دمشق - سانا
ذهب الفنان جهاد سعد في مشروع تخريج طلاب السنة الرابعة تمثيل إلى خيار الورشة الفنية المفتوحة واضعاً طلابه التسعة على مسرح سعد الله ونوس وجهاً لوجه مع امتحانات عدة للجسد واللياقة والصوت وحساسية التفاعل الجماعي على الخشبة ليفتتح عرض "هستيريا" مساء الثلاثاء في المعهد العالي للفنون المسرحية بصدامية أداء جماعي جعلت الطالب الممثل منساقاً إلى نوعية خاصة من مسرح العنف الذي تتغلب فيه القدرة البدنية على صناعة الشخصية المسرحية.
واستطاع سعد في صياغته المسرحية الجديدة أن يحقق توريات مسرحية متعددة رامزاً بقوة إلى حال العلاقات الإنسانية في ظل الأزمة في سورية وما يترتب من آثار نفسية قاسية على كل من الرجل والمرأة في ظل هيمنة نشرات الأخبار الدموية على وعي الناس وطبيعة سلوكهم اليومي ليكون جمهور المسرح الإيطالي على موعد مع أمسية مسرحية ساخنة قوامها مشهدية عالية سيطر عليها ميزانسين خطة إخراجية محكمة وضعت الممثل في ثنائيات عديدة كان أبرزها الصوت والجسد- ليمضي صاحب كاليغولا في خياره الفني هذا نحو ما كان اشتغل عليه في عروضه السابقة مفضلاً بطولة الحركة على الخضوع للنص الأدبي.
ونجح طلاب التمثيل في إنجاز مسرحي مفتوح على قدرات أداء متطورة مزجت الواقع الراهن بمناخات سحرية أرادها مشرف العرض موازية لموسيقا ذات نبرة جنائزية أداها كل من الموسيقيين سيمون مريش على الإيقاع وعرفان خليفة على آلة الترومبيت وعبد الجواد حريتاني على التشيلو فيما قام الفنان غيث منصور بأداء صوتي لافت رافق العديد من المشاهد والذروات الدرامية في العرض ليكون الجمهور أمام مستويات سيكولوجية مغايرة من التلقي لهذا النوع من المسرح المختبر الذي يدمج بقوة بين طاقة الممثل وقدراته الخفية على التجانس الجسدي والغرائزي من جهة وبين كثافة الحالات النفسية المعقدة التي يتنقل بينها الممثل.
كما حقق هستيريا عتبة جديدة في التنويع على الحالة المسرحية برمتها نحو حواف إبداعية خطرة وحساسة تتجسد عبرها طلاقة الجسد وفصاحته في التعويض عن غياب النص الأدبي في العروض الطبيعية نحو إلغاء المسرح كحالة درامية أحادية الجانب بل بالعمل قدماً بين الممثل والمتفرج على تطوير مستويات معقدة من التلقي غير التقليدي حيث يحقق الجسد بطولته المطلقة في تلوين الذروات الدرامية وتمكينها من الحفر عميقاً في اللاوعي الجمعي للجمهور والممثلين في آن معاً.
واستفاد الفنان جهاد سعد من تجاربه الطويلة مع مادة المختبر المسرحي لتأسيس بيئة عرض تبدو أقرب إلى مزيج من اليوغا والتمارين السويدية والتوغل في مملكات الجسد وطاقته الداخلية بعيداً عن صياغة واضحة للشخصية المسرحية التي تبدعها الأنا الخالقة للممثل على الخشبة في زمن البروفة التقليدية صاعداً بممثليه التسعة نحو جوائز مختلفة لخفايا النفس البشرية وقدرتها الإبداعية في التهرب من التصنيف المدرسي المسرحي باتجاه ظاهرة الممثل الخالق لأدواره وفق هرموني جسدي جماعي متواطئة مع إبداع حالات ميتافيزيقية يكون فيه العرض من بطولة الميزانسين.
بدورهم عمل كل من طلاب التقنيات المسرحية في المعهد جنباً إلى جنب مع زملائهم من طلاب التمثيل في صياغة فضاء مسرحي مفتوح على شتى أنواع الفرجة مولفين بين متاريس من أكياس رملية استوطنت عمق الخشبة وبين آلة بيانو وضعت على يمين الخشبة كدلالة على مواجهة صادمة بين الموسيقا والحرب داعمين بذلك رغبة مخرج هستيريا في إبداع تناقضات الشكل المسرحي الذي لطالما عمل عليه صاحب أنتيغون نحو تأسيس فرجة مسرحية تكون فيها عناصر السينوغرافيا داعمة للعبة مسرحية لا تتوقف وذلك عبر إيقاعية عالية وتحبس الأنفاس من جهة شغلها المستمر على طاقة الجسد وسطوته الجمالية على خشبة المسرح.
يذكر أن عرض هستيريا من إنتاج وزارة الثقافة السورية وهو من تأليف وإخراج الفنان جهاد سعد ومن تمثيل كل من حسن دوبا ورهام قصار وريمي سرميني وكنان حميدان ومغيث صقر ومهران نعمو ومي السليم وهلا بدير وولاء العزام بمشاركة طلبة التقنيات المسرحية أمجد عرقسوسي وسلمى ناصر وسامي منصور فيما صمم إعلان العرض كل من مريم سعد وعلي دوبا والعرض مستمر الساعة الخامسة يومياً على خشبة المسرح الإيطالي في المعهد العالي للفنون المسرحية.
أرسل تعليقك