الكتب الممنوعة يتتبّع تاريخ الرقابة ومحن حريّة التعبير
آخر تحديث GMT18:19:39
 لبنان اليوم -

"الكتب الممنوعة" يتتبّع تاريخ الرقابة ومحن حريّة التعبير

 لبنان اليوم -

 لبنان اليوم - "الكتب الممنوعة" يتتبّع تاريخ الرقابة ومحن حريّة التعبير

دبي ـ وكالات

في نطاق السعي لرفد الثقافة العربية بمجموعة من الأعمال الإيطالية، جراء النقص الحاصل في الترجمة من هذه اللغة، أصدر "مشروع كلمة" الإماراتي ترجمة بعنوان: "الكتب الممنوعة" من تأليف الكاتب الإيطالي ماريو إنفليزي. وهو كتاب يهدف إلى تقديم ملخّص إجمالي لتاريخ الرقابة على المطبوعات في الحضارة الغربية، متتبّعا المسار الشائك لحرية التعبير عن الرأي، وأصناف أنواع الرقابة المسلَّطة على الكتب والكتّاب، بما فيها من قيود على النشر بكافة أنواعه. وإذ يتناول المؤلّف بالدراسة والمعالجة نشأة الرقابة، وإعداد قوائم الكتب المحظورة، ودور محاكم التفتيش حتى بزوغ شمس عصر التنوير، فهو يبرز جليا دور الكنيسة والدولة في ذلك، فضلا عما أنتجته المعرفة من أدوات ومؤسسات تولت شأن الرقابة أيضا. فقد كانت الرقابة الفعلية تكمن حقيقةً وبقوة، في أيدي محكمة التفتيش، التي كانت تمتلك أدوات لا نهائية. كان بمقدورها -من جانب-، ممارسة تأثيرها على نفوس المؤمنين بشكل مباشر، من خلال عمل كهنة الاعتراف، وإلزام الجميع بالإبلاغ عن أولئك الذين يمتلكون مؤلفات يشتبه بها، والتدخل من جانب آخر، في عملية التداول، عن طريق القيام بزيارات إلى حوانيت بيع الكتب والمكتبات، والتفتيش على الحدود وأضيرت حرفة بيع الكتب ذاتها بشدة. ينقسم الكتاب إلى أربعة فصول، يقدم الفصل الأول تاريخ الرقابة الذي يرتبط بظهور قوة الكتاب المطبوع جلية، واضحة، وقدرته على الانتشار بيسر فائق بين أفراد الشعوب المختلفة، والذين كانوا بمنأى في الماضي عن الثقافة المكتوبة. غيرت الطباعة، وقيام نظام تجاري، سرعان ما امتد إلى أطراف أوروبا كلها، من ظروف التلاقح الفكري، فزادت كميات وعمليات الإصدار المطبعي، وتحولت بعض مدن أوروبا إلى مراكز للنشر يقصدها الناشرون والمؤلفون والقراء، ولقد أثار ذلك قلق الكنيسة فسعت إلى إقرار مبادئ عامة لرقابة استباقية يخضع لها الإنتاج الأوروبي المطبوع كله. ويتناول الفصل الثاني قوائم الكتب الممنوعة التي أعدّها أساتذة اللاهوت، ورعتها محاكم التفتيش الكنسية، والتي شملت مطبوعات ذات انتشار واسع ولا تتعارض في شيء مع القضايا اللاهوتية الشائكة. وامتدّ الجدل إلى شرعية قراءة التوراة بين العامة، كما دخل العلم، والأدب حيز عمل المراقبين، وتعرضت بعض أكثر المؤلفات الأدبية شهرة إلى التحريف على يد المنقّحين المشهورين. وتشير أدوات القمع الرسمية كالقوائم والمراسيم إلى مدى الاضطراب الذي شهده المشهد الثقافي والاجتماعي في النصف الثاني من القرن السادس عشر. ويعرض الفصل الثالث لحدود الرقابة، وإصرار كنيسة روما على تطبيق خطة شديدة الإحكام للتأكد من تطبيق القائمة والحفاظ على الخصائص المركزية، مما استدعى إعداد مشروع لجلب كل قوائم الكتب المحظورة، التي جمعها المحققون إلى روما، وكل قوائم كتب مكتبات الطوائف الدينية المختلفة مما شكل مشهدا عاما ثريا لقراءات رجال الدين والدومينيكان واليسوعيين. ويشير المؤلف إلى عدم قدرة المحكمة المقدسة على إقامة رقابة فعلية على تداول الكتب المحظورة، وندرة محاكمة الأشخاص الذين وجدت في حيازتهم تلك المؤلفات. ويتناول الفصل الأخير القرنَ السادسَ عشر بالتركيز، حيث اشتدت الرقابة والنشاط القمعي، اللذان تمت ممارستهما عبر قنوات تشريعية صارمة. إذ بلغ التعاون بين محكمة التفتيش وجامعتي سالامانكا وألكالا، اللتين كانتا تتوليان مهمة تحديد الهرطقة، مداه، ثم اتجه عمل محاكم التفتيش بعد ذلك إلى التعويل على ذاتها. وفي الأعوام الأخيرة من القرن السادس عشر، كانت الممارسات الرقابية قد تجاوزت كل حد، حيث خضعت للمراقبة مؤلفات باللهجة العامية، وأعمال دينية شعبية، وكتابات أكاديمية، وعلمية. لكن في أعقاب ذلك حصل سعي الدولة لفرض سلطتها على المطبوعات، ومع ذلك ما انهارت الرقابة كليا وإنما تراخت شدتها مما كان يعني -بشكل جوهري، وفي كل الدول تقريبا- انفراجا واضحا في الحيز الرقابي رافقه انتشار للسوق السوداء للكتاب، فتراجعت القوة القمعية للمحكمة المقدّسة، وانضمت الكنيسة، خلال ولاية البابا بيندكتوس الرابع عشر، إلى دعاوى الإصلاح الاجتماعي الخاصة بعصر التنوير. غير أن ذلك الانفراج النسبي في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، المتسم بطابع رسمي، غالباً ما أثار في نفوس القرّاء الملل أو الرفض، حيث انتشرت حشود المتعالمين، والكتب السيئة المطبوعة تحت الموافقة والامتياز الملكي، مما حمل الجمهور إلى توجيه النظر صوب نواحٍ أخرى، صوب ما يبدو من بيانات النشر قادراً على استدعاء غير المألوف، والمخالف للقواعد القارة. رغم التطورات الحاصلة بشأن تراجع الرقابة في أوروبا لم  يتم إقرار حرية النشر رسمياً إلا مع صدور "إعلان حقوق الإنسان والمواطن" في باريس في 26 آب/ أغسطس عام 1789م، الذي تضمّن أن "تبادل الفكر الحر، والآراء، أحد حقوق الإنسان الأكثر تقديراً، ويحق لكل مواطن أن يتحدث ويكتب وينشر بحرية كاملة في ما عدا ما يُعد تجاوزاً، وفقاً للحالات التي نصت عليها القوانين". الكتاب هو من تأليف ماريو إنفليزي، وهو أستاذ جامعي إيطالي يدرس في جامعتي ميلانو والبندقية، ويتولى في الوقت الحالي كرسي تاريخ الطباعة والنشر. اهتم طويلا بقضايا الرقابة على المؤلفات، وتداول المطبوعات في أوروبا الحديثة، ونشر في هذا الصدد العديد من الدراسات والأعمال من بينها "صناعة النشر في البندقية في القرن الثامن عشر" (ميلانو 1989)، ويعكف حاليا على كتابة تاريخ الإعلام السياسي. المترجمة هي المصرية وفاء عبد الرؤوف البيه، أستاذة الأدب الإيطالي في جامعة حلوان. سبق لها وأن ترجمت رواية "المسيح توقف عند إيبولي" لكارلو ليفي، ورواية "أنطونيو الجميل" لفيتاليانو برانكاتي. وأما المراجع فهو عزالدين عناية، جامعي تونسي إيطالي يشرف على برنامج الترجمة من الإيطالية لفائدة "مشروع كلمة". من أعماله المنشورة: "نحن والمسيحية في العالم العربي وفي العالم"، كما ترجم العديد من الأعمال إلى الإيطالية وإلى العربية منها: "علم الأديان" لميشال مسلان، و"الإسلام في أوروبا" لإنزو باتشي.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكتب الممنوعة يتتبّع تاريخ الرقابة ومحن حريّة التعبير الكتب الممنوعة يتتبّع تاريخ الرقابة ومحن حريّة التعبير



GMT 18:18 2021 السبت ,27 آذار/ مارس

حكايات من دفتر صلاح عيسى في كتاب جديد

GMT 12:53 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

67 كتاباً جديداً ضمن "المشروع الوطني للترجمة" في سورية

GMT 11:07 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

"بنات كوباني" كتاب أميركي عن هزيمة "داعش"

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

الفري يعلن عن تأجيل معرض الكتاب 46

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 14:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 لبنان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 14:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 لبنان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 10:23 2022 الثلاثاء ,17 أيار / مايو

توبة يتصدر ترند تويتر بعد عرض الحلقة 26

GMT 15:53 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

بحث جديد يكشف العمر الافتراضي لبطارية "تسلا"

GMT 12:55 2021 الإثنين ,02 آب / أغسطس

وضعية للهاتف قد تدل على خيانة شريك الحياة

GMT 16:06 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

دكتوراه لراني شكرون بدرجة جيد جدا من جامعة الجنان
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon