ليوبليانا ـ أ.ف.ب
تم تجاهل جوزيف تيتو، الحاكم الشيوعي الأخير للاتحاد اليوغسلافي، بشكل كبير منذ استقلال سلوفينيا عن هذا البلد الذي كانت اقليما من اقاليمه، لكن المؤرخين يشددون على ضرورة ان يتعرف الناس على هذا الرجل، وهذا ما يسعى معرض جديد لتحقيقه. وكان جوزيف بروز، المعروف باسم تيتو، حكم يوغوسلافيا من العام 1945 وحتى وفاته في العام 1980 بعدما نصب رئيسا مدى الحياة. وشكلت هذه الشخصية محل خلاف وجدل في سلوفينيا التي استقلت عن الاتحاد اليوغسلافي في العام 1991، وانقسم شعبها بين من يصفونه بمجرم حرب، وبين من يستذكرون "الايام الحلوة" التي عاشوها في عهده. وتقول داميانا وهي سيدة في الثانية والستين من عمرها تزور معرض "تيتو رمز يوغسلافي" ويعتريها الحماس لذلك "كان تيتو رجل دولة محترما، لم يكن جشعا ولم يأخذ شيئا لنفسه". وقد افتتح هذه المعرض في العاصمة ليوبليانا الشهر الماضي. ويقول الشاب روبرت وصديقته يانا اللذان يزوران المعرض معا انهما سمعا عن الرجل من اهلهما، ويبديان سرورهما لوجود هذا المعرض. ويضيف روبرت "كان الزمن افضل من الآن، صحيح ان الناس لم يكونوا اكثر غنى من اليوم، لكن القيم كانت مختلفة، كان الناس افضل، وكانوا يثقون ببعضهم البعض". وهذه الصورة الجميلة التي تستقر في ذهن الكثير من السلوفينيين، تصطدم مع الصورة الاخرى الشائعة عن تيتو، وهي صورة الزعيم الشيوعي الحديدي، الذي ارسل مئات المعارضين على حكمه الى السجون ومعسكرات الاعتقال، ولا سيما المعتقلات السيئة السمعة في جزيرة غولي اوتوك في البحر الادرياتيكي، والتي اصبحت اليوم تابعة لكرواتيا. ويرى المؤرخ جوزي ديزمان ان هذا المعرض يقوم على تمجيد حاكم مستبد مسؤول عن مقتل اكثر من مئة الف شخص، منهم من تعاون مع النازيين ومنهم مدنيون لم يكونوا اصحاب ذنب، وذلك في اواخر الحرب العالمية الثانية، عندما حاولوا الهرب الى الاراضي اليوغسلافية، فقبض عليهم واعدموا ودفنوا في مقابر جماعية في سلوفينيا. ويضيف المؤرخ "انه أمر محزن ان ترى الجيل الجديد من الشباب يصدقون الاكاذيب التي رددها لهم آباؤهم طول حياتهم". ويحذر من خطورة ذلك قائلا "علينا ان نواجه هذا التقديس لشخص تيتو من خلال الحقائق، علينا ان نتحقق من التاريخ بشكل حاسم". تنتشر على جدران المعرض صور تظهر تيتو الى جانب رجال الدولة والشخصيات والمشاهير، ومنهم مثلا الرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون، والامبراطور الاثيوبي هلاسيلاسي والممثلتان اليزابيت تايلور وصوفيا لورين. وتعرض ايضا مجلات تناولته على غلافاتها، مثل "باري ماتش" و"تايم". وكان تيتو زعيما سياسيا محنكا، استطاع نسج علاقات مع الشرق والغرب، واستقبل في كل عواصم العالم الكبرى، حيث التقى الملكة اليزابيت الثانية والرئيس الاميركي الراحل جون كينيدي وغيرهما، واستضاف شخصيات من هوليوود في جزيرته الخاصة في البحر الادرياتيكي. وقد ارسى تيتو نظاما شيوعيا قاسيا لا يمت للديموقراطية بصلة، لكنه كان بلا شك اقل قسوة من دول ما كان يعرف بالستار الحديد، وهذا ما يفسر ذكره الحسن لدى البعض. ويقول بوزو ريبي استاذ التاريخ في جامعة ليوبليانا في حديث لوكالة فرانس برس "في بعض كتب المدارس، يقدم تيتو على انه شخص جيد، خصوصا بسبب مقاومته للنازية، ومن ثم قطيعته مع الاتحاد السوفياتي". ويضيف بوزو "الاتحاد اليوغسلافي الذي حكمه تيتو بيد من حديد لم يلبث ان تمزق بعد وفاته" فاندلعت حرب البلقان الدامية في التسعينات، "وهذا ايضا ما يساهم في جعل بعض الناس يشعرون بالحنين الى عهده". ومع ان المعرض يضيء على جوانب ايجابية من شخصية تيتو وعهده، الا انه لا يغفل ايضا ان يعرض صورا ومقتنيات تشير الى المعتقلات السياسية التي كانت منتشرة في عهده. وتقول مويكا بوريدوس احدى المشرفات على المعرض "لا نريد ان نحاكم الرجل، نريد ان يأتي كل شخص ليرى المعرض ويكون رأيه بنفسه". وتضيف لمراسل وكالة فرانس برس "ينبغي التعرف على تيتو من الزاوية التاريخية، وكرمز ليوغسلافيا السابقة". ويستمر هذا المعرض حتى شباط/فبراير المقبل.
أرسل تعليقك