دمشق - سانا
أيقونات بصرية سجلها الفنان فرج شماس بكاميرته في معرضه الذي افتتحه مساء الاحد في دار الأوبرا السورية تحت عنوان "معلولا ذاكرة الصخر والإنسان" حيث قدم هذا الفنان رؤيا فنية عالية عن مدينته المغرقة في القدم كمدينة كوزموبولتية عرفتها الإنسانية منذ مشرق التاريخ مكاناً للعيش المشترك وأرضاً ما زال أهلها يتكلمون لغة السيد المسيح كموئل حضاري شعت منه المحبة في جهات العالم الأربع.
وتضمن العرض الذي حضرته وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح أكثر من أربعين كادر لوحة لصور فوتوغرافية عكست معالم مدينة معلولا وصخورها العتيقة إضافة لتوثيق جمالي قدمته الصورة الضوئية في أعلى تجلياته عن الأمكنة التي تذخر بها معلولا كذاكرة إنسانية لا يمكن للإرهاب الدولي أن ينال منها ومن مكانتها الضاربة في القدم.
وقالت الدكتورة مشوح في حديث خاص لـ سانا "إن هذا المعرض الضوئي يكتسب مرحلة خاصة في هذه المرحلة تحديدا فهو معرض فني بامتياز إذ اشتمل على لقطات وصور على درجة عالية من الجمالية في فن التصوير الضوئي لكن ليس هذا المهم اليوم فالمهم ماذا تقول هذه الصور كونها أجزاء مقتطعة من تراث سوري مسيحي إنساني عظيم فهي مدينة معلولا بمغاراتها بييوتها بتراثها بأزياء سكانها بأناسها الطيبين بنظرات الأمل والفرح والحزن فيها".
وأضافت هي صور معلولا المدينة التي سطرت صفحات جميلة من تاريخ الإنسانية والتي تعاني اليوم ويعاني أهلها وبعون الله هذه المدينة التي كانت رمزا للعيش المشترك بين السوريين أجمعين والتي تآخت فيها المآذن وأجراس الكنائس وتمت فيها معجزات القديسة مار تقلا وغيرها هذه المدينة ستعود كما كانت إلى حضن الوطن رمزا لبيئة المحبة والسلام والسكينة والتآخي بين السوريين ورمزا للمحبة للعالم أجمع فهي أرض السلام وفيها لغة رسول السلام السيد المسيح.
وبينت وزيرة الثقافة أنه لا علاقة للسياحة اليوم بما قدمه المعرض ففي السياق التاريخي الوطني الذي نعرض فيه هذه الصور لا مجال للترويج السياحي وإن كان لهذا الحقل أهميته بالنسبة لسورية فنحن اليوم عبر هذا المعرض نذكر بتاريخ سورية نذكر بقيمها.. القيم التي ربينا عليها كسوريين وأبناء وطن واحد قيم المحبة والإخاء ونركز على سورية مهد الحضارات والديانات السماوية وحاملة للإنسانية جمعاء ولابد أن تعود كذلك.
وكشفت مشوح أن معهد تعليم اللغة الآرامية لا يتبع لوزارة الثقافة إنما يتبع لجامعة دمشق وقد أشرفت عليه عندما كانت عميدا للمعهد العالي للغات مبينة أنها على يقين بأن جامعة دمشق ممثلة بالمعهد العالي للغات اتخذت الإجراءات الكفيلة بإقامة دورات للغة الآرامية في دمشق حيث يجب أن تستمر هذه اللغة فهناك الكثير من سكان معلولا انتقلوا للسكن في العاصمة بعد الذي لحق بهم من اعتداءات على يد الإرهاب التكفيري معربة عن اعتقادها أن أساتذة اللغة الآرامية مستعدون لإكمال تدريسهم لهذه اللغة الفريدة والعظيمة عالميا في كل مكان من سورية.
وأوضحت وزيرة الثقافة أن المعرض هو رسالة لكل كاره للحياة لكل كاره للجمال لكل من لا يفقه لغة المحبة ويرجح عليها لغة القتل والعداء فنحن في وزارة الثقافة نأمل أن يعود الجميع إلى رشدهم وأن يكون أبناء سورية من جديد أنقياء القلب صاحي الفكر متحدين في مواجهة ما يحاك لهم ولوطنهم سورية فكل فعل ثقافي هو وسيلة لمكافحة القتل والإرهاب وهو وسيلة تنويرية ترتقي بالنفس وتفتح الذهن على آفاق غير الآفاق المحدودة التي يحاولون أن يقيدونا ضمن إطارها الضيق.
وأشارت إلى أن سورية هي حاملة رسالة ثقافية كانت وستبقى في كل الظروف ومن سخريات القدر أن معلولا هي مهد المسيحية ومن سخريات القدر أن بعض الدول التي تدعي حماية المسيحيين في سورية تدعم من حطم معلولا وانتهك حرمات معابدها وكنائسها ومساجدها ولذلك نقول للجميع سورية مهد الحضارات حاضنة الأديان أرض المحبة وعليكم أن تحترموا هذه الأرض وأن تسمحوا لأهلها أن يعيدوا بنائها كما يحبون وكما يملي عليهم تاريخهم العريق.
بدوره قال الفنان فرج شماس أن هذا المعرض يمثل ما تعانيه اليوم سورية الوطن ولاسيما مدينة معلولا من موجات الإرهاب فمعلولا التي تشكل أيقونة حضارية عالمية هي المدينة الوحيدة التي مازالت تتكلم الآرامية لغة السيد المسيح حيث عملت على تسجيل وتوثيق المعالم المعمارية العريقة لهذه المدينة لمدة سنتين التقطت خلالهما أكثر من أربعين صورة فوتوغرافية أعتبرها بمثابة وثيقة بصرية عن معلولا بأديرتها دير مارسركيس ودير ما رتقلا الأثريين إضافةً لتوثيقي عبر الصورة لعادات سكان معلولا وتقاليدهم وعيشهم بين صخورها الحنونة العابقة برائحة التاريخ والحضارة والعيش المشترك عبر آلاف السنين.
كما أعقب افتتاح معرض التصوير الضوئي أمسية من التراث السوري لفرقة أساتذة معهد صلحي الوادي بقيادة الفنان عدنان فتح الله وذلك على مسرح الدراما افتتحتها الفرقة بمقطوع موسيقا آرامية من تاليف عدنان سعدو فتح الله أعقبها مقطوعة تراثيات من مقام حجاز "صولو قانون" من إعداد جوان قرهجولي برعت فيه الفنانة ديمة موازيني ليكون الجمهور على موعد مع وصلة "الزلف" السورية كما تغنى في مناطق حلب والصحراء السورية وريف دمشق والمنطقة الجنوبية حيث كانت هذه المقطوعة من إعداد الفنان نزيه أسعد.
وقدمت فرقة أساتذة معهد صلحي الوادي مجموعة من المقطوعات الموسيقية اللافتة على مستوى الأداء الموسيقي الجماعي كان أبرزها مقطوعة من مقام "تحميل حجاز قديم" من تأليف الفنان عدنان فتح الله إضافةً الى وصلة من الأغاني الفلكلورية السورية المغناة باللهجة العامية لكل منطقة فضلاً عن وصلة من الأغاني التراثية للفنان الراحل رفيق شكري من إعداد الفنان كمال سكيكر.
وختمت الفرقة أمسيتها اللافتة ببانورما من الموسيقا السورية التراثية أعدها كل من الفنانين جوان قرهجولي والفنان محمد فتيان ليكون مسك الختام مع مقطوعة من الموسيقا الآرامية أعدها الفنان كمال سكيكر عن تراث مدينة معلولا الأثرية.
يذكر أن معرض "معلولا ذاكرة الصخر والإنسان" مستمر يومياً في دار الأوبرا السورية حتى العشرين من شباط الجاري والدعوة عامة.
أرسل تعليقك