أيام الغريب ألبير كامو في كتاب جديد لجوزي لانزيني
آخر تحديث GMT18:47:13
 لبنان اليوم -

أيام "الغريب ألبير كامو" في كتاب جديد لجوزي لانزيني

 لبنان اليوم -

 لبنان اليوم - أيام "الغريب ألبير كامو" في كتاب جديد لجوزي لانزيني

باريس ـ وكالات

«كان لا يزال شاباً… كان لا يزال شاباً» . هذا ما رددته والدة الأديب الفرنسي ألبير كامو، المسنّة والصمّاء على كرسي في شقتها المتواضعة ، وهي تشخص إلى صورة ابنها بعدما وصلها خبر وفاته بحادث سيارة مروع في الرابع من كانون الثاني (يناير) 1960. و بهذا المشهد المؤثّر بدأ الكاتب الفرنسي جوزي لانزيني نصّه الرائع الذي صدر حديثاً عن دار «أكت سود» بعنوان «الأيام الأخيرة من حياة ألبر كامو». شهادة كتبها لانزيني على شكل سردية واستقى مادتها من مقالات وكتب ومحاضرات كُرّست لكامو، ولكن أيضاً من طُرف واستشهادات مستمدّة من كتبه وتصريحاته. أما هدفها فليس فقط محاولة رواية ما كان يدور في خُلد هذا الكاتب الكبير قبل وفاته، بل منح القـارئ فكرة دقيقة عن صفاته الإنسانية النادرة. منذ السطر الأول، يشدّ هذا النص قارئه بنبرته التي تثير حواسنا وانفعالاتنا وتذهب إلى الجوهر من دون استطراد. وفي طبيعته، يشكّل الكتاب دعوة إلى السفر «على طريق الموت»، في السيارة التي كانت تقلّ كامو إلى باريس قبل وقوع الحادث المشؤوم. وبسرعة نجد أنفسنا مقذوفين في تعرّجات ذاكرته، شهوداً على اللحظات الأخيرة من حياته، من خلال وصفٍ موثّق تنكشف لنا فيه جوانب مجهولة من حياته، ويسمح لنا بالغوص في تأملاته وأفكاره ومخاوفه ومشاغله، وخصوصاً ألمه،ألم ابتعاده عن أمه المسمّرة في صمتها منذ وفاة زوجها وهي شابة، وألم أصوله الفقيرة ومأساة الوطن (الجزائر) الذي وُلد وترعرع فيه وارتبط به «بعلاقة لن تنتهي وتمنعني من أن أكون بصيراً تجاهه». ألمٌ شرّع له أبواب الكتابة وعاش في كنفه حتى النهاية. وعلى طول هذا النص المكتوب بأسلوبٍ شعري رقيق وسَلِس، يتجلّى كامو لنا بكل هشاشته وعذاباته، مسكوناً حتى اللحظة الأخيرة من حياته بذكريات طفولة لم يُشف منها، شكّلت سرّاً مضيئاً وحاراً ساعده على العيش وعلى التغلب على كل المصاعب التي اعترضت دربه. طفولة عاشها في حي بيلكور الشعبي قرب أمه التي أراد أن يهبها كل كلمة من كلماته، «كقطرة ماء في صحراء صمتها»، وقرب أولئك البؤساء المجرّدين من الكلمات ومن كرامتهم وحقوقهم، والذين كانوا يعانون البرد والجوع ويرزحون تحت نير مستعمرٍ يضطهدهم ويقتلهم حين لا يتجاهلهم. فقراء عايشهم الكاتب عن قرب ثم عاد فالتقى بهم أثناء ريبورتاجاته الشهيرة في شوارع العاصمة الجزائرية وفي منطقة القبائل فكتب عنهم: «على الصعيد السياسي، أريد ان أذكّر أيضاً بأن الشعب العربي موجود.  وبذلك أريد أن أقول إن هذا الشعب ليس مجرّد حشد من الناس المجهولين والبؤساء حيث لا يرى الغربي شيئاً يستحق أن يحترمه أو يدافع عنه، بالعكس، إنه شعبٌ ذو تقاليد عريقة وفضائل كبرى نلاحظها ما إن نتقرّب منه، بلا أحكامٍ مسبقة». وفي سياق التذكّر هذا، نرى كامو قبل وفاته متألماً بسبب حرب الجزائر وساخطاً على الجنرال ديجول وعلى حكومة غي موكيه ولكن أيضاً على «جبهة التحرير الوطنية» بسبب سلوكها الدموي وابتعادها عن مشروع مصالي الحاج الذي تشارك وكامو موقفاً واحداً يدعو إلى ضرورة تعايش عرب الجزائر وفرنسييها داخل دولة واحدة ومستقلة عن فرنسا. و يستحضر لانزيني قلقه ومعاناته النابعَين من انتقاد كتّاب هذه المدينة ومثقّفيها له، خصوصاً بعد نيله جائزة «نوبل» للآداب عام 1957، متوقفاً عند التجريح الجائر الذي تعرّض له حتى من بعض أصدقائه القدامى. فرفاقه الشيوعيون هاجموه بسبب انسحابه من الحزب الشيوعي وانقضاضه على جميع التوتاليتاريات، بما فيها تلك التي أسّس لها مَن كان يعتبر نفسه «أبا الشعوب الصغير، ستالين».  وحتى الوجوديون، وعلى رأسهم صديقه سارتر، انتقدوه بشراسة بسبب موقفه الفلسفي الجريء الذي قاده عام 1945 إلى القول الآتي: «ثمة طريقتان للوجودية: واحدة تفضي إلى الألوهية عبر نقد العقل «كيركيجار وجاسبرز»، والأخرى الملحدة «هوسيرل وهايدجر، ثم سارتر» تؤول بدورها إلى التأليه، تأليه التاريخ لاعتبارها إياه المطلق الوحيد». بينما انتقده اليمينيون بسبب وقوفه ضد عقوبة الإعدام وموقفه السلبي من سياسة الاستعمار الفرنسية في الجزائر. باختصار، لم ينتمِ كامو إلى أي زمرة أو مدرسة، وبقي بعيداً عن المحيط الأدبي الباريسي الذي رفضه وتعامل معه كما لو أنه «الغريب» العربي، بطل روايته الشهيرة. ولتشكيل فكرة عن الانتقادات الجارحة التي قضّت مضجعه، يقدّم لانزيني في نهاية كتابه عيّنات منها، ضمن فصلٍ منفصل عن نصه السردي، قبل أن يستشهد بتحليلٍ لميلان كونديرا يقول فيه: «بعد التحريم» الذي ألقاه سارتر عليه، وبعد جائزة «نوبل» التي جلبت له الغيرة والكراهية، شعر كامو بضيقٍ كبير بين المثقفين الباريسيين الذين لم يغفروا له علامات الفجاجة التي كانت تميّز شخصه وأصوله الفقيرة ووالدته الأمّية». وبحسب صحيفة الحياة اللندنية، تفسّر هذه الموجة من الانتقادات بلا شك عمله قبل وفاته على كتاب «الإنسان الأول»، وهو رواية تتحلى بطابع السيرة الذاتية ويتحدث كامو فيها عن الجزائر وعن مستعمريها البؤساء (مثله) الذين تم نفيهم إلى أرضٍ عِدائية (فرنسا). ففي أكثر من أي وقتٍ مضى، أراد آنذاك الشهادة على ذلك العرق الهجين الذي تمكّن من منح نتائج سعيدة بفعل الاختلاط تحديداً، وبالتالي أراد فتح مرحلة ثالثة وأخيرة في مساره، هي مرحلة المحبة، بعد مرحلتَي العبَث والتمرد.  لكنّ القدَر شاء مع الأسف ألاّ يُنجز كامو هذا الكتاب الذي وجدت مخطوطته في شنطته السوداء داخل السيارة التي توفي فيها، برفقة نسخة من كتاب نيتشه «المعرفة السعيدة» ونسخة من مسرحية شكسبير «أوتيلّو» 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أيام الغريب ألبير كامو في كتاب جديد لجوزي لانزيني أيام الغريب ألبير كامو في كتاب جديد لجوزي لانزيني



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 لبنان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 14:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 لبنان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
 لبنان اليوم - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر
 لبنان اليوم - اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
 لبنان اليوم - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon