بيروت ـ ننا
أقيمت ندوة عن كتاب "روائع الزجل" في حرم الفرع الثاني لكلية الآداب والعلوم الانسانية - الفنار، برعاية رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيد حسين وحضور عميدة الكلية اسمى شملي ومقدمي الكتاب محمد حمود وديزيريه السقال، الشاعر موسى زغيب ومهتمين.
بداية قال الدكتور اميل يعقوب:"كيف يجوز ان يدرس شعر امرىء القيس وهو يبعد عنا ألفا واربعمئة سنة، ولا ندرس شعر الرحابنة، وهو خبزنا اليومي؟ كيف نتركز على نقائض جرير والفرزدق ونهمل قمم مباريات التحدي الزجلي التي جرت في المشرف والمدينة الرياضية"؟
وتابع:"تقام امسية في الشعر الفصيح وحضورها مجاني يحضرها عادة سوى العشرات ، وتقام المباراة الزجلية وبطاقة حضورها باغلى الاثمان فيأتي خالي من استراليا، وغيره من البرازيل؟ وسأل:أليست هذه الظاهرة دالة على مكان الشعر الشعبي في وجدان الشعب اللبناني؟"
اضاف:"من هنا خصصت بعض دراساتي لادبنا الشعبي اللبناني، فكتبت موسوعة الامثال اللبنانية، والاغاني الشعبية اللبنانية، واشرفت على موسوعة زجلية سميتها روائع الزجل ويا لجمال توارد الافكار".
ثم تطرق الى الكتاب موضوع الندوة، ورأى "ان الدكتورين محمد حمود وديزيريه سقال احسنا ديباجة روائع الزجل وختماها بالنقد على الغاية الاساسية للكتاب"، واشار الى "ان الرئيس عدنان السيد حسين املى النصوص الواردة في الكتاب من ذاكرته لانه يحفظها عن ظهر قلب، واصفا اياه بالموسوعة الشعرية المتحركة".
واعتبر الكتاب "دراسة علمية جامعة تمهد لدراسات معمقة في الموضوعات التي تناولها الباحثان".
واعتبر الدكتور بيار شلالا ان" هوية كل وطن تكمن في تراثه، والتراث مرآة لحضارة الشعوب وعنصر اساسي من عناصر استمرارها، ما يرثه شعب عن آبائه واجداده ، من عقيدة ودين وثقافة وقيم وآداب، تنعكس في عناوين اجتماعية وثقافية وفنية خاصة به".
وقال:"اذا ادركنا كل ذلك، لاكتشفنا علاقة العولمة بموضوع ندوتنا اليوم عن روائع الزجل".
وتابع:"كذلك اعتبر رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيد حسين في تقديمه الكتاب في ندوة سابقة جزءا من ذاكرتنا الشعبية وعلامة مميزة من فنوننا اللبنانية ، انه نتاج مجتمع ريفي، ابن الضيعة، ابن الصخر والوعر، هو صورة المجتمع اللبناني في نواته القروية والعفوية".
واسف لان "شباب لبنان لا يقدرون الضيعة وقيمها وادبها، ولان معظم المجتمع المدني غافل عن ان جزءا مهما من تراثنا الوطني ينقرض".
وختم:" نأسف لكننا لا نيأس ، لان شعراء الزجل صامدون، وما زالوا يبدعون، ولان المناهج التربوية للمرحلة ما قبل الجامعية اوردت وجوب ايلاء التراث اللبناني وفنونه اهمية، وان كانت دور النشر والمؤسسات التربوية لم تتجاوب كما هو مفترض. لا نيأس لان الزجل ما زال مادة للبحث والدليل صدور مؤلفات منه وآخرها روائع الزجل بعد قرون من ولادته".
وقال الدكتور، محمد حمود:"حظي الشعر العربي الفصيح منذ نشأته المبكرة بالتدوين والدراسة عبر عصوره ومراحله المختلفة في حين بقي الشعر العامي او الشعبي ابداعا شفهيا يتناقله الناس بحب وشغف في افراحهم واتراحهم، من غير ان يتحول بين ايديهم الى تراث مدون ومدروس".
واضاف:"على الرغم من ذلك ان التواصل بين الشعر الشعبي والنسيج المجتمعي لم ينقطع ومنافسته للشعر الفصيح لم تضعف، ولكن هذا التنافس لم يوفر للشعراء الشعبيين فرصة الوصول الى مناهج المؤسسات الاكاديمية وبرامجها التي لا تولي الاهتمام المتكافىء لنوعي الشعر الفصيح والعامي، والواقع ان هذا الموقف لم يكن محصورا بالزجل، وانما كان يشمل الادب الشعبي بعامة، بل كل ما يعتبر تجديدا وخروجا على ما هو مألوف، متداول ومكرس".
بدوره قال الدكتور حبيب يونس:"مصادفتان ومفارقة، اما المصادفة الاولى فهي ان احاضر في الزجل في اليوم نفسه لنشر ملحق النهار قبل اربعة عشر عاما دراسة من ثماني صفحات اعددتها عنه، واما المصادفة الثانية فأن احتفل بإحدى ولاداتي من رحم الكلمة والاوف بينكم في يوم ميلادي نفسه وقد بلغت من العمر حبرا كثيرا وورقا معتقا وقوافي اجنحتها فراشات وعصافير هي".
اضاف:"تبقى المفارقة وهي اننا نتكلم جميعا على الزجل من هذا المنبر بالعربية، انه اذن الزجل ضو لبنان، مهما تعددت الدراسات عنه وتوزعت الاراء في نشأته واصله وفصله، وقد حصل انه ما اصبح كما نعرفه اليوم الا على هذه الارض وبفضل شعرائها".
وتابع:"وقد قال فيه سعيد عقل "انه الفن الذي يضاهي الاوبرا، حيث تروح الكلمة تسالف الكلمة وهل من فن بعد أنبل"؟
وقال:"الايقاع يصلح فينا ميلا الى الخطأ في القياس، قول افلاطون هذا عزز لدي انطباعا قديما لم اجد له ما يسنده، على رغم ما قرات واستفسرت وتابعت، اما الانطباع فهو ان الشعر الموزوت في اية لغة كان يكاد يكون واحدا في اوزانه، ووحدته هذه نابعة من عاملين: فطرية الانسان التي كثيرا ما ساعدته على الابتكار والاكتشاف وتوقه الدائم الى الكمال، اي الى تجنب الخطأ، كما هي الطبيعة المتوازنة والموزونة من حوله كاملة".
وتساءل:"اي شعب قبل آخر وضع اوزان الشعر؟ ومن الشعوب اخذ عن الاخر او تأثر به؟ اذ ليس المهم من بدأ، بل المهم في هذا المجال ما قد حصل".
وتابع:"مقارنة اوزان الزجل اللبناني بالاوزان العربية عمل قام به كبار وكثر قبلنا ولست هنا مستندا الى ما استنتجوه احيانا، مستعينا بتجربتهم وخبرتهم".
وبعد تطرقه الى صعوبة محاولاته وضع اوزان للزجل اشار الى "انكشاف شبه توأمة بين اوزان زجلية واوزان خليلية".
بدوره قال السيد حسين:"في رأينا ان الكتاب كما اشار الدكتور اميل يعقوب ليس موسوعة لكل شعراء الزجل، هو تناول مجموعة كبار خلال مئة سنة في هذا الفن اللبناني الرفيع، واقول اللبناني لان لبنان تميز بهذا الفن عن غيره من بلاد العرب، وان كان الزجل يقال باللغة العربية، وباللهجة اللبنانية".
اضاف:"لقد سلم العرب بذلك فلا داعي للنقاش البيزنطي، واعطوا للبنان هذه الميزة، علينا نحن ان نكون امناء على الزجل تراثا ومستقبلا، ليس المهم ان نقول ما الذي حصل، وشكرا لكلية الاداب مجددا لانها اقرت في برنامج مادة الادب الشعبي مادة الزجل بالاضافة الى مواد اخرى".
وتابع:"كنت اسأل نفسي منذ الصغر الى الآن، لماذا يتجمع عشرات الآلاف من السامعين في حفلات الزجل ولا يلتقون بهذا العدد امام الشعر الفصيح المقفى؟ الى ما هنالك . الجواب كما اشار المتحدثون، في الطبيعة اللبنانية والقرية اللبنانية، اضافة الى هذا التاريخ المديد كما اشرتم منذ القدم، الى هذه الاوزان الموجودة بالفطرة والعفوية".
وقال:"اذكر يا استاذ موسى زغيب ان اول مباراة زجل حضرتها في جباع عام 1972 بين اربع شعراء: اسعد سعيد ومحمد المصطفى، جان رعد وخليل شحرور، بعد ذلك حضرت مباريات عدة، لكن فوجئت بجمهور قل نظيره في حفلة عربصاليم بين موسى زغيب والسيد محمد المصطفى، اوقفنا السيارة على بعد كيلومترين وسرنا، وكان الحضور حاشدا، وما زلت اذكر مطلع افتتاحية لموسى زغيب صفق لها ابن الجنوب كإبن الشمال، قال:
"إلك يا جنوب من موسى تحية
من صنين والارزة العلية
يا اهلا فيك يا بيت المعمر
بوجه يلي ضمر إلنا الأذية".
وتابع:"قلنا في الكتاب ان شعراء الزجل لبنانيون وطنيون، تخطوا الحواجز، فمن لا يذكر شاعر المسرح زين شعيب العابر للطوائف والمناطق؟ من لا يذكر جوقة "زغلول الدامور" وجوقة "القلعة" وغيرهما التي اجتاحت العالم بسفاراته وقنصلياته ومضافاته لترفع اسم لبنان والزجل، وانا اعرف كيف كرم عدد من شعراء الزجل في عمان، ودمشق والقاهرة، هل ننسى تكريم شحرور الوادي في وجود طه حسين في القاهرة"؟
وقال:" نحن لا نختلف على البديهيات لكن احيانا يبتلينا الله بكثرة الجدل".
وسجل عتبه على "اكثرية شعراء الزجل انهم لم يوثقوا ولم يدونوا ويحفظوا كل ما انشدوه وهو مهم، وعلى تلفزيون لبنان الذي لم ينشر حتى الان ما قيل عبر اثيره خاصة في مرحلة الستينيات حيث الانفجار الزجلي الكبير في الجمهورية اللبناني".
ووجه تحية خالصة الى زغلول الدامور طالبا له الشفاء من الله، مشيرا الى "ترتيب اسماء شعراء الزجل في الكتاب بحسب تاريخ ولادتهم، واصفا اياهم باللآلىء".
وقال:" نحن كأكاديميين نقدم للقارىء في الجامعة اللبنانية وجبة دسمة، وهو ليس كل ما قيل زجلا، هناك شعراء كثر آخرون، فالكتاب ليس موسوعة كاملة، بل يتضمن مختارات انطولوجية ربطا مع المقدمة البحثية للزميلين المشكورين الدكتور محمد حمود والدكتورة ديزيريه سقال، راجيا لكلية الاداب ان تسطع وان تبرع اكثر في عالم الادب".
وكشف انه "بصدد اعداد كتاب عن المدرسة الرحبانية"، لافتا الى "ان الفن يجمع اللبنانيين اكثر من السياسة ويرتقي بنفوسنا اكثر، ويعزز هذه الوطنية اللبنانية".
وبعد تلاوة مقتطفات من شعراء راحلين وحاضرين طالب كلية الآداب "بتعزيز من الزجل وبان تتعهده بالعناية المطلوبة وان تعيد له رونقه" ، مؤكدا "ان الناس الى جانب القيمين عليها والاعلام سيكون كذلك".
وفي الختام ،القى الشاعر موسى زغيب قصيدة ارتجلها من وحي المناسبة ووقع السيد حسين الكتاب للحضور.
اشارة الى ان "روائع الزجل" صادر عن كلية الآداب والعلوم الانسانية في الجامعة اللبنانية بإشراف رئيسها الدكتور عدنان السيد حسين وهو يجمع نصوصا زجلية عدة تم تناقلها شفهيا، بهدف التعريف بعدد كبير من شعراء الزجل وبشيء من انتاجهم، على ان يكرس الزجل فنا ادبيا يستحق التوقف عنده وتدريسه في المناهج التعليمية، بالاضافة الى وضع مادة شعرية بين ايدي طلاب الدراسات العليا.
أرسل تعليقك