كرة الثلج عندما تجرف الشباب المغربي
آخر تحديث GMT15:51:31
 لبنان اليوم -

"كرة الثلج" عندما تجرف الشباب المغربي

 لبنان اليوم -

 لبنان اليوم - "كرة الثلج" عندما تجرف الشباب المغربي

الرباط ـ وكالات

الاسئلة التي تطرحها رواية «كرة الثلج» (دار الآداب) للروائي المغربي عبدالرحيم جيران لا تقرأ فحسب، بل يمكن الاصغاء إليها أيضاً وكشف احتمال الأجوبة مضمرة فيها. شخصيّتان تنتميان إلى أسرة واحدة، لها مصالحها وحاجاتها، ولها أيضاً رغباتها وأحلامها المختلفة، غير المتماثلة في ما بينها. بل المتفاوتة حيناً والمتناقضة حيناً آخَر. الشخصيّة الرئيسة، في القسم الأول من الرواية، هي الأم. إنها «امرأة من العوام»، تروي الأحداث، وتتخّذ لها، هيئة الحوار مع القارئ، أسلوباً. أمّا بطل القسم الثاني، فهو ابنها. يدعى «الصادق»، ويتولّى عمليّة السرد، في هذا الجزء الثاني والأخير. يناقش القسم الأول منها الأوضاع الاجتماعيّة، وبالتحديد التحوّل الذي طرأ على حياة الشباب، فتدور القصة حول حدَث واحد: استدعاء من المحكمة بسبب حادث سيارة كان يقودها «الصادق». ولا يفوت الراوية - الأم فكرة أن تُشير إلى فساد الإدارة المتمثّلة في المحكمة: «أنا أعرف أحدهم يعمل بالمحكمة... سأتّصل به، وستمرّ الأمور بخير». لكنّ هذه الحادثة، تستدعي أحداثاً وأشخاصاً، من الماضي القريب أو البعيد. شخصيّة تُذكّر بأخرى، وتستدعي شخصيّات... يبدأ الوصف من الشكل الخارجي، مروراً بالمهنة والمكانة الاجتماعيّة، وبالتالي الحادثة. إنّه حدث واحد يُعيد إلى الأذهان حدَثاً مضى... هكذا حتى تكتمل الرواية. تتحوّل السيارة إلى رمز للتكنولوجيا الحديثة. ولكلّ كائن حديدي مهما كان شكله. كلّ ما لا روح فيه، وما ينوب عن جسد الإنسان. لمجتمع يمثّله الجيل الجديد الذي يتعلّم في الجامعات، ولكن «ما نفع العلم إذا خلا من الأخلاق...». شباب يمرّون من دون «أن تترك أقدامهم أثراً حيث تطأ. وعيونهم مطفأة وإن كانت تبصر. يجهلون عمق النظرة لأنّهم لم يتعوّدوا أن يروا السماء في الليل، ومَن لم يرَ القمر، وهو سلطان يشمت في الظلمة، لا يمكن أن تكون عيناه حقيقيّتين، والعينان نافذتان على الروح». اختلفت المعادلة، بعد شراء هذه الآلة. حتى صار كل شيء يؤرّخ بظهور «هذه الحديدة» في مجرى حياة العائلة. كان الناس يعيشون الحياة ببساطتها، والودّ موصول بين الجميع. لا فرق بين هذا أو ذاك، وإن اختلف الرزق بينهم. وها زمن الحديد سلب الجميع أرواحهم، وتركهم يجرون وراء سراب لم يروه أبداً. المال وحده ما يستحقّ الاحترام، وما عداه لا قيمة له. يستمرّ النمط السردي نفسه، على رغم تغيّر الراوي من الأم إلى الابن، في الجزء الثاني. فيتم اعتماد ضمير المتكلّم، والتوجّه مباشرة إلى القارئ، أو حتى توسّل المونولوغ أسلوباً للتعبير. هكذا يأتي الكلام حواراً مع القارئ، مساءلةً مع النفس، أو نقداً لما هو قائم. إنه يقدّم حلولاً تحمل ما يبرّرها، ويسوّغ لمنطقها، كي تكون مقنعة في توجّهها لمن تخاطبه أو تحاوره. الراوي في الجزءين هو البطل ( الأم/الابن). يتوجّه في شكل مباشر إلى القارئ ويحادثه. الراوي، في هذا الإيهام، بظهوره ووضوحه، ربما يكون أكثر قدرة على الإقناع وأكثر قبولاً من القارئ. تغريه اللعبة الفنيّة، فيُخَيّل إليه أنّه لا يقرأ. تضعه في وَهْمِ «الاستماع» إلى حديث البطل/الراوي. والقارئ مُساق، ضمن إطار اللعبة الفنيّة، إلى موقع البطل، إذ يوهمه هذا الأخير بأنه يحاوره من موقع الندّ، وبأنه غير محكوم بموقع «الكاتب الخفي» أو «الراوي الضمني». في الرواية الكثير من القلق، ومساءلة الأهل والمجتمع. ينفتح السرد باتجاه التعبير الحي، الثقافي، فتظهر كل من الشخصيّتَين متماثلة بذاتها. من هنا نشهد «واحديّة» اللغة كأسلوب للتعبير في الرواية، على رغم اختلاف الراوي، كما سبق وأشرنا، واختلاف الرؤية والرؤيا إلى مسألة واحدة ومشترَكة. نشهد اختلاف الشخصيّتين على موضوع يريان إليه، ليتجلّى الصراع بين موقعَين: الأم والابن. صراع شخصيات تعيش واقعاً واحداً، لكنّه يختلف من وجهة نظر كلّ منها: النظرة إلى العالم، إلى الأشخاص فيه، في اختلافهم وتنوّع أصواتهم. وتفاوتها على حدّ واحد، هو حدّ الصراع والحوار في الاجتماعي. تتدحرج كرة الثلج، فتكبر، وتصل إلى الجزء الثاني من الرواية. يقوم هذا الأخير بهدم جزئها الأول. ويتضح للقارئ أنّ الأم، فقدت صوابها، وتعيش حالة خرَف. وكلّ ما جرى على لسانها، من ذكر أحداث وشخصيّات، هو محض «خرافة»! رفضت عالَماً تعيشه، فاستبدلَته بآخَر، أسوأ. غيّرَت اسم المكان الذي تعيش فيه. دفَنت زوجها، ضعيف الشخصيّة. استبدَلت نفسها بابنتها العزباء، زوّجتها، ونقلت الصراع بين زوجها وأخيها، إلى صراع بين ابنها وزوج ابنتها. ابنتها التي لم تتزوّج وفق رواية الابن. وزوجها الذي لم يمُت. وحادثة المحكمة التي لم تتمّ أصلاً. بل أكثر من ذلك، يتحوّل الكلام هنا، في الجزء الأول، إلى ترّهات، لأنه يجري في زمن يفقد معناه، بعد أن نكتشف أنّ الأم ماتت. فيضيع القارئ بين: الواقعي واللاواقعي. الحقيقي والوهمي. ضمن اللعبة الفنيّة نفسها، وعلى مستواها الإيهامي ذاته: لعبة القول / الصياغة. وهي لعبة خلق واقع حقيقي على المستوى الإيهامي. حقيقة تعادل فنيّته، وتبدو كأنها الحقيقة. أو ربما لأنّ «الحقيقة ليست دائماً واحدة، وقد تكون أحياناً خادعة، أو مهلكة، وعلى المرء النزيه أن يتحرّى قبل تصديق ما يسمع، والشاهد ليس كالغائب». يتحوّل القارئ هنا إلى شاهد على الأحداث، مع الابن الذي يرى أنه، هو «الغد الذي لم يكن، وحين يضمحل الغدّ لا يكون الماضي». يسعى هذا الشاب لأن يكون موجوداً، وأن ينتبه العالم لوجوده. فيعيش مثله مثل غالبية الشباب في سنّه، لعبة مدّ وجزر بينهم وبين أهلهم والدنيا والزمن. مع الأهل الذين يرعبونهم من «الخارج»... فيطرح سؤالاً، جرف في طيّاته كثيراً ممّن اتسعت الهوّة بينهم وبين أهاليهم. أو لَم يتمكّن أهلهم من التقرّب منهم وفَهم احتياجاتهم: «هل كان الخارج مخيفاً إلى هذه الدرجة؟ وما الذي يخيف فيه؟». أصبح عالم الأهل مختلفاً عن عالم الأبناء، بل هما «عالمان مختلفان بينهما وهاد، لا يتماسّان أبداً»... جرى الابن وراء المال والاحتيال والخطيئة، فانتهى كسيحاً بعد انحراف السيارة التي كان يقودها عن مسارها. فارتدّت النهاية على البداية. وارتد خوف الأم من سيارة (وهمية) إلى حادث سير. فأبدَعَت الحكاية، على مستوى فنيّة القول، وإقامة بنية شكليّة تناسبه. تقنعنا أقوال الأم، بأنّه ما كان لـ «الصادق» أن ينجو من نهاية مأسويّة. أخذت كرة الثلج تتدحرج، كما يحلو لها، جارفة في طريقها الغبار المتناثر، الأحداث، الشخصيّات، السرد. كانت نهاية انتظار الأم أن ماتت أو انتحرت. فكيف تكون نهاية انتظار الابن؟

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كرة الثلج عندما تجرف الشباب المغربي كرة الثلج عندما تجرف الشباب المغربي



GMT 18:18 2021 السبت ,27 آذار/ مارس

حكايات من دفتر صلاح عيسى في كتاب جديد

GMT 12:53 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

67 كتاباً جديداً ضمن "المشروع الوطني للترجمة" في سورية

GMT 11:07 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

"بنات كوباني" كتاب أميركي عن هزيمة "داعش"

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

الفري يعلن عن تأجيل معرض الكتاب 46

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 14:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 لبنان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 14:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 لبنان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon