بيروت ـ ننا
وقع الدكتور شوقي عاطف عطيه باكورة مؤلفاته كتاب "السكان في لبنان، من الواقع السياسي إلى التغير الاقتصادي والاجتماعي"، في قاعة الشمال في "مركز الصفدي الثقافي"، وهو في الأصل أطروحة الدكتوراه التي ناقشها عطيه في العام 2012 في العلوم الاجتماعية حيث نال بنتيجتها درجة جيد جدا.
ويندرج هذا النشاط في إطار التعاون القائم بين "مؤسسة الصفدي" ومعهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية (الفرع الثالث). وقد تضمن النشاط مداخلات لكل من: رئيس مدرسة طرابلس الإنجيلية الدكتور جمال بيطار، رئيسة مركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعية الدكتورة مهى كيال، ومدير معهد العلوم الاجتماعية الدكتور غسان الخالد.
حضر حفل التوقيع، عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية (الفرع الثالث) الدكتور كميل حبيب، عميد معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة الدكتور عبد الغني عماد، رئيس المجلس الثقافي للبنان الشمالي الدكتور نزيه كبارة، القاضي نبيل صاري، وأساتذة جامعيون وطلاب من مختلف الجامعات ومهتمون.
بعد النشيد الوطني، ألقى الدكتور مصطفى الحلوة كلمة "مؤسسة الصفدي"، رحب فيها بالحضور، وقال: إننا، إذ نتشارك الدعوة إلى هذا اللقاء مع معهد العلوم الاجتماعية، الفرع الثالث، نشدد على علاقتنا العضوية بالجامعة اللبنانية، والتي تزداد وثوقا مع الأيام. لقد غدت "مؤسسة الصفدي"، عبر "مركز الصفدي الثقافي"، موئلا لكل باحث عن الحقيقة ومؤمن بها، مساحة رحبة لكل فكر يلتزم قضايا المجتمع والوطن، بل لكل منتصر لقضايا الإنسان!. ومن أجدر من الجامعة الوطنية بتأدية هذا الدور".
وأكد "المضي قدما في مسيرة التعاون المشتركة، والدافع أبدا لتعزيز الحراك الفكري والثقافي في طرابلس والشمال وامتدادا إلى أربع جهات الوطن، وليعلو صوت الفكر على أزيز الرصاص ودوي المدفع!".
وعن الكتاب، قال: "إن المؤلف تناول الديموغرافيا ليتحقق من فعاليتها: أهي قنبلة قنبلة بالفعل، أي أن لها قابلية الانتقال من حال الإمكان إلى حال التحقق؟"، مشيرا الى ان ذهب عطية بعيدا في مقاربة مسألتيه. فهو، إذ يرى أن الديموغرافيا اللبنانية باتت تشكل تحديا جديا للعيش المشترك، يطرح السؤال الآتي: هل قدر لبنان أن يبقى في حالة معاناة دائمة من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية عند كل تحول في ديموغرافية الطوائف، فتحل عليه المصائب؟".
ثم كانت مداخلات لكل من الدكتور بيطار، صديق الكاتب، الذي اعتبر أنه كفيزيائي، تعلم من الدكتور عطيه معنى كلمة "ديموغرافيا"، حيث الانتقال من إحصاء النجوم إلى إحصاء السكان الذي ولد مساحة مشتركة بين الكون والبشر. وقال: "إن الكتاب استطاع ان يسرد بسلاسة مدهشة حقبات من تاريخ لبنان تظهر وبشكل واضح ترابط السياسة بالطائفية وبالتداخلات الخارجية وصولا إلى تكريس الطائفية السياسية وارتباطها بالتوزيع والحجم الديموغرافي للطوائف وهنا تكمن المشكلة".
ولفت إلى ان الكتاب ألقى الضوء على غياب أي إحصاء رسمي حديث، وهذه صفة لبنانية بامتياز ووليدة الطائفية السياسية، معتبرا ان الكتاب مرجع فائق الأهمية ويدعو بنتائجه المعروضة إلى التفكير بمستقبل لبنان ورفض الواقع والبحث عن صيغة تجعله وطنا نهائيا".
من جهتها، نوهت الدكتورة كيال "بمواصلة سلوك درب المعرفة، التي لا يستطيع الباحث الفكاك منها إلا بالإنتاج الفكري"، وقالت: "إن أهمية ما قام به شوقي، في اختيار الديموغرافيا كمجال لدراسته وإنتاجه البحثي، ليسد نقصا حادا في هذا التخصص، خصوصا وأننا في مجتمع ما زال يعاني من عدم الارتكاز على معطيات سكانية حقيقية لبناء سياسات ومشاريع تنموية ذات جدوى فعلية". ولفتت إلى طرح الكتاب "لواقع الارتباط السياسي الهش بين الديموغرافيا والنظام الطوائفي في لبنان".
واشارت كيال الى ما تناوله المؤلف عن اتفاق الطائف وما توصل اليه من نظام المناصفة الحصصية بين المسلمين والمسيحيين بغض الطرف عن الواقع الديموغرافي، معتبرة انه ليس إلا حلا مرحليا قد تخلخله الديموغرافيا لاحقا. وأكدت أهمية هذا الكتاب ودقة إحصاءاته وقيمة استنتاجاته، وقالت: " يعتبر مرجعا متعمقا في إشكاليات السكان في لبنان.
أما الدكتور الخالد فقد ركز في مداخلته على دور معهد العلوم الاجتماعية في مقاربة مختلف القضايا العائدة للمجتمع، مشددا على علاقة الجامعة اللبنانية عامة ومعهد العلوم الاجتماعية خاصة بمؤسسة الصفدي، تلك المؤسسة التي تشكل فضاء للجامعة وأساتذتها، لعرض أبحاثهم ودراساتهم ومؤلفاتهم ومناقشتها أمام الجمهور. واكد على مرجعية الكتاب في الأبحاث والدراسات.
بدوره ألقى والد المؤلف، الدكتور عاطف عطيه كلمة وجدانية عبر فيها عن سروره بولادة أول كتاب لإبنه شوقي، وأمل أن يكمل مسيرته الاكاديمية بما فيه مصلحة المجتمع وتطويره.
وقبل أن يوقع للحضور، ألقى المؤلف عطيه كلمة استهلها بتوجيه الشكر إلى المنظمين والمنتدين والحضور والأهل والأصدقاء، وتحدث عن صعوبة اختياره لموضوع الكتاب، حيث تعرض للتشكيك منذ البداية، حول جدوى طرح هذا الموضوع في بلد مثل لبنان. وسأل: "هل من الخطيئة أن نضع الإصبع عل الجرح النازف في لبنان؟ هل من العار أن نشير إلى الخطورة التي تلعبها التوازنات الطائفية في لبنان؟ أليس صحيحا ان التمفصل المتين بين السياسة والطائفة في لبنان هو ما أوصلنا إلى ما نحن عليه. وبالتالي: هل مقدر لهذا البلد ان يعيش حربا، أو شبه حرب، كلما اختل التوازن الطائفي؟ ألم يحن الوقت للخروج من عقدة النسبة؟".
وقال: "ينطلق الكتاب من سؤال بسيط: هل من المقدر لنا أن نعيش دائما في جدلية العدد والسلطة؟ لينتقل إلى الجواب الأساسي كأحد الإستنتاجات، إن مقولة التفوق الفطري أو الطبيعي لإحدى الطوائف اللبنانية على الأخرى هي مقولة خاطئة، فالتفوق يعود إلى مقدار العلم الذي حصلته كل جماعة لبنانية ومن تحسن ظروف معيشتها لتنقل فرصا أفضل في الحياة لأبنائها".
أرسل تعليقك