الشاعر العراقي حسين عبد اللطيف يتعالى على آلامه بمتوالية هايكو
آخر تحديث GMT13:31:01
 لبنان اليوم -

الشاعر العراقي حسين عبد اللطيف يتعالى على آلامه بمتوالية "هايكو"

 لبنان اليوم -

 لبنان اليوم - الشاعر العراقي حسين عبد اللطيف يتعالى على آلامه بمتوالية "هايكو"

بغداد ـ وكالات

تمتد تجربة الشاعر العراقي حسين عبد اللطيف الإبداعية إلى أكثر من أربعين عاما أصدر خلالها خمسة دواوين شعرية. في ديوانه الجديد "بين آونة وأخرى يلقي علينا البرق بلقالق ميتة" الصادر عن سلسلة كتب بصرية بوزارة الثقافة بغداد 2012، اكتشف الشاعر في قصيدة الهايكو فضاء رحبا، يتيح له حرية التأمل والحوار مع الذات في اتصالها بالطبيعة بعيدا عن منغصات المعيش اليومي. قصيدة الهايكو هي قصيدة بثلاثة أبيات فقط تجسد فلسفة البساطة والشاعرية وتصوير اللحظة وتوقف الزمن من أجل التأمل، التي اشتهرت بها فلسفة الزن اليابانية وهي تختلف عن كل أنماط الشعر العربي والغربي ويكمن هذا الإختلاف حسب رأي الشاعر محمد الأسعد أحد مترجميها الأوائل بكونها "تتجنب الأساسيات العزيزة للجمال الشعري المألوف: التشبيه والمجاز وتجريد الملموس وتجسيد المجرد، وتتمسك بتسمية الموضوع "موضوع الخبرة" مباشرة. وهي تتجنب التشخيص أو أنسنة الأشياء. فالإنسان ليس مركزا بل هو خيط في شبكة كلية، وكذلك بقية الموجودات من تراب ونبات وحيوان ونجوم وسديم". ويصف الشاعر حسين عبد اللطيف تجربته هذه التي تغترف من أجواء قصيدة الهايكو بأنها "ومضات" أو توقيعات "على مثال الإمضاءات التي يوقعها المعجب بهم لمعجبيهم في الأتوجرافات "…." ومن هنا قصرها وتشبهها بضربات القلب أو إقترابها من قصيدة "الهايكو اليابانية". إذن هي ومضات أو ضربات قلب بقصرها وكثافة لغتها ووضوح الصورة فيها. ومن مميزات هذه المتوالية أنها تستفيد من منجزات قصيدة الهايكو اليابانية حين ترفض الصيغ البلاغية وتميل إلى "الوضوح في اللغة والموضوع ص7" وتهتم "بالصفاء والتناغم مع الوجود أو التلاشي فيه مفضلة الابتعاد بكلماتها عن الاصطفاف وعن الاستبدال بأخرى بديلا عنها ص7". كما يؤكد في مقدمته لمتواليته. إن ابتعاد الشاعر حسين عبد اللطيف عن الصيغ البلاغية في القصيدة العربية أو المجازات والصور التي أصبحت مكررة في قصيدة النثر العراقية الحديثة، هو نزوع شاعر باتجاه فضاء فسيح يتيح لتجربته وخبرته الطويلة التفتح على لغة قادرة على احتواء هذه التجربة التي تحمل خفايا نفس وأسرارا ومعاني تحتاج إلى قراءة متأنية، كما هي حال قصيدة الهايكو إضافة إلى أن "توقيعات" هذا الشاعر تحاول أن تتخطى لغتها ومجازاتها وصورها باتجاه قصيدة الهايكو ذات الثراء البصري والجو المتناغم لونيا وصوتا، بالاتجاه إلى الطبيعة، باعتبارها مركزا وفضاء غير محدود. وفي ديوانه الجديد تظهر قدرة الشاعر حسين عبد اللطيف في البوح الشعري، وتتجلى فيه ثقافته ويكشف عن تشبعه بأجواء الشعراء الأجانب إضافة إلى شعراء العربية. يشيع العنوان "بين آونة وأخرى يلقي علينا البرق لقالق ميتة " بنية مغلقة على حياة آفلة، مشبعة بالإحزان تتجسد في هذه الصورة الشعرية التي يدشنها هذا العنوان :متوالية من أسراب لقالق ميتة، يحتشد بها الأفق، تشبه جثامين ملفوفة بقماش أبيض تظهر وتختفي في فضاء هذه القصائد، لكن الشاعر يكسر جهامة هذا الأفق بالانفتاح على عالم الطبيعة الذي تتوارى فيه مظاهر الذات ومنغصاتها، وراء نصاعة ووضوح احتفال الكائنات بحياتها، بذلك التناغم الحي بين مكوناتها: "كل شيء مفعم بالضياء/ شجرة الكرز، الثلج/ أغنية طائر الليل/ و…/ وعاء الحليب". ولا يكتفي الشاعر بالاحتفاء بموجودات الطبيعة وتمجيد تضامن كائناتها، بل إنه يعرض للانتهاكات بين كائناتها بطريقة ساخرة، تجعل من هذه الانتهاكات لعبة من العاب الطبيعة: "صاحت الشجرة بالحطاب/ وهو يخرج من الغابة/ بحزمة من أغصانها،/ -عظامي/ -عظامي". وإذا كانت قصيدة الهايكو ترسم مشاهدها بشكل مباشر يشي بالتأمل والسكون دون حاجة إلى لغة استعارية، فإن الشاعر ينحو إلى كسر رتابة هذه الجملة الشعرية بالمفارقة الساخرة مرة أو بتشكيل علاقة مع الذات مرة أخرى ليبعث الحركة والحياة في هذه الجملة الشعرية التي تعاند للحفاظ على شكلها الساكن، تماهيا مع الشكل المألوف لقصيدة الهايكو: "نعيب الغراب/ قطار يرحل آخر الليل/ مخلفا شريطا من الدخان"، والظاهر أن في تشبيه الشاعر صوت نعيب الغراب بالقطار إشارة منه إلى حركة باتجاهين متعاكسين: الأمام والخلف، وليرسم صورة مبتكرة، يستبدل فيها الغراب بالنعيب وكأن النعيب سرب من الغربان السود. لقد منحت قصيدة الهايكو الشاعر فضاء جديدا استقبل الحياة من خلالها بنافذة تنفتح على جمال الطبيعة بمشاهد تتجلى فيها مظاهر ذلك الجمال بجمل شعرية اكتُنزت بالعديد من الصور المبتكرة التي أسهمت في انفتاح تجربة الشاعر على عالم التأمل والجمال بعيدا عن آلامه وحزنه المستديم بعد أن فقد ابنه البكر وتعرض إلى عملية بتر إحدى أصابع قدمه إضافة إلى الآلام الكثيرة التي يسببها إنصاته وتفاعله مع حياة الناس الشائكة في وطنه، غير أن ذلك لم يكن سببا كافيا كي يتخلص من تلك الآلام والأحزان فجاءت في هذا الديوان مشذبة ومكثفة وبعيدة عن الشكوى والرثاء المر الذي كان واضحا في قصائده التي نشرها خلال العامين الماضيين، وبذلك استطاع أن يعبُر بحر المرارة والألم في ديوانه هذا، من خلال عقد علاقة ألفة وحب مع الكائنات التي تحيط به، مستثنيا الآخر، الإنسان، من هذه الألفة والحب بمجموعة دافئة وحميمية من هذه التوقيعات: "نعاق الإوز البري/ وهو يرحل عائدا/ يترك في نفسي ذكرى أليمة". وعندما يستعيد ذكرى ولده الراحل، "ظلي الذي لم يمتد طويلا ليظللني، "حازم"" تأتي الذكرى على شكل توسل أو نداء إغاثة موجه إلى "أورشنابي" الملاح الذي ساعد كلكامش على عبور نهر الموت في الملحمة الشهيرة مرة، ومرة بـ "ييتسو jizo"مرافق الموتى في الأساطير اليابانية مرة أخرى كي يلتحق ولده برحلة الخلود الأسطورية، بعدما كانت رحلته في الحياة رحلة ألم ومعاناة، فيخاطب ييتسو jizo شبيه "أورشنابي"" في الأساطير اليابانية: "في الدنيا أدمته الأشواك/ احمل عزيزي على كتفك/ بلطف ييتسو jizo".

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشاعر العراقي حسين عبد اللطيف يتعالى على آلامه بمتوالية هايكو الشاعر العراقي حسين عبد اللطيف يتعالى على آلامه بمتوالية هايكو



GMT 18:18 2021 السبت ,27 آذار/ مارس

حكايات من دفتر صلاح عيسى في كتاب جديد

GMT 12:53 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

67 كتاباً جديداً ضمن "المشروع الوطني للترجمة" في سورية

GMT 11:07 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

"بنات كوباني" كتاب أميركي عن هزيمة "داعش"

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

الفري يعلن عن تأجيل معرض الكتاب 46

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 14:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 لبنان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 14:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 لبنان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon