سورية أكرم قطريب تستحم بدم أبنائها
آخر تحديث GMT15:51:31
 لبنان اليوم -

سورية أكرم قطريب "تستحم" بدم أبنائها

 لبنان اليوم -

 لبنان اليوم - سورية أكرم قطريب "تستحم" بدم أبنائها

بيروت ـ وكالات

ابرز ما يميز كتابة الشاعر السوري أكرم قطريب، هو النزوع نحو الحس الأسطوري، والعمل على «أسطرة» الحكايات اليومية التي يعيشها أبناء الريف. فالحدث العادي الصغير يتحول إلى حالة أسطورية، ويظهر الشخص البسيط بوصفه أسطورة، فنغدو كأننا أمام أبطال الأساطير أو الملاحم الشعرية القديمة. هذا ما نشعر به مع غالبية شعر قطريب عموماً، وهو ما نجده خصوصاً في مجموعته الشعرية الجديدة «بلاد سرية» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2013). «بلاد سِرّيّة»هي المجموعة الخامسة للشاعر بعد «آكان، أحرثُ صوتكِ بناي»، «أقليات الرغبة»، «مُسمّراً إلى النوم كابن وحيد» ، و«قصائد أميركا». وتضم المجموعة الجديدة تسعة عناوين عريضة، هي: طفلكِ الذي سُرق عند منبع النهر، عشرة آلاف عام وأنت تفقد طيوركَ، قمر مبلل على سطوح المنازل، قصائد آرامية، بلدكَ يبدو آخر مكان على وجه الأرض، بيت صغير لمنذر مصري، كتاب نيوجرسي، تروبادور، وبلاد سرية. ويشتمل كل منها عدداً من القصائد القصيرة. ومن قصائد المجموعة الجديدة «عرس إسبارطي»، ومنها هذا المناخ الريفي من ذاكرة الطفولة الغنية بالرموز والإشارات، إذ ينقل لنا صورة من ذلك العالم البسـيط، والمـحتـشد بالتـفاصيل أيـضاً «مـرةً علـى جـسـر العـاصي/ هناك حيـث الـخـيول تسـتحـم كأنهـا ذاهـبةٌ إلى عرس إسبارطي/ بينما قطعُ ثيابٍ كثيرةٌ معلقةٌ على الأشجار/ وفتيةُ يسبحون في الماء الأخضر/ مع قطعِ الخبز والحلاوة والضحك/ مساءً سيذهبُ واحدٌ منهم محمولاً على محفّةٍ/ ولون جسده يشبه النهر..». ولو استعرضنا العناوين الفرعية في قصيدة «طفلكِ الذي سُرق عند منبع النهر»، لوجدناها تنتمي إلى عوالم تقع بين السحر والأسطورة، بين عالم البشر وعالم الغرائب، ومن هذين العالمين تحديداً يبني الشاعر نصوصه القصيرة، وبروح مغمسة بالألم والمكابدة البشرية، فمن «ملاك من العصر الوسيط»، إلى «مدينة العميان»، و»تمثال نصفي»، و»شجرة وحيدة»، و»تحت شمس القفقاس»، و»كل هذا الدم لا أستطيع وصفه»، و»صرخات الحرب»، و»كل يوم يمر»، و»مدينة إله الشمس»، و»شجر الله»، و»أريد أن أحلم بكِ على مهل»، حتى «أوديسة» و»الحرية». إنها عوالم الشاعر الذي يعرف كيف يبنيها على مهل، وفي ما يمزج النحت والتطريز وفن المنمنمات الناعمة. يغوص الشاعر في شوارع وطنه، مغترباً عنها، كما في شوارع العالم والاغتراب، ويحفر عبر لغته القاسية صوراً لشعب طيب محاط بالزنازين والجلادين، وبسبب الألم، يتخذ من أسئلة الطفل «عن المدن التي تنام تحت أجنحة الحمام»، ذريعة ليحكي له عن هذا الشعب الطيب، وعن الدم الذي يغطي شوارع كانت ملعباً للعبة «علي بابا والأربعين حرامي»، ثم السقوط «أرضاً من الضحك والجوع». هي عوالم طفولية تعيد رسم الذكريات بالمتخيل التصويري الحميم، ولكن القاسي أيضاً، بهذين الضدّين ترتسم عوالم الشاعر من طفولته واغترابه. وعبر لغة شفيفة العبارة والصورة، ننتقل من البيت الصغير والحميم للشاعر منذر المصري، ووجهه الذي يلخص خمسة آلاف عام من الشعر، إلى «درس السرطان» ووجه بسام حجار الأسطوري، ودروس الكيمياء، ولحيته الفاحمة والطريق إلى صيدا لم تعد طويلة، ونظرتُه العالقة في الزجاج، يتصور الشاعر كيف أننا «بلا جدوى نركضُ وراء الشعر، لنعثر عليه في المصحات ومميعات الدم، وإبر السيروم»، وبقية الأصدقاء رفاق الرحلة الشعرية، أو رحلة التروبادور، وملاك «ريلكه» الأبيض، والرحيل مع «جاك كيرواك» في الشارع الخامس. مثلما يحضر الفرزدق والحزانى، وتحضر صورة الشخص في انتظار غودو. كذلك يتنقل النص الشعري هنا ما بين الحكاية والسرد وتفاصيل المشهد اليومي من جانب، وبين التقاط الجوهري في حياتنا، من جانب آخر، في حركة ترصد المشهد الحار للشخص ومن/ وما حوله، فتحضر المرأة الأنثى في صور شتى، تعبيراً عن رؤية معمّقة وحضارية، اجتماعية حياتية وثقافية أيضاً، ويحضر المكان في صوره الواقعية والحلمية، لنرى أننا أمام مشهد عريض يتسع لرحلة الشاعر وبحثه عن «الحقائق» في مستويات عدة، وفي صور بانورامية، مرسومة بعناية ودقة كبيرتين، دون زوائد أو حشو. ويبقى الإنسان، ورحلته في الزمن والمكان، هو المحور الذي تدور حوله قصيدة قطريب، والنواة التي تنبني عليها هذه القصيدة. وفي القصيدة التي أعطى الشاعر عنوانها للكتاب «بلاد سرية»، نقف على قصيدتين هما الأطول ربما، والأشد تعبيراً عن «خطاب» الشاعر ولغته، القصيدتان هما «مثلما الهنود»، التي تستحضر مناخات وشعوب الأساطير، والشاعر يرسمُ «وجوهاً/ وأجساداً/ كالأحصنة المرتجفة في المياه/ وهي تئنّ بصمت»، ويختتمها باستعارة غريبة لصورة جسد المرأة «مثلما الهنودُ شعبٌ لا يعرف الكذب/ كان جسدكِ..». وقصيدة «معجم البلدان»، حيث يرسم الشاعر صورة «بلاد سرّية بأكملها تنضج في المخيّلة/ دون معونة القواميس». ونختم بعرض هذه السطور عن «شعب الشاعر»، كما يقول: شعبي ...يذهب وحده في حقول القمح إلى الأمكنة التي لا يطاولها النسيان بينما يسقط كل يوم وهو يتفوه بكلمات غرامية. شعبي الذي يستحمّ بدم أبنائه في نيسان / يذهب الآن إلى الشمس دون أن يراه أحد.  

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سورية أكرم قطريب تستحم بدم أبنائها سورية أكرم قطريب تستحم بدم أبنائها



GMT 18:18 2021 السبت ,27 آذار/ مارس

حكايات من دفتر صلاح عيسى في كتاب جديد

GMT 12:53 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

67 كتاباً جديداً ضمن "المشروع الوطني للترجمة" في سورية

GMT 11:07 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

"بنات كوباني" كتاب أميركي عن هزيمة "داعش"

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

الفري يعلن عن تأجيل معرض الكتاب 46

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 14:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 لبنان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 14:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 لبنان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon