أبوظبي ـ أ ش أ
يفتتح الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الدورة الثانية للقمة العالمية للمياة 2014، والذي يعقد في الفترة من 20 إلى 22 كانون الثاني الجاري بالتزامن مع القمة العالمية لطاقة المستقبل التي تستضيفها "مصدر" أيضا في إطار أسبوع أبوظبي للاستدامة، المنصة العالمية التي تناقش التحديات التي تعيق تسريع اعتماد خطط التنمية المستدامة وموارد الطاقة المتجددة.
ومن المتوقع أن تستقطب القمة أكثر من 5000 مشارك من 75 دولة ، ونحو 200 شركة تمثل 20 دولة منها المملكة المتحدة وفرنسا وهولندا واليابان وإيطاليا والولايات المتحدة وألمانيا وسنغافورة. وسوف تناقش القمة مختلف الحلول الكفيلة بمواجهة التحديات التي تواجه قطاع المياه العالمي ؛ والإدارة المتكاملة للموارد المائية ؛ والحوكمة والاستراتيجية المائية ؛ والأمن المائي ؛ والاستدامة المائية المستقبلية ؛ والجهود الرامية إلى تطوير قطاع المياه في دول مجلس التعاون الخليجي وتعزيز مجالات التعاون فيما بينهم ، وتبادل الأفكار والخبرات والتقنيات الخاصة بقطاع المياه لاسيما وأن التوقعات تشير إلى أن حجم استثمارات هذه الدول في مشاريع المياه المزمع تنفيذها بحلول العام 2022 ستصل إلى نحو 300 مليار دولار أميركي.
كما سيشارك خبراء عالميون للانضمام إلى السلطات الإقليمية في مشاركة المعلومات حول التغلب على التحديات التي تواجه المناطق القاحلة. كما يشارك في القمة الدكتور محمود أبو زيد رئيس المجلس العربي للمياه والذي يعد واحدا من خبراء المياه الإقليميين والعالميين ؛ والدكتور بيتر جليك رئيس معهد باسيفيك ؛ وتوم سو المدير التنفيذي للجمعية العالمية للموارد المائية ؛ ويوسوك ماتسوميا مدير القسم العالمي في الإدارة الفنية بالجمعية اليابانية لأعمال مياه الصرف الصحي ؛ والدكتور محمد يوسف المدفعي المدير التنفيذي لقطاع التخطيط والسياسات البيئية المتكاملة في هيئة البيئة بأبوظبي ؛ وفادي جويز المدير التنفيذي لشركة "ماتيتو".
وأوضح الدكتور محمود أبوزيد رئيس المجلس العربي للمياه، أن دول الشرق الأوسط بحاجة إلى التعامل مع موضوع الأمن المائي بجدية ، وأن تكون المياه على رأس جدول أعمال الموضوعات السياسية للحكومات في المنطقة. وقال إن منطقة الشرق الأوسط تعد واحدة من المناطق الأكثر جفافا في العالم حيث يتراوح نصيب الفرد من المياه العذبة بين أقل من 100 متر مكعب و800 متر مكعب سنويًا. وبمقارنة ذلك بحد الفقر المائي العالمي الذي يبلغ 1000 متر مكعب سنويًا يمكن إدراك سبب الأهمية الملحة التي تفرضها هذه القضية حيث تقع المنطقة تحت خط الفقر المائي.
وأضاف الدكتور أبوزيد أن الحكومات بحاجة إلى التعامل مع احتياجاتها الأولية لضمان توفير الموارد المائية الكافية لشعوبها. ويمكنها أن تبدأ بإعداد الخطط المائية على المدى القصير والمتوسط والبعيد. كما يمكن للحكومات تقييم الموارد المائية العذبة المتاحة والعمل على تطويرها، ودراسة الموارد المائية غير التقليدية، بما فيها المياه المهدرة، والمياه المالحة، ومياه الوديان، والمياه الجوفية غير المتجددة .
وحث الدكتور أبوزيد على تطبيق مفهوم الإدارة المتكاملة لموارد المياه (IWRM) في إدارة المياه ، وأن تأخذ الإدارة المتكاملة لموارد المياه منحى تنسيقيا لتطوير وإدارة المياه والأرض والموارد المرتبطة بها، فضلا عن أنه تم اعتمادها عالميا الآن كطريقة مستدامة للمضي قدما ويتضمن هذا المفهوم التنسيق والتواصل مع مختلف الأطراف المعنية بالتخطيط، والتنفيذ، وإدارة الموارد المائية.
وتشير التقارير الدولية إلى أنه منذ منتصف السبعينيات من القرن العشرين، تشهد الدول العربية طفرة متسارعة في تزايد السكان. وبأثر هذه العوامل، تقلص بصورة دراماتيكية نصيب الفرد من مصادر المياه المتجددة، فانحدر من 2925 مترا مكعبا من المياه للفرد سنويا في عام 1962، ليصل إلى قرابة 1180 مترًا مكعبًا في 1992، ثم إلى 743.5 متر مكعب في 2011. ويثير الرقم الأخير الذعر لأنه يقل كثيرًا عن خط الفقر المائي عالميًا لنصيب الفرد من مصادر المياه المتجددة (وهو 1000متر مكعب سنويا)، كما يتدنى بعيدا عن المعدل العالمي لنصيب الفرد من مصادر المياه المتجددة وهو 7240 مترا مكعبا سنويا ، أي تكون حصة الفرد من مصادر المياه المتجددة عربيا عشر المعدل عالميا. وتضم المنطقة العربية 23 مصدرًا كبيرًا للمياه ، وثمة أنهار صغيرة ومتوسطة في لبنان وسورية والجزائر والمغرب والسودان تجري وتصب ضمن البلد نفسه.
ويلاحظ أن الأنهار الكبرى في المنطقة العربية تأتي من مصادر خارجية وهو وصف ينطبق على أنهار النيل والفرات ودجلة ، وهناك أنهار مشتركة بين دول عربية، كالأنـهار بـين سـورية ولـبنان والأردن. وتعتمد بلدان عربية كثيرة على تخزين المياه وتوزيعها مما أعطاها حماية من تقلب مستوى هطول الأمطار، كما أبعد عنها أشباح كوارث الشح في المياه. وتعطي مصر نموذجًا قويًا عن هذا الوضع، بل تتصدر قائمة الدول العربية المعتمدة على السدود في الزراعة والشرب ، إضافة إلى تخزين المياه مع إنشاء السد العالي في أسوان جنوب القاهرة ، كما وفر لمصر طاقة الكهرباء وزاد في إنتاجية الزراعة وحسن ظروف السياحة النهرية. وحمى السد العالي مصر من موجتين ضخمتين من الجفاف حدثت أحداهما في عام 1972، وامتدت الأخرى بين عامي 1979 و1987. وكذلك حمى السد العالي مصر من موجات فيضان كبرى تكررت في الأعوام 1975 و1988 و1998، وساهم في 2 % من إجمالي الدخل القومي الخام.
وتشير التقارير إلى أنه بحلول عام 2025، ربما لا يكون معدل الفرد من المياه أكثر من 1000متر مكعب سنويًا، إلا في بلدين عربيين هما العراق والسودان. ومع حلول عام 2030، تكون 20 % من مصادر المياه المتجددة تقلصت بـ20 %عن مستواها المتدني حاضرا. وتعتبر المياه السطحية التي تأتي من الأنهار والأمطار إضافة إلى المياه الجوفية المصدر الثاني للمياه عربيًا. وتشكل هذه المياه ما يزيد على نصف ما يسحب من مياه في بلدان تشمل البحرين والأردن ولبنان وعمان وتونس واليمن والإمارات. ويفوق هذا المعدل 80 % في شبه الجزيرة العربية. وفي كثير من المناطق العربية يجري الاعتماد على المياه الجوفية المختزنة (بمعنى أنها غير قابلة للتجدد)، للتوسع في الزراعة ولتلبية النمو في السكان، وغالبا مع غياب التخطيط المتكامل في استخدام هذا المورد الحساس. وتضم الجزيرة العربية ودول شمال أفريقيا مصادر جوفية عميقة فيها مياه غير قابلة للتجدد إلا بمعدلات فائقة الضآلة، مما يعني اعتمادها على مياه تجمعت قبل ما يتراوح بين 15 ألف سنة و25 ألف سنة. وهذا وضع مظلم تمامًا، إذ تعتمد الدول المغاربية وشبه الجزيرة العربية على المياه الجوفية سواء كانت متجددة أم لا. وأدى السحب المتزايد من المياه الجوفية إلى تضاؤل متسارع لهذا المصدر كما زاد معدل الملوحة فيه. وإضافة إلى التضاؤل، يتهدد التلوث هذه المياه في معظم البلدان العربية مما يؤثر علي نشاطات الزراعة والصناعة والإسكان. واستطرادا، يترافق التناقص وزيادة الملوحة مع مجموعة كبيرة من التأثيرات السلبية في البيئة بمعطياتها وكائناتها كافة.
ومن الضروري بمكان النظر إلى المياه الجوفية المتجددة وغير المتجددة باعتبارها مصلحة عامة، بمعنى النظر إلى معدل تجددها بدل التركيز على مواصلة شفطها ، وهناك تجربة في تونس للاعتماد على صور الأقمار الاصطناعية في ضبط معدل استخراح المياه من خزان قبيلي الجوفي، مع معاقبة من يتجاوز المعدل المسموح به. واستطاعت وكالة ناسا لأبحاث الجاذبية الأرضية والتجارب الإقليمية للأقمار الصناعية مجتمعة اكتشاف وجود نقص في المياة الجوفية بحجم البحر الميت. ووفقا لتقرير وكالة ناسا فإن صور الأقمار الصناعية كشفت استنزاف أحواض نهري دجلة والفرات ، وهما إثنان من المصادر الحيوية للمياه العذبة في الشرق الأوسط ، مما يدعم الإدعاءات بأن المنطقة تواجه أزمة مياه متزايدة.
وطبقًا للتقرير ناسا تتوقع أن أزمة المياه في الشرق الأوسط ستتفاقم بمعدل أسرع بكثير من الحسابات السابقة. وهناك أكثر من 117 مليون قدم مكعب من المياه المفقودة ناتج من ضخ المياه من الخزانات الجوفية والآبار، بما فيهم 1000 بئر في العراق ، كما أن فقدان المياه السطحية والآثار الناتجة في المنطقة من الجفاف في عام 2007 ساهم أيضًا في عملية الإستنزاف. وذكر التقرير إن المنطقة المختبرة في تلك الدراسة تشمل تركيا وسورية والعراق وإيران والأردن. وحتي الآن فإن دول الخليج تواجه أيضا نقصا في المياه مرتبط ببيئة مناخ شديد الجفاف ، وتصارع المتطلبات الإقليمية للمياه ، بالإضافة الي إساءة استغلال المياه في الإستهلاك والري . وإن استنزاف الأحواض المائية يشكل " مأساه بكل المقاييس " حيث أن كل بلد علي حده تبحث عن مصالحها الشخصية مما يجعلها تفرط في استهلاك المورد العام بها علي الرغم من الآثار السلبية طويلة الأمد التي ستعاني منها. وإنه لمن المتوقع أن عدد سكان منطقة الشرق الأوسط سيتضاعف لأكثر من 600 مليون خلال السنوات ال 40 القادمة.
ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة ، فإن معدل استهلاك المياه من السكان يزداد إلي أكثر من الضعف ، وعلاوة علي ذلك زيادة معدلات التصحر وإرتفاع درجات الحرارة نتيجة تغيرات المناخ وندرة المياه مما يساهم في عدم استقرار المنطقة. وهناك أكثر من 80 % من الموارد المائية في الشرق الاوسط توجه للزراعة. ولعل جفاف الأراضي الزراعية في العراق وسوريا ولبنان وجنوب شرق تركيا أدي إلي ظهور " نازحين للمياه ". ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة فقد فر حوالي 800 الف من ساكني الأراضي الخصبة مرة واحدة. وقد صنف البنك الدولي حوالي 22 دولة في جميع أنحاء العالم بأنها تحت خط الفقر المائي 9 منها تقع في منطقة الشرق الأوسط.
ووفقًا لتقريروكالة ناسا وجامعة كاليفورنيا وأرفين فقد ازداد معدل استنزاف المياه العذبة في منطقة الشرق الأوسط علي مدي السبع سنوات الماضية. وينظر الرئيس التنفيذي لشركة ووتر فوند " سكوت ريكاردز " إلي أزمة المياه بإعتبارها أزمة رأسمالية ، وذكر ريكاردز أن المشكلة ليست في أن المياه تختفي من كوكب الأرض ، ولكن في تناقص الموارد الرخيصة المتوفرة بالقرب من المناطق السكنية. إن الحجم الكلي للمياه علي الأرض لا يتغير أبدًا ، ولكنه يأخذ أشكال مختلفة. لأن الإستخدام المختلف للبلدان ومقدار وطرق الإمداد المختلفة للمياه ، وعدم المساواه والتكافؤ في التوزيع قد أدت إلي ندرة الموارد. ووفقا لتقرير الأمم المتحدة فإن 41% من سكان العالم يعيشون في مناطق توافر المياه ، و 90% من المياه في أنحاء العالم يتم إنتاجها بواسطة شركات تابعة للحكومات ، وأكمل ريكاردز تصريحه ، حتي السياسيين يمكنهم تحديد معدلات تواجد المياه في معظم أنحاء العالم. وقد حدد ريكاردز حلولا عامة للدول للتعامل مع أزمة المياه ، وذلك من خلال تنفيذ إستراتيجية الإقتصاد في المياه والتي تهدف إلي تحسين البنية التحتية القائمة حاليًا وتعزيز فكرة البقاء ، ويمكن للدول تحسين الوعي العام بندرة المياه ، وزيادة كفاءة وطول العمر للأنظمة الطبيعية للمياه.
وكشف تقرير صادر من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن الإمارات تنفق حوالي 5 بلايين دولار سنويًا علي البنية التحتية للمياه والطاقة تدخل في تكاليف تحلية المياه. ولعل الماء هو مورد شامل وكثيف الطاقة ، وبنصف الطاقة المحلية في دول مجلس التعاون الخليجي سيتم إنتاج المياه. ويشير ريكاردز إلي أنه في الوقت الذي تسعي فيه أغني دول الشرق الأوسط مثل الإمارات بنشاط لإيجاد حلولا لمشكلتهم في ندرة المياه ، فإن الدول الأكثر فقرًا مثل الأردن واليمن وسورية والعراق لم تتمكن من جذب المستثمرين ورؤوس الأموال. وهناك حل بعيد المدي للدول التي تعاني من ندرة المياه تشمل إيجاد وسيلة لإستغلال موارد المياه المختلفة ، أو لتطوير موارد بديلة للمياه. وهذه المصادر البديلة قد تشمل أنظمة مياه الصرف الصحي مثل برنامج سنغافورة " استغلال المرحاض " ومحطات تحلية المياه أو برامج لتعبئة منابع المياه الجوفية. وفي كانون الثاني الحالي أيد البنك الدولي خطة نقل المياه المالحة من البحر الأحمر إلي البحر الميت بين الأردن وإسرائيل ومرورها بمحطات تحلية المياه والمحطات الكهرومائية عن طريق القنوات والأنابيب.
أرسل تعليقك