الانتفاضة الكردية في قصائد طيب جبار
آخر تحديث GMT15:51:31
 لبنان اليوم -

الانتفاضة الكردية في قصائد طيب جبار

 لبنان اليوم -

 لبنان اليوم - الانتفاضة الكردية في قصائد طيب جبار

بغداد ـ وكالات

يؤرخ الأكراد لأدبهم الحديث اليوم بما قبل الانتفاضة وما بعدها، الانتفاضة التي قامت في الشمال والجنوب في عام 1991 ضد نظام الديكتاتور صدام حسين، بوصفها نقطة انفصال حادة غيرت مسارات الحياة الكردية تماماً إلى درجة أصبح معها هذا الحدث الجبار مرحلة لتأريخ الأدب. الأدب الكردي تغير أيضاً بعد هذه المرحلة وظهرت أسماء لم نكن نعرف عنها شيئاً في السنوات العشرين الأخيرة، تكتب بطريقة مختلفة عما كان سائداً قبل هذه المرحلة – لحظة الانفصال أو لحظة الحرية. وهذا ليس على صعيد فنون الكتابة وحسب ولكن في جميع المجالات الثقافية مثل المسرح والفنون التشكيلية والسينما، على أنّ أكثر ما يميز هذا التغير نجده في الشعر الحديث وتحديداً في تقنية قصيدة النثر شكلاً ومضموناً. من بين الأسماء الشعرية الكثيرة في الساحة الكردية يبرز اليوم اسم الشاعر طيب جبار الذي أصدر عدداً من الكتب الشعرية باللغتين الكردية والعربية، وكان آخرها ديوانه الجديد الصادر عن دار الغاوون هذا العام «قصائد تلتفت إلى الأمام» بترجمة جميلة قام بها الشاعر عبد الله طاهر البرزنجي الذي درس اللغة العربية في بغداد. مع أن نصوص هذا الديوان مترجمة إلى العربية إلاّ قارئ هذه النصوص لن يشعر أنه يقرأ شعراً مترجماً، وقد تكون بساطة النصوص ووضوحها سبباً في ذلك. في هذا الديوان يقلب طيب جبار الوظائف اللغوية ويعيد توزيعها بطريقته الخاصة، كما لو أنه يمارس لعبة لغوية يعيد من خلالها إعادة إنتاج المعاني. لكنه لا يكتفي بذلك، بل يقوم بأنسنة الأشياء التي تبدلت وظيفتها لكي تكون دالة أكثر مما كانت عليه في حالاتها السابقة. أما اللغة التي تكاد تخلو من البلاغة بإيقاعها البطيء وقصر الجملة فيها فإنها تسعى إلى الاقتصاد والابتعاد قدر الإمكان عن الحشو والتمركز حول الفكرة الشعرية التي يمكن ملامستها وتقليبها على مهل. الفكرة الشعرية لدى طيب جبار مبنية على التضاد وتقترب أحياناً من اللعبة السريالية التي لا تخلو من الدعابة كما يبدو لأول وهلة «لو كنت أعرف/ في هذا الربيع/ أن ملحمة الاخضرار لا تكتب/ لأمرت بحل/ المجلس الأعلى للأمطار/ لو كنت أعرف/ في هذا الصيف أن مساحة الحرارة لا تقاس/ لأحلت مدير أشعة الشمس/ إلى القضاء» (من قصيدة الرباعية الثانية: الفصول الأربعة). يحيلنا هذا المقطع القصير ربما إلى كتابة الأطفال التي تتحرر من القيود الصارمة في إنتاج المعاني والألفاظ والبحث عن دور يمكن أن تلعبه اللغة بوصفها إطاراً للفكر والمعرفة. «أنا شاهد/ كنت بنفسي هناك/ في متنزه أشعار المدينة/ كانت هناك قصيدة جميلة/ ناعمة وفارعة الطول/ تشبه فتاة مضللة/ اغتالوها/ بنقد كاتم الصوت». هذه الأنسنة للأشياء من خلال قلب الأدوار والوظائف والأسماء تمنح النص القدرة على صنع الدهشة التي يصعب أن نجدها في مجمل الشعر الذي يكتب هذه الأيام. تتغير الموضوعة الشعرية عند الشاعر طيب جبار لكن التقنية تبقى ذاتها، وهو حتى عندما يعالج موضوعاً شعرياً شائكاً لا يفقد هدوء الطفل الذي يعيد تشكيل الكلمات التي تبدو وكأنها حركت من أماكنها الأصلية، فظلت الجملة قلقة لأنها لم تعتد على هذا التشكيل غير المتوازن والقابل للتبديل والإزاحة في أية لحظة: «لا أعرف ماذا أفعل/ كلما بدأنا زرع النسمات/ من الطرف الآخر/ بدأ البكاء بحفر قناة الدموع/ كلما أطلقنا رياح الدبكات/ من الطرف الآخر/ بدأ النحيب بعقد ندوته/ نحن خبراء في جمع وريقات الظلام/ لا نعرف إذكاء مواقد الفرح/ نتقن أصول التفرقة/ ولا نعرف شرب ماء الوحدة/ الربيع يأتي وينصرف/ ولا أرى زهرة» من قصيدة الأربعاء. في هذه القصيدة التي تتحدث عن تفتت الشعب الواحد الذي يستبدل الدبكة بالنحيب يشير الشاعر إلى قوة الظلام الذي تنطوي عليه النفس البشرية والتي كان بإمكانها بدلاً من جمع أوراق الظلام إلى إيقاد الفرح في النفوس، وهي إشارة إلى الاقتتال الذي كان يدور بين وقت وآخر بين الأكراد قبل الانتفاضة التي وحدتهم من جديد. لا تخلو نصوص الشاعر طيب جبار من الأسئلة الفلسفية على رغم بساطة هذه الأسئلة، أو تبدو أنها بسيطة لأنها خالية من البلاغة: «هكذا كان/ النهار لا يسأل الليل/ لماذا أتيت/ الليل لا يسأل النهار/ لماذا ذهبت».

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانتفاضة الكردية في قصائد طيب جبار الانتفاضة الكردية في قصائد طيب جبار



GMT 18:18 2021 السبت ,27 آذار/ مارس

حكايات من دفتر صلاح عيسى في كتاب جديد

GMT 12:53 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

67 كتاباً جديداً ضمن "المشروع الوطني للترجمة" في سورية

GMT 11:07 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

"بنات كوباني" كتاب أميركي عن هزيمة "داعش"

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

الفري يعلن عن تأجيل معرض الكتاب 46

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 14:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 لبنان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 14:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 لبنان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon