سيرة حياة أول بابا يستقيل منذ 600 عام
آخر تحديث GMT07:39:15
 لبنان اليوم -

سيرة حياة أول بابا يستقيل منذ 600 عام

 لبنان اليوم -

 لبنان اليوم - سيرة حياة أول بابا يستقيل منذ 600 عام

باريس ـ العرب اليوم

مؤلف هذا الكتاب هو الباحث الإيطالي أندريا تورنييلي، أحد كبار المختصين بشؤون الفاتيكان والقضايا الدينية المسيحية الكاثوليكية، كما أنه كان من المقربين من البابا المستقيل لسنوات طويلة حتى قبل أن يصبح بابا. وهو يقدم هنا صورة متكاملة عن سيرة حياة هذا الرجل الذي شغل وسائل الإعلام لأسباب شتى بشكل لم يسبق له مثيل من قبل. فمن هو هذا البابا يا ترى؟ على هذا السؤال يجيب المؤلف قائلا ما معناه: ولد جوزيف راتزنجير الملقب حاليا بالبابا بنديكتوس السادس عشر في قرية صغيرة بإقليم بافاريا في ألمانيا عام 1927، وفي السادس عشر من شهر أبريل (نيسان) على وجه التحديد. وكان والده ضابطا في البوليس الألماني، وكاثوليكيا ملتزما بشعائر دينه ومتحمسا جدا لها. ومعلوم أن ألمانيا كانت ولا تزال مقسومة إلى قسمين من الناحية المذهبية: قسم بروتستانتي في الشمال أساسا وهو يشكل أغلبية نسبية، وقسم كاثوليكي موجود في الأقاليم الجنوبية عادة. ولهذا السبب فإن الصغير جوزيف راتزنجير ورث عن عائلته ذلك العداء المذهبي للبروتستانتيين. وسوف تلاحقه هذه المشاعر المذهبية زمنا طويلا وربما حتى اليوم. فالبروتستانتيون يتهمونه بأنه لا يحبهم حتى بعد أن انتخب بابا للفاتيكان. وربما لم يكونوا مخطئين، فهو يعتبرهم في قرارة نفسه مجرد هراطقة! وبالتالي فليس المسلمون هم وحدهم الذين يكرهونه ويشتبهون به، وإنما البروتستانتيون أيضا، بل هم بالدرجة الأولى. من هذه الناحية فليس مأسوفا عليه! فهو رغم علمه الكبير بقي متعصبا كاثوليكيا. للتأكد من ذلك يكفي أن نقارن بينه وبين عدوه اللدود هانز كونغ المنفتح كل الانفتاح على الأديان والمذاهب الأخرى، وبالأخص على الإسلام والبروتسانتية. أين الثرى من الثريا؟ تحية للمجدد الكبير البروفسور هانز كونغ. ثم يقول لنا المؤلف بأنه كانت له أخت راهبة تدعى ماريا، وقد كرست حياتها كلها له ولخدمته حتى ماتت عام 1991، وكانت تهتم به وبشؤونه المنزلية ونظافة ملبسه وطعامه.. إلخ. وله أخ راهب أيضا ويدعى جورج، وهو أكبر منه بسنتين ولا يزال حيا. وفي عام 1939 دخل الشاب جوزيف راتزنغير إلى الدير لكي يتلقى التعاليم الدينية ويصبح راهبا، ولكن اندلعت في العام نفسه، كما نعلم، الحرب العالمية الثانية، وعندئذ أجبروه على الانخراط في منظمة الشبيبة الهتلرية. وكان عمره آنذاك اثني عشر عاما فقط، ومع ذلك فسوف يعيبون عليه ذلك لاحقا، وسوف يحاول غلاة الصهاينة استخدام هذه المسألة لابتزازه والضغط عليه حتى بعد أن أصبح بابا. ومعلوم أنهم خبراء في هذا المجال ولا يشق لهم غبار. ولكن البابا صرح في مذكراته بعد سنوات طويلة بأنه لم يطلق طلقة نارية واحدة في حياته رغم كل تلك السنوات التي قضاها في صفوف الشبيبة الهتلرية أولا، ثم الجيش الألماني ثانيا. وقد هرب من الجيش قبيل استسلام ألمانيا وانهيار النظام النازي بأيام قليلة. وعندئذ اعتقلته قوات الحلفاء عام 1945، حيث التقاه الكاتب الألماني الشهير (أو الذي سيصبح شهيرا لاحقا) غونتر غراس. ومعلوم أنه هو أيضا كان منخرطا في صفوف الشبيبة الهتلرية، وقد اعترف بذلك مسببا فضيحة نسبية، أو فرقعة حقيقية في الأوساط الأدبية والسياسية. ولكن اعتقاله لم يدم طويلا؛ إذ سرعان ما أطلقوا سراحه؛ نظرا لعدم أهميته في النظام النازي. وهكذا عاد إلى الدير من جديد لكي يواصل علومه الدينية، ثم دخل بعدئذ إلى جامعة ميونيخ، حيث درس الفلسفة وعلم اللاهوت في آن معا. وقد حضر رسالة دكتوراه تحت العنوان التالي: «شعب الله وبيته في العقيدة اللاهوتية للقديس أوغسطينوس». وهو أعظم قديس في المسيحية ويعد من المرجعيات اللاهوتية الكبرى. وفي تلك السنوات كان جوزيف راتزنجير يركب الدراجة ويجوب شوارع مدينة ميونيخ الجميلة طولا وعرضا. وكان شغوفا بالعلم لا يشبع. وقد درس الفلسفة المثالية الألمانية التي تعتبر أعظم فلسفة في العصور الحديثة. ونقصد بها تلك الفلسفة التي أسسها كانط ثم تابعها من بعده بأشكال شتى فيخته، وشيلنغ، وهيغل، والشاعر الكبير هولدرلين، وسواهم. وبالتالي فالرجل لم يحصر نفسه بالعلوم الدينية أو اللاهوتية، وإنما تجاوزها إلى البحوث العلمية والفلسفية. ولذلك أصبح لاحقا أكبر عالم وفيلسوف في تاريخ البابوية منذ أن كانت قد تأسست قبل ألفي سنة وحتى اليوم. ولهذا السبب عينوه أستاذا لعلم اللاهوت في جامعة بون بين عامي 1963 - 1966، وأصبح بالتالي أصغر أستاذ جامعي من حيث سنه أو عمره في كل أنحاء ألمانيا. وابتدأت شهرته تصعد وتكبر شيئا فشيئا. ثم أصبح أستاذ علم اللاهوت في كلية توبنجين بين عامي 1966 - 1969، وهي الكلية التي خرجت سابقا الثلاثي العبقري الشهير: هيغل، شيلنغ، هولدرلين. ومن كان عميد الكلية آنذاك؟ إنه العالم اللاهوتي المجدد الكبير هانز كونغ الذي ذكرناه آنفا. ومعلوم أنه اختلف معه لاحقا واتهمه بالرجعية، وحذر من انتخابه بابا في روما. ولكن يبدو أنه غير رأيه فيما بعد وتصالح معه بعد أن زاره في مكتبه بالفاتيكان. والواقع أن هانز كونغ من كبار المجددين في العلوم اللاهوتية المسيحية. هذا في حين أن جوزيف راتزنجير أصبح محافظا جدا بعد أن كان تقدميا من الناحية الدينية والعقائدية. نعم.. لقد كان جوزيف راتزنجير تقدميا ومجددا أثناء انعقاد المجمع الكنسي المشهور باسم الفاتيكان الثاني بين عامي 1962 - 1965، وقد دعا آنذاك إلى تجديد العقيدة المسيحية لكي تساير العصر وتتصالح مع الحداثة. وأيد القرارات اللاهوتية الانفتاحية الجريئة التي اتخذها هذا المجمع الشهير. ولكنه فيما بعد تراجع عن خط التجديد بعد أن رأى اللاهوتيين الألمان يقتربون من الماركسية ويعتنقون الأفكار اليسارية. وعندئذ خاف على العقيدة المسيحية وأصبح أكثر تحفظا أو محافظة، إن لم نقل رجعية. وفي عام 1969 عينوه أستاذا لتاريخ العقائد في جامعة راتسبونغ التي ألقى فيها محاضرته الشهيرة عام 2006 وأثارت عليه نقمة العالم الإسلامي كله. ومعلوم أنها تركت جرحا لا يندمل. ولكنه في ذلك الوقت، أي قبل سبعة وثلاثين عاما، كان مجرد أستاذ لتاريخ العقائد في تلك الجامعة. لا ريب في أنه محق بإدانة العنف الذي ترتكبه الجماعات المتطرفة باسم الله أو الدين. ولكن هذا العنف اللاهوتي غير محصور بدين واحد كما أوهم، وإنما هو موجود في جميع الأديان، وإن في فترات متفاوتة من تاريخها. ومذهبه البابوي الكاثوليكي كان مشهورا بارتكاب العنف والقمع باسم الدين إبان القرون الوسطى ومحاكم التفتيش وملاحقة العلماء والمفكرين. فلماذا نسي ذلك كله فجأة؟ أين الموضوعية في البحث وهو العالم الكبير؟ ثم ما معنى قوله بأن المسيحية متصالحة مع الفلسفة والعقل على عكس الإسلام؟ هذا كلام ديماغوجي لا يصمد أمام الامتحان على الإطلاق؛ فالمسيحية، وبالأخص مذهبه الكاثوليكي البابوي، كانت من ألد أعداء العقل والعلم طيلة قرون وقرون. وإلا فلماذا حاكموا غاليليو وقطعوا لسان جيوردانو برينو وأرعبوا معظم مفكري الغرب على مدار عدة قرون؟ لا ريب في أن الكاثوليكية تصالحت مع العلم والعصر مؤخرا بعد الفاتيكان الثاني. وهي تشكر على ذلك، ولكن ماذا فعلت قبل ذلك؟ ثم كيف نسي أن الإسلام هو الذي حمل إلى أوروبا مشعل النور والحضارة وساهم في نهضتها؟ عيب عليه وهو العالم الكبير أن يتناسى كل ذلك أو يطمسه. على أي حال فإنه التقى عام 1977 كارول وايتاولا الذي سيصبح بابا روما بعد عام واحد فقط تحت اسم يوحنا بولس الثاني. وكان لقاء ناجحا وموفقا. والواقع أنهما كان يعرف بعضهما بعضا عن طريق المراسلة منذ زمن طويل. وكان يجمع بينهما حب الفلسفة والعلوم اللاهوتية. ولذلك عينه يوحنا بولس الثاني عام 1981 المسؤول الأعلى عن شؤون العقيدة المسيحية في الفاتيكان. وكانت شهرته قد طبقت الآفاق بصفته عالما لاهوتيا من أعلى طراز، ولكن المجددين خشوا من نزعته المحافظة، بل اتهمه البعض بأنه يريد أن يعيد محاكم التفتيش إلى سابق عهدها! والواقع أنه فصل الكثير من الأساتذة المجددين من مناصبهم الجامعية بعد أن اتهمهم بالانحراف عن نهج العقيدة القويمة المستقيمة (أي ما يدعى في المصطلح اللاهوتي بالأرثوذكسية العقائدية). ولذلك أصبح الكثيرون يخشونه ويهابونه ويكرهونه في الوقت ذاته. ولكن لم يكن أحد يشك في أهميته كفيلسوف وكعالم لاهوت لا يشق له غبار. والواقع أن سبب تشدده يعود إلى خوفه من الحضارة الحديثة التي أغرقت في الماديات والشهوات، ومعه الحق في ذلك من هذه الناحية. انظروا التطبيل والتزمير لزواج الشواذ في أوروبا، واعتبار ذلك قمة الحضارة والرقي والتقدم! بل ليس حقهم في الزواج فقط، وإنما في تبني الأطفال. وهكذا يصبح الطفل عائشا بين رجلين بدلا من أن يعيش بشكل طبيعي بين رجل وامرأة، أو أم وأب. ولذا فهو يحاول أن يقنع الأوروبيين بالعودة إلى القيم الدينية والروحية وعدم اختزال الحياة في مجرد متع حسية وشهوات لا تشبع ولا تنتهي. باختصار فإنه يريد أن يعيد الشعوب الأوروبية إلى المسيحية بعد أن خرجت منها أو تخلت عنها على أثر فويرباخ وماركس ونيتشه وفرويد وعموم الثورات الفكرية والسياسية الحديثة. فهل سينجح في ذلك يا ترى؟ الأمر مشكوك فيه؛ نظرا إلى انغماس الأوروبيين في حياة الحداثة وعدم رغبتهم في العودة إلى الدين من جديد. ولكن لا أحد يعلم ما الذي سيحدث في مستقبل الأيام، فربما شبعت البشرية الأوروبية من الشهوات المادية وعادت إلى الروحانيات من جديد.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سيرة حياة أول بابا يستقيل منذ 600 عام سيرة حياة أول بابا يستقيل منذ 600 عام



GMT 18:18 2021 السبت ,27 آذار/ مارس

حكايات من دفتر صلاح عيسى في كتاب جديد

GMT 12:53 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

67 كتاباً جديداً ضمن "المشروع الوطني للترجمة" في سورية

GMT 11:07 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

"بنات كوباني" كتاب أميركي عن هزيمة "داعش"

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

الفري يعلن عن تأجيل معرض الكتاب 46

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 14:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 لبنان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 14:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 لبنان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon