فاس - و.م.ع
بدأت، الجمعة بفاس، أشغال الندوة الدولية حول موضوع "لسان الدين ابن الخطيب .. مجدد فكر التسامح وحوار الحضارات" التي تنظمها، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، "مؤسسة لسان الدين ابن الخطيب" على مدى يومين.
ويروم هذا الملتقى الدولي، الذي ينظم بتعاون وشراكة مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، ووزارة الثقافة، الاهتمام بالذاكرة التاريخية وإحياء أعلام الثقافة العربية الإسلامية من خلال الوقوف على أبرز ملامح فكر لسان الدين ابن الخطيب، المفكر والأديب الشاعر والمؤرخ ورجل الدولة، من أجل الاستفادة من أعماله في قضايا حوار الثقافات.
واعتبر السيد عبد الحق المريني، مؤرخ المملكة الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، أن لسان الدين ابن الخطيب يعد أحد أعظم رجالات الفكر العربي المغربي لأنه ساهم، من خلال إنتاجه الفكري والأدبي، في إثراء الفكر المغربي الأندلسي بكتابات وأشعار أرخت لمجمل التحولات السياسية والثقافية التي كانت تشهدها المنطقة في تلك المرحلة.
وأضاف السيد المريني، في عرض قدمه خلال الجلسة الافتتاحية لهذا الملتقى الدولي، أن ابن الخطيب شكل أحد عوامل التنشيط الثقافي في الأندلس والمغرب باعتباره ربط علاقات وثيقة بالعلماء والمثقفين والفقهاء بكلا الضفتين، مشيرا إلى انه جمع بين السياسة والفكر حيث قاد سفارة دولة بني نصر إلى ملوك الدولة المرينية، وعاش متنقلا بين مدن مغربية كسلا ومراكش وفاس، وكان موسوعيا خلف عدة مؤلفات في الفقه والأدب والشعر والرحلة.
وأشار إلى أن المفكر والأديب لسان الدين ابن الخطيب خلف، خلال مقامه بالمغرب، أشعارا عكست مواقفه ورؤاه اتجاه كل الأحداث والقضايا التي عاصرها، كما أن له رحلات كثيرة كتبها عن المغرب وعن البلدان المغاربية نقل عنها كثير من المؤرخين لهذه المجتمعات في ذلك العصر، مؤكدا أنه يظل من كبار العلماء والمفكرين الذين يفتخر بهم المغاربة والمسلمون بالأندلس.
من جهته، أكد السيد محمد الكتاني، عضو أكاديمية المملكة المغربية، أن لسان الدين ابن الخطيب، الذي كان من كبار كتاب عصره وساسته، حاول أن ينسج من ثقافة عصره مشروعا معرفيا شاملا ينتصر لقيم التسامح والحوار والتعايش بين الثقافات والشعوب التي جسدها المجتمع الأندلسي بين مختلف الديانات والمكونات خلال تلك المرحلة سواء عن طريق الرغبة أو الإكراه.
وأوضح أن ابن الخطيب كان نتاجا لهذا المجتمع لأنه ورث روح حضارة ارتكزت على التعايش والتسامح، وبالتالي فلا غرابة أن يكون من أشد المدافعين عن هذه القيم، مشيرا إلى أن كتاب "روضة التعريف بالحب الشريف" يظل من أهم الكتب التي كتبها ابن الخطيب والتي تعكس بصدق نفسيته باعتباره يرتكز على فكرة محورية تتمثل في أن "الحب الإلهي هو مبدأ الكون وغايته".
وقال إن ابن الخطيب خرق في هذا الكتاب إجماع عصره في التعصب، ولخص كل الآراء القديمة والمذاهب السائدة لدى الفلاسفة والمتصوفة والفقهاء عن قيم التسامح والتعايش والحوار، مشيرا إلى أن التصنيف حول "الحب الإلهي" الذي يلخص كل هذه المبادئ قد بلغ مداه مع ابن الخطيب.
وكان السيد عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) أكد، قبل ذلك، أن الاحتفاء بلسان الدين بن الخطيب يستهدف، بالأساس، جبر ضرر حضاري صارخ وقع ضحيته هذا المفكر والأديب الذي أدى حياته ثمنا لما كان يؤمن به.
وأضاف السيد بن عثمان التويجري، في كلمة تليت نيابة عنه، أن ابن الخطيب حوكم محاكمة صورية لأنه اقتنع أن مصير الأندلس يكمن في ربطها بعمقها الاستراتيجي الذي هو المغرب والعالم الإسلامي، مشيرا إلى أن ابن الخطيب أدرك بحسه السياسي، كرجل دولة ومؤرخ، أن مستقبل الأندلس هو في وحدتها مع المغرب، غير أن هذا الحس الوحدوي تم تشويهه ليذهب ابن الخطيب ضحية لهذه المناورة ويؤدي ثمنها غاليا.
وأكد أن الأمم والشعوب الحية هي التي تحتفي بأعلامها وتحيي ذكراهم في حاضرها وتبقي مآثرهم حية للاستفادة منها في مستقبلها من باب العرفان أولا، ومن باب المحافظة على الذاكرة التاريخية، وبهدف تحصين الهوية الثقافية، مشيرا إلى أن إعادة تسمية ساحة (باب المحروق) بفاس لتصبح ساحة (لسان الدين ابن الخطيب) تمثل تصحيحا لوضع شاذ وجبر ضرر معنوي طال أمده في حق هذا المفكر والأديب.
وتم خلال الجلسة الافتتاحية لهذه الندوة، التي يحضرها العديد من الباحثين والمفكرين من المغرب والخارج، توقيع اتفاقية شراكة بين "مؤسسة لسان الدين ابن الخطيب" ومجلس مدينة فاس، تهدف إلى تكثيف التعاون في مجال إنجاز الدراسات والأبحاث حول التراث الحضاري لمدينة فاس.
وستتواصل أشغال هذه الندوة الدولية، التي تنظم بتعاون مع منتدى الفكر العربي، ومجلس مدينة فاس، وجامعة سيدى محمد بن عبد الله، بتنظيم خمس جلسات علمية ستناقش مجموعة من المحاور منها "الأندلس والمغرب .. مصير سياسي مشترك من خلال تجربة لسان الدين ابن الخطيب" و"فكر لسان الدين ابن الخطيب الموسوعي والمتفتح" و"قراءات في أعمال ابن الخطيب المتنوعة" و"لسان الدين ابن الخطيب .. العالم المتفتح على الديانات والثقافات" و"ابن الخطيب في الدراسات الأكاديمية الحديثة".
وموازاة مع انعقاد هذه الندوة التي يأتي تنظيمها احتفاء بمرور 700 سنة على ولادة لسان الدين ابن الخطيب، ستتم عملية إعادة تسمية (ساحة باب المحروق) بمدينة فاس، التي تقع بالقرب من ضريحه الذي رمم بالمناسبة، لتحمل اسم (ساحة لسان الدين ابن الخطيب).
أرسل تعليقك