شهرزاد رافيل فاتنة الليالي العربية تحوّلت عاشقة آسيوية
آخر تحديث GMT15:51:31
 لبنان اليوم -

"شهرزاد" رافيل: فاتنة الليالي العربية تحوّلت عاشقة آسيوية

 لبنان اليوم -

 لبنان اليوم - "شهرزاد" رافيل: فاتنة الليالي العربية تحوّلت عاشقة آسيوية

بيروت ـ وكالات

لطالما سحرتهم شهرزاد! لطالما سحرتهم فاعتبروها رمز الشرف الجميل الساحر، والبعيد المنال. رمز الحكاية التي لا تنتهي. والمرأة التي تؤجل موتها وموت الحكاية ليلة بعد ليلة، فتنتصر بهذا على الملك القاسي، وتبعده عن رغبة الانتقام المتواصل من النساء. لقد عرف الغرب الرومانسي شهرزاد من خلال حكايات ألف ليلة وليلة، فكان أن اختارها من بين مئات الشخصيات التي تزدحم بها «الليالي العربية»، ليتذكرها منفردة حتى حين يضع تلك النصوص جانباً. فشهرزاد، التي لا تشغل في الليالي أصلاً، سوى موقع الراوية، عُرفت على نطاق واسع في المخيال الغربي الرومانسي، التواق إلى كل غريب وذي معنى. شهرزاد هذه سرعان ما استقلت بنفسها فصارت رمزاً وكناية. صارت حيناً بطلة رومانطيقية، وحيناً منافحة عن وجود المرأة وكنايتها. وفي أحيان كثيرة صارت حكاية الحكاية نفسها، والعنصر القادر في حد ذاته على أن يفسر أصل الفن، وبواعث الرغبات الإبداعية لدى المبدعين. فإذا أضفنا إلى هذا أن شهرزاد، هي المرأة الشرقية المشتهاة والمنيعة، المرأة التي، إذ توصل راغبها إليها، توصله بشروطها هي لا بشروطه هو، يمكننا أن نفهم كيف قيّض لهذه المرأة الآتية من عمق أعماق التعسف السلطوي الشرقي، أن تعيش كل تلك الحياة، في الذاكرة، وكذلك في أعمال كثرٍ من الفنانين والكتاب. > ليس من السهل، اليوم، إحصاء كل الأعمال، الموسيقية والتشكيلية والأدبية والشعرية، ثم المسرحية والسينمائية التي كانت شهرزاد، لا «ألف ليلة وليلة» في حد ذاتها، ملهمةً لها. فهي تعد بالعشرات، وكلها عرفت كيف تعطي لابنة الوزير «الثرثارة» تلك سمات شاملة ومثالية، تمتزج فيها المعرفة بالحساسية، والذكاء بالدهاء، وحس التمرد بالقدرة على أن تكون حنوناً كل الحنان. > بالنسبة إلى الأعمال الموسيقية التي اقتبست من «شهرزاد» نعرف طبعاً أن قصيدة رمسكي - كورساكوف السيمفونية التي تحمل الاسم نفسه «شهرزاد» هي الأشهر والأكثر حضوراً، والأكثر شرقية - وهذا أمر لا يمكن استغرابه من قبل موسيقي روسي اهتم بالشرق كثيراً، واهتم إلى درجة أنه كتب قصيدة سيمفونية رائعة ثانية، عن «عنترة»، تقلّ شهرة عن «شهرزاد» للأسف، كما ضمّن الكثير من أعماله، ملامح عربية ساحرة. إذاً، عمل رمسكي - كورساكوف هو الأشهر في هذا المجال، ولكن هناك عملاً آخر يحمل عنوان «شهرزاد» لا يقل عن ذلك العمل أهمية، وإن كان يقل عنه حضوراً. نعني بهذا «شهرزاد» العمل الذي أبدعه، بعد رمسكي - كورساكوف، الموسيقي الفرنسي موريس رافيل. > من ناحية مبدئية لا بد من القول إن رافيل كتب «شهرزاد» متأثراً بزميله الروسي السابق عليه، وقد أثار حماسته نجاح الباليه الروسي في نقل عمل رمسكي - كورساكوف، إلى الخشبات الأوروبية، والباريسية خصوصاً، يوم عرف ذلك الباليه ازدهاراً ما بعده ازدهار. غير أن ذلك التأثر لم يمنع عمل رافيل من أن يكون مختلفاً تماماً، ومستقلاً تماماً، وربما - كما يرى البعض - أكثر صدقاً في تصويره لاستشراقية شهرزاد، فالحال أن في الإمكان بسرعة التنبه إلى مدى ما في قصيدة رمسكي - كورساكوف السيمفونية من بعد شرقي في رسم شخصية الأنثى الأسطورية، إذ حاول أن يجعلها «شرقية» خالصة، أي صحراوية الإيقاع، فيما كان من الطبيعي لموسيقى رافيل أن تكون أكثر مدينية في تعاملها مع الشخصية نفسها ما أوعز باستشراقية رافيل مقابل نزوع زميله الروسي إلى الشرق. > مهما يكن من أمر، نتوقف هنا عند العمل الفرنسي الذي لحنه موريس رافيل في عام 1910، لنوضح منذ البدء أنه يتكون، من ثلاث «قصائد شاعرية» كتبت للأصوات الغنائية والبيانو. ورافيل كتب هذا العمل انطلاقاً من نص كتبه كريستيان كلينغسور. غير أنه بعد فترة يسيرة من كتابته على شكل عمل للغناء والبيانو، حوله إلى عمل للغناء والأوركسترا. ولئن أتت موسيقى رمسكي - كورساكوف عربية أكثر منها شرقية، فإن رافيل حرص على أن يكون عمله استشراقياً شاملاً. > هكذا، ترى القصيدة الأولى تحمل عنوان «آسيا»، وتبدو أشبه بدعوة انبهارية إلى الشرق، حيث عرف الموسيقي كيف يعبر عن هذه الدعوة في تلحينه عبارات مثل «آه كم أريد أن أشاهد دمشق ومدن فارس» و «مآذنها المشرئبة نحو السماء» أو «آه كم أريد ان أزور فارس والهند ثم الصين، وأشاهد الماندارين يسيرون تحت مظلاتهم». إن رافيل عبر تلحين مثل هذه الأسطر، جعل لقصيدته هذه معنى شمولياً، قد يبدو ظاهرياً، معبراً عن أجواء «ألف ليلة وليلة» كما وصلت إلى الغرب، كمجموعة حكايات عربية - آسيوية شاملة، لكنه يتبدّى في داخله أشبه بتوليفة تصف صورة الشرق الملتبس الغامض كما يصوره الغرب لنفسه. من هنا، تلك الشمولية في تلحين المقدمة، وذلك التركيز في جمل لحنية قد تتكرر، في هذا الجزء الأول، بين حين وآخر، لكن إيقاعاتها سرعان ما تتبدل على ضوء تبدل الأماكن التي تعبر عنها معاني الأسطر. > أما القصيدتان الثانية والثالثة فتبدوان أكثر تركيزاً. وفيما تحمل الثانية عنوان «الناي المسحور» تحمل الثالثة عنوان «اللامبالي»، ويصفهما النقاد، بأنهما أقرب إلى أن تكونا من نمط «موسيقى الحجرة» حيث تتضاءل أهمية التوزيع الأوركسترالي الفسيح لحساب توزيع ضيق تبدو سمته الرومانسية واضحة من خلال تركيزه على الآلات الوترية والجمل الممدودة. ويأتي هذا متكاملاً كلياً مع مشهد القصيدة الثانية حيث ترتكز الصورة على امرأة جالسة خلف نافذتها - المشربية - وهي تصغي بشغف ولوعة إلى حبيبها وهو في الخارج يعزف على نايه لحناً حزيناً ساحراً. أما في القصيدة الثالثة فإن الأمر يختلف تماماً: إننا هنا أمام الدعوة اليائسة التي تطلقها المرأة العاشقة نحو حبيبها الذي يبدو واضحاً أنه غير مبالٍ بها على الإطلاق. > إن هذا الانحصار في القسمين الثاني والثالث من العمل، جعل النقاد يفضلون دائماً القسم الأول، معتبرين أن القسمين الثاني والثالث، إذا كانا يحملان قيمة موسيقية كبيرة، فإنهما لا يقدمان جديداً أو مفاجئاً، بل انهما يقدمان المرأة - المفترض أنها شهرزاد - في صورة مناقضة تماماً لما هو معهود عنها في المخيلة الشعبية. ولعل هذا التفاوت في الرؤية بين أجزاء العمل الواحد، هو الذي جعل الظلم يحيق به، وجعل «شهرزاد» من أقل أعمال موريس رافيل شهرة. بل إن ثمة كثيرين يجهلون وجود هذا العمل أصلاً. > مهما يكن من أمر فإن موريس رافيل، على رغم غزارة إنتاجه، لم يشتهر شعبياً في شكل خاص، إلا عبر عمل واحد له، قد يرى كثيرون أنه الأقل أهمية - موسيقياً، بين أعماله، وهو «البوليرو». ولقد وُلد موريس رافيل عام 1875 في جنوب فرنسا، وانتقل طفلاً مع أهله إلى باريس حيث درس وعاش وعمل وارتبط بالعاصمة الفرنسية التي كانت في ذلك الزمن تعيش نهضة فنية وموسيقية استثنائية. ولقد قال رافيل دائماً إنه تأثر في شبابه بأستاذه غابريال فوريه كما تأثر لاحقاً بأريك ساتي، منكراً أن يكون قد ناله أي تأثير من معاصره ديبوسي، على رغم أن كثيرين يرون هذا التأثير الأخير أكثر وضوحاً. المهم أن رافيل سرعان ما استقل في شخصيته الموسيقية، وراح يبحث عن مصادر إلهامه خارج فرنسا، ولا سيما في إسبانيا التي أوحت إليه بـ «رابسودي إسبانية» وأوبرا «الزمن الإسباني»، كما بـ «البوليرو» الذي ذكرناه نفسه. كذلك نجده متأثراً بالموسيقى الروسية، ولا سيما بعد ارتباطه بمصمم الباليه الروسي دياغيليف. وهو عبر هذين التأثيرين اكتسب هواه «الشرقي» الذي نجده ماثلاً في بعض أعماله. ورافيل مات عام 1937 في حادث سيارة قضى عليه وأنقذه من انهيار عصبي كانت بوادره بدأت تظهر عليه في شكل خطير.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شهرزاد رافيل فاتنة الليالي العربية تحوّلت عاشقة آسيوية شهرزاد رافيل فاتنة الليالي العربية تحوّلت عاشقة آسيوية



GMT 18:18 2021 السبت ,27 آذار/ مارس

حكايات من دفتر صلاح عيسى في كتاب جديد

GMT 12:53 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

67 كتاباً جديداً ضمن "المشروع الوطني للترجمة" في سورية

GMT 11:07 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

"بنات كوباني" كتاب أميركي عن هزيمة "داعش"

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

الفري يعلن عن تأجيل معرض الكتاب 46

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 14:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 لبنان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 14:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 لبنان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon