دمشق - سانا
تحت عنوان "دمشق عبق الماضي وألق المستقبل" عقدت في المركز الثقافي العربي بأبورمانة ندوة بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب بمشاركة كل من الباحثين محمد مروان مراد وغسان كلاس والشاعرة هنادة الحصري.
وتحدث الباحث مراد عن حضور دمشق في دواوين الشعراء القدامى مشيرا إلى أنها كانت من أكثر المدن تداولا متطرقا إلى خصوصية قاسيون بالنسبة للشعراء.
ويستشهد مراد بشعر الشيخ عبد الغني النابلسي الذي خبر البلدان في جولاته ووقف خاشعا عند قاسيون وأسراره:
جاء النسيم بأطيب النفحات
من قاسيون ومنزل السادات
كم من ولي فيك واراه الثرى
بل من نبي في ذرا الهضبات
يا حبذا الكهف الرفيع وحبذا
تلك المغارة منجح الدعوات
ويقف مراد عند حضور دمشق في شعر بشارة الخوري "الأخطل الصغير" الذي وقف عند دمشق ومحاسنها في بديعة من بدائع شعره ومن بدائع الشعر في دمشق في الوقت نفسه:
بردى نظمتَ لنا الزمان قصائداً
بيضاً وحمراً من ندى وصفات
يا ذابح العنقود خضب كفه
بدمائه بوركت من سفاح
ولابن الشام خليل مردم بك عاشق دمشق وشاعرها من وهب حياته للشام وأعطاها ذوب شعره وإحساسه قصائد عديدة وعظيمة في الشام وكلها من القصائد المطولة لعمق إحساسه بدمشق:
هذي دمشق بما فيها هديته
أكرم بها منحة أكرم بمناح
في الغوطتين وفيها منظر عجب
بحر تعوم عليه ذات ألواح
يا من رأى نهراً قد أنشأت يده
بحراً يموج بأشجار وأدواح
ويشير مراد إلى أن الغوطة حظيت بمنزلة كبيرة لدى الشعراء فها هو الشاعر أنور العطار يقف وقفة المفتون بما يرى وكأنه أمام مشهد لا يستوعبه روعة وجمالاً وفتنة:
إيه يا غوطتي الأنيسة يا دار
الأغاني والحب والأسمار
نظمتك الأشواق شعراً شجياً
من الشوق أصدق الأشعار
أنت أحلى من خمرة التذكار
بفؤاد موله مستطار
ويخاطب خير الدين الزركلي الشام بعد أن قصفها الفرنسيون ولم تحل المصيبة بينه وبين أن يتحدث عن الشام وقوتها ومفاتنها وخصالها وخلودها:
الأهل أهلي والديار دياري
وشعار وادي النيربين شعاري
أمجالس السمار ضاحكة بهم
ضحك الهوى ما حلّ بالسمار
أم القصور نواعماً رباتها
ما للقصور دواثر الآثار
أم الحياة وللحياة نعيمها
هل في ديارك بعد من ديار
ما انهار قصر في حماك ممرد
إلا ليرفع فيك قصر فخار
ولم يغفل مراد الحديث عن قصيدة الشاعر بدوي الجبل التي كانت مغرقة في الوجد والحب والتعلق بالمدينة والتاريخ وما يمكن أن تمثله له:
نأيت عن الفيحاء لا عن ملالة
وحيداً ودمعي يوم فرقتها مثنى
فلله مغنى الغوطتين ولاسقت
على البعد إلا أدمعي ذلك المغنى
ويا جنة الفردوس لكن قطوفها
بغير أكفّ الصيد من أهلها تجنى
فيا واردي ماء الشآم رويتم
فلله ما أصفى ولله ما أهنا
وقصيدة الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي الذي ابتعد عن عراقه فكانت الشام له وطنا:
أتيت جلق مجتازاً على عجل
فأعجبتني حتى اخترتها وطنا
لا يبرح الحسن يوماً عن مرابعها
كأنما الحسن من قدم بها افتتنا
ويشير مراد إلى قصيدة جورج صيدح الشاعر المغترب في ديوانه حكاية مغترب التي يشتاق فيها إلى دمشق وينظم في كاراكاس أحاسيسه التي قد لا يستشعرها المرء في مدينة أخرى:
حلمت أني قريب منك يا بردى
أبلّ قلبي كما بل الهشيم ندى
حلم الليالي صياح الديك نفرّه
فلا دمشق ترى عيني ولا بردى
ولابد من الوقوف أمام افتخار إيليا أبو ماضي:
حي الشآم مهنداً وكتابا
والغوطة الخضراء والمحرابا
فالثم بروحك أرضها تلثم عصوراً للعلى سكنت حصى وترابا
بردى ذكرتك للعطاش فارتووا
وبني النهى فترشفوك رضابا
ويقف مراد كذلك عند قصيدة عبد الله يوركي حلاق التي وقف فيها عند دمشق وحبها وتاريخها:
ناداك صوت من دمشق محبب
فاسمع فدقات القلوب ترحب
فتحت لك الفيحاء قلب موله
حر وقلب الحر لا يتقلب
فأنهل من الحب المصفى إنها
للحب نبع خير لا ينضب
الشام في كف العروبة صارم يلقى جموع الظالمين فيضرب
وبعد هذه الجولة الشعرية يتحدث الباحث كلاس عن أهمية الحفاظ على عبق دمشق التاريخي الذي خطه الآباء والأجداد وخاصة في هذا الزمان الذي كثرت فيه الأيادي التي امتدت لمحاولة النيل من دمشق والإساءة إليها.
ويلفت كلاس إلى أن القاسم المشترك لكل الشعر الذي نظم في جمالية دمشق حضارة وتاريخا ووصفا أنه كان يتغنى بثلاث بردى والغوطة وقاسيون مشيرا إلى أن هذه الأوابد خلدت بقدرة الخالق العظيم من خلال الإنسان الذي أعطاها روحه وذاته وفنه وإبداعه سواء في وصفها وتجسيدها عبر السياقات المختلفة في الموسيقا والفن التشكيلي والشعر والرواية والقصة وكل أجناس الأدب وأنواع الفنون والإبداعات.
ويشير إلى أن هذا الإطار لا يكتمل إلا من خلال الإنسان الذي تمثله تلك الأسرة الدمشقية الخلية الأولى التي من خلالها تشكلت المدن وتفاعلت العلاقات الاجتماعية المختلفة.
ويبين أن المنشآت والأبنية والدور العمرانية والمساكن التي بناها الإنسان وانعكست في تجلياتها اللحمة والعلاقات بين أفراد المجتمع تحتاج إلى مزيد من الرعاية والاهتمام إذا أردنا أن نمجدها ونحافظ عليها.
ويشير إلى أن البيوت الدمشقية القديمة هناك منها ما اقتلعت أشجاره وجدرانه القديمة واستبدلت بالرخام والبلاط فتغيرت ملامحها التاريخية بدعوى الحداثة مؤكدا ضرورة السعي للحفاظ على هذا الإرث بأي شكل مشيرا إلى دور المنظمات والمجتمع الأهلي في ذلك مثمنا جهود وزارة الثقافة في تحويل البيوت الدمشقية إلى مراكز ثقافية مشيرا إلى ضرورة تامين الخدمات الكافية للمدينة القديمة كي يبقى هذا التراث.
وكان ختام الندوة هي أبيات شعرية تتغنى بدمشق للشاعرة الحصري تقول:
شامية أنا من جذور حضارة
وشمت جبين الدهر
بالحناء ماء الزهر
زعتر سفحها البري
نقش فسيفساء أوابد التاريخ
نكهة كرمة
تركت على الأيام خاتم عزها
أرسل تعليقك