الحلم والأوباش لمو يان تحكي عن الثورة وتأثيراتها
آخر تحديث GMT11:25:30
 لبنان اليوم -

"الحلم والأوباش" لمو يان تحكي عن الثورة وتأثيراتها

 لبنان اليوم -

 لبنان اليوم - "الحلم والأوباش" لمو يان تحكي عن الثورة وتأثيراتها

القاهرة ـ وكالات

تغيرات عميقة اجتاحت المجتمع الصيني عقب الثورة الثقافية، أثّرت بشكل كبير في حياة الناس، بحيث قلبت المعايير، إذ تمّ اللجوء إلى التصفية والانتقام والإذلال والتقييد والتضييق على مَن اعتُبروا مناوئين للثورة. بعض تلك التغيّرات يرصدها الصيني مو يان* (1955) الحائز جائزة نوبل للآداب 2012، في روايته "الحلم والأوباش"، (ترجمة محسن فرجاني، العين، القاهرة 2013). يقدّم مو يان ملامحَ من حياة الريف الصينيّ في النصف الثاني من القرن العشرين، وصولاً إلى الثورة الثقافيّة الصينيّة (1966-1967). يحكي حكاية الطفل شوكن، الذي يعني اسمه جذر الشجرة، في قريته النائية في عمق الريف الصينيّ، يفصح عن قدرته المدهشة على الحلم بالكثير من الأمور الفظيعة التي تتحقّق لاحقاً، وكأنّها تقوم بالتطابق مع حلمه السابق لها، وكأنّما الحلم لديه يقود الواقع، ينذر ويبشّر في الوقت نفسه، "يمرئي" له ما يمكن أن يحدث، يستعيد ما حدث، يقوم بدور المنتصر له. يتحقّق الفتى عبر أحلامه من أحداث ماضية، يستجليها ويعيد اكتشافها وفكّ الغموض الذي تلبّسها حينها، ويتنبّأ بالكثير من المجريات اللاحقة. يشتهر في المنطقة، يغدو مثار حديث الناس وموضع تندّرهم في بعض الأحيان، مما يدفعه إلى التكتّم على أحلامه فيما بعد، والتغافل عمّا تنبئه بها أو عمّا تحذّره منها. الحلم يشكّل القاعدة التي يبني عليها شوكن عالمه، يخطّط على إثره ما سيقوم به، يحاول أحياناً تحدّيه، يتمنّى في بعض الأحيان أن تكذب أحلامه أو تكون مزيّفة مخادعة، ولا سيّما تلك التي تتعلّق بذويه، والتي تجْلده بخطورتها حين تتحقّق وتنعكس سلباً عليه وعلى أسرته. أمّا الأوباش في الرواية، فيحضرون متجسّدين في السلطات، بدءاً من السلطة الأسريّة كأصغر دائرة قمع يقابلها شوكن وتفرض عليه إرادتها وتقيّده بتعليماتها، السلطة المتجسّدة بالجدّ والجدّة، الجدّة تسخر منه ومن تركيبة جسمه الغريبة غير السويّة، وبخاصّة رأسه الضخم بالمقارنة مع جسده الضئيل، وجدّه الذي لا يسمح له في غالب الأحيان بمشاركته وجبات طعامه من أسماك القريدس والجمبري التي يصطادها. تتوسّع دائرة الأوباش لتشمل السلطة التالية المتمثلة برجل الدين الغريب المبشّر مورويا الذي يتخلّى عن رسالته ورهبانيّته ويتزوّج بامرأة صينيّة ينجب منها طفلة، لكنّه لا يستطيع تربية طفلته لأنّه يموت جرّاء مرض يلمّ به، وكذلك تموت زوجته، فتتبنّى أسرة شوكن الطفلة، وتطلق عليها اسم شويا، وترعاها كابنتها. سلطة مورويا تقتصر على بعض التعليمات، وتبدو أقلّ تأثيراً من سلطة الأسرة، كما تبدو متخبّطة بين الولاء للتعاليم الدينيّة والالتفات للغرائز البشريّة، بحيث يؤثر التخلّي عن السلطة الدينيّة الممنوحة له مقابل الحياة البسيطة، ولا يكون ذلك إلا للتمهيد للسلطة القادمة التالية التي كبّلت الجوانب الدينيّة، وأعلنت ثورتها الثقافيّة بهجر كلّ الرموز والإشارات الدينيّة، وإحلال التعاليم الاشتراكيّة التي زعمت العمل بها وتطبيقها محلّها.. بمرور السنين تكبر الطفلة شويا، تتعلّق بشوكن تعلّقاً رهيباً، تكون نموذج الإنسان الهجين، مختلفة عن الآخرين نضرة جميلة ذكيّة، تكتشف أنّها أيضاً تمتاز بمقدرتها على التنبّؤ بالمستقبل عبر الأحلام، وتكون تلك بمثابة النعمة والنقمة في الوقت نفسه لها أيضاً. تتشارك مع شوكن أحلامه وكوابيسه، تستمتع باللعب معه، تبدو مشرقة حين تكون برفقته، تقصد معه المدرسة بعد إرسال السلطة الجديدة مدرّسة إلى القرية لافتتاح المدرسة فيها، وإلزام الناس بإرسال أبنائهم، وكان التعليم الإلزاميّ فرصة لاكتشاف الآخرين والمحيط. ولأنّ الأسرة البسيطة لم تستطع النهوض بأعباء إكمال شويا وشوكن كليهما للدراسة، آثرت إرسال شوكن لإكمال دراسته الثانوية ومن ثمّ الجامعيّة، في حين اختارت شويا التضحية والعمل للقيام بواجبات البيت، ولم تلتفت إلى محاولات الجدّة المستمرّة لإزعاجها. اختارت شويا طريقة لإعالة الأسرة التي تبنّتها، كانت بمثابة انتحار بطيء لها. وذلك بسرقة الحبوب من المركز الذي تعمل فيه مع نساء القرية، حيث الطاحونة التي يعملن فيها، والتي توزّع أقساطاً غير كافية على القرويّين ما يدفع النساء إلى سرقة بعض الحبوب لسدّ الحاجة والجوع، وتحدث أثناء ذلك الكثير من المفارقات المريرة الساخرة. تركّزت طريقة شويا لنقل الحبوب وفول الصويا، بحيث تتخطّى الحراسة المشدّدة والتفتيش الدقيق الذي كانت تتعرّض له كغيرها، بابتلاع كمّيّات ترهق معدتها، وحين تصل إلى البيت تتقيّؤها ثمّ تمرّرها بمرحلة الغسيل والطحن ومراحل التنظيف والعجن لتصبح وجبات لذيذة فيما بعد. كان الفتى شوكن بدوره متعلّقاً بشويا، يتّفق معها على الزواج، لكنه يؤجّل الخطوة لحين إنهائه من الدراسة، في حين أنّ الفتاة تبدو متلهّفة وكأنّها في سباق مع الزمن، تصرّح له برغبتها في إتمام الزواج سريعاً، ولا تملك أيّ خيار أمام تأجيل شوكن لذلك. وتكون الصدمة حين اكتشافها أنّ المرض الفتّاك بدأ ينهش جسدها، إذ إنّ الكميات الكبيرة التي تبتلعها ثمّ تستفرغها تؤثر على أحشائها وأمعائها، بحيث أنّ معدتها تفرغ كلّ ما يصل إليها، ويكون ذلك إنذاراً خطيراً لهما. تخبره أنّه ما عاد يستقرّ شيء في جوفها منذ أن لجأت إلى تكديس معدتها بالحبوب المسروقة واجترارها مراراً، فوصلت بها الحال إلى أن يندلق الطعام من معدتها بمجرّد أن تميل برأسها أو تفتح فمها على اتّساعه دون حاجة على الإطلاق إلى استثارة حلقها بالعصا الخشبيّة. ويحلم شوكن حلمه الأقسى والأكثر وحشيّة، يحلم بموت شويا، فيسارع إليها في القرية، ليُصدَم بتجمهر الناس على الجسر المؤدّي إلى القرية، وتحلّقهم حول جثة منتشلة من النهر، يفجَع بأنّها جثة شويا، ولم يستطع إنقاذها ولا الحؤول دون تحقّق حلمه المُفجِع.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحلم والأوباش لمو يان تحكي عن الثورة وتأثيراتها الحلم والأوباش لمو يان تحكي عن الثورة وتأثيراتها



GMT 18:18 2021 السبت ,27 آذار/ مارس

حكايات من دفتر صلاح عيسى في كتاب جديد

GMT 12:53 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

67 كتاباً جديداً ضمن "المشروع الوطني للترجمة" في سورية

GMT 11:07 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

"بنات كوباني" كتاب أميركي عن هزيمة "داعش"

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

الفري يعلن عن تأجيل معرض الكتاب 46

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 14:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 لبنان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 14:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 لبنان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon