشيرة إلى أن استخدام ممارسات حصاد مياه الأمطار والري المتقطع والرعي بالتناوب وغيرها من نظم توفير المياه قد يساعد على خلق مناظر طبيعية متنوعة.
وقالت نيرنبرغ ان منظمة الأغذية والزراعة (فاو) ومقرها روما ساعدت وزارات الزراعة في بعض الدول العربية على تحسين تقنيات الري والادارة موضحة ان هذا المشروع أفاد عشرات الآلاف من المزارعين من خلال توفير نظم تقنين الري التي توفر مدخلات المياه والأسمدة من خلال تنقيط المياه ببطء عبر شبكة من الأنابيب توصلها إلى جذور النباتات.
من جهته تمكن البنك الدولي في أواخر العام الماضي من دفع اسرائيل والاردن والفلسطينيين الى التوقيع على اتفاق تعاون اقليمي مهم من شأنه أن يدعم إدارة الموارد المائية الشحيحة والتنمية المشتركة واستخدام موارد مائية جديدة عبر تحلية مياه البحر.
لكن موقع (الانتفاضة الالكترونية الفلسطينية) انتقد هذا الاتفاق الذي تم توقيعه في فبراير من العام الماضي واعتبر ان المشروع "يزعم بأنه ينقذ البحر الميت ويثبت بأن السلام ممكن من خلال التعاون في إدارة الموارد الطبيعية لكنه في الحقيقة مجرد مخطط يهدد فقط بجعل الوضع الكارثي أصلا أسوأ مما هو عليه كما يسرق حق الفلسطينيين في المياه".
وتواجه المنطقة العربية أيضا تصعيدا في مجال المياه بين مصر واثيوبيا حول سد النهضة الذي تبنيه اثيوبيا على النيل الأزرق والذي يمكن أن يقلل من تدفق المياه إلى مصر بنسبة 20 بالمئة.
ووفقا لموقع (ناشيونال جيوغرافيك) فإن مصر تصر على ان مخطط إثيوبيا يصل إلى حد انتهاك الحقوق التاريخية واتفاق الحقبة الاستعماري .
أرسل تعليقك