في العقد الماضي، شنت إسرائيل سبع حملات عسكرية كبرى في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس، فضلا عن خوضها حربا مع حزب الله اللبناني.
غير أنه حتى قبل حرب غزة التي اندلعت هذا الصيف، لم يبال الاقتصاد الإسرائيلي الذي تقوده التكنولوجيا الفائقة بتأثير تلك الصراعات وحافظ على معدلات نمو إعجازية ، ليمني حتى الأزمة المالية العالمية بالهزيمة. بيد أن عهد معدلات النمو السريعة بلغ على ما يبدو الآن منتهاه، حسبما يقول خبراء الاقتصاد.
فقد ألحقت الحرب، التي بدأت في السابع من يوليو الماضي ودامت سبعة أسابيع، ألحقت ضررا باقتصاد إسرائيل، إذ ضربت السياحة وأضرت بالنشاط الصناعي بالقرب من الحدود وأدت إلى تباطؤ إنفاق المستهلك في ضوء عدم إقبال الناس على الخروج من منازلهم.
ويقدر خبراء الاقتصاد حاليا بأن الحرب ستؤدى إلى انخفاض بواقع 0.5 نقطة مئوية في معدل النمو الإسرائيلي الذي انخفض في الواقع عن ذي قبل. وأظهرت التقديرات الأولية الصادر عن المكتب المركزي للاحصاءات في إسرائيل أنه في الربع الثاني من عام 2014، بلغ النمو 1.7 في المائة فقط مقارنة بـ2.8 في المائة في الربع الأول من عام 2014 و 2.5 في المائة في الربع الأخير من عام 2013.
وقال عمير آيال رئيس مجموعة (إنفينتي)، وهي أكبر مجموعة لإدارة الاستثمارات الخاصة في إسرائيل، "نحن ندخل بالقطع مرحلة نمو أشد بطئا"، مضيفا "ولكننا مازالت نتحدث عن تباطؤ، وليس كساد".
ويتوقع الأستاذ زائفي أكشتاين، عميد كلية الاقتصاد بالمركز المتعدد التخصصات في هرتسيليا، استمرار التباطؤ.
وأوضح أنه رغم أن تأثير الحرب قد تم "احتواؤه"، إلا أن عوامل أخرى ستؤثرا سلبا على النمو، مضيفا "أنها تشمل انخفاض معدلات النمو في أوروبا التي تمثل ثلث التجارة الدولية لإسرائيل وقوة العملة الإسرائيلية الشيكل، الأمر الذي يؤثر سلبا على صادرات إسرائيل. وللأسف ، لم تتبادر الحكومة باتخاذ إجراءات تحفيزية مثل عمل إصلاحات لزيادة الإنتاج، وتسريع وتيرة الاستثمارات أو تحسين كفاءتها".
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إن إسرائيل وجهت "لطمة قوية" لحماس تضمنت وفقا لما أعلنه الجيش تدمير 32 "نفقا إرهابيا" وشن غارات جوية وبرية على 4762 موقعا في أنحاء قطاع غزة. وتقدر فاتورة هذا الهجوم الفتاك الذي حصد أرواح 2100 فلسطيني على الأقل معظمهم من المدنيين و 71 إسرائيليا، بما يتراوح بين 8 و 10 مليارات شيكل (ما يتراوح بين 2.2 و 2.8 مليار دولار أمريكي)، حسبما أفادت وزارة المالية.
وقبل أسبوعين، صادقت الحكومة على خفض شامل في الميزانية نسبته اثنين في المائة (0.56 مليار دولار)، لم يستثن سوى وزارة الدفاع وجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشين بيت).
ولكن بنك إسرائيل قال إن هذا لا يكفى، ولابد من زيادة الضرائب للحيلولة دون حدوث زيادة سريعة في العجز بإسرائيل. وأنخرطت محافظ البنك المركزي الإسرائيلي كارينت فلوج ووزير المالية يائير لابيد في جدل عام بشأن أفضل الإستراتيجيات للتعامل مع التكاليف الاضافية الناتجة عن الحرب.
ووعد لابيد دائرته التي تمثل الطبقة المتوسطة بالحيلولة دون زيادة الضرائب حتى ولو كلفه ذلك تقديم استقالته، ويعتزم بدلا من ذلك رفع هدف العجز من الرقم الحالي وهو 2.5 في المائة ليصل إلى 3.5 في المائة. ولكن فلوجألمحت إلى أن عجزا يتجاوز مستوى ثلاثة في المائة "سيكون بوضوح علامة على التراجع عن الالتزام بالحفاظ على الانضباط المالي وزيادة خطر فقدان المصداقية".
وسيكون قطاعا التعليم والرفاه الاجتماعي الأشد تضررا، حيث قررت الحكومة خفض ميزانية وزارة الرفاة الاجتماعي بواقع 63 مليون شيكل (17.3 مليون دولار)، رغم أن وزير الرفاه الاجتماعي مائير كوهين أصر على أنه لا يوجد فائض في وزارته. وذكر في بيان "ممن نتوقع أن نأخذ هذه الأموال؟ من اؤلئك الذين لا يجدون شيئا ليضعوه في الشطائر التي يأخذها أبناؤهم وهم متوجهين إلى المدرسة؟"
ولم تتسبب الصواريخ، البالغ عددها 4564 والتي أطلقها مسلحو حماس على إسرائيل، لم تتسبب في خسائر كبيرة ولكنها حالت دون قدوم السائحين، ما أدى إلى انخفاض نسبته 26 في المائة في عدد السائحين في شهر يوليو الماضي وذلك في عام كان من المتوقع رسميا أن يكون عاما قياسيا للسياحة الإسرائيلية.
وذكر رافي بيري نائب رئيس التسويق والمبيعات في فنادق "دان"، وهي أكبر سلسلة فنادق إسرائيلية، "من الواضح أن عام 2014 لن يكون عاما قياسيا". وتقدر فنادق "دان" بأنه حتى إذا ما شهدت السياحة "تعافيا سريعا" كما قال وزير المالية لابيد، فالحرب ستظل تتسبب في انخفاض نسبته 10 في المائة في دخولها لهذا العام.
ولم تصدر بعد إحصاءات شهر أغسطس، ولكن رئيس عامي إتغار رابطة (إنكمكنج تور أوبراتورز) في إسرائيل قال إنهم قد يشهدون انخفاضا أكبر، ولا يمكن أن تتوقع السياحة تعافيا خلال الأشهر الستة المقبلة. وحذرت الرابطة من أن "عشرات الآلاف من الموظفين في صناعة السياحة قد يفقدون وظائفهم".
وذكر مسح أجرته مؤخرا جمعية المصنعين الإسرائيلية بأن إجمالي خسائر المصانع تقدر بـ370 مليون دولار.
بيد أنه وفقا لما ذكر آيال من مجموعة (إنفينتي) فإنه رغم تأثير الحرب، إلا أنه لن يلحق ضرر دراماتيكي باقتصاد إسرائيلي صحي.
وأضاف أن "نسبة الدين إلى الإنتاج وصلت إلى أدنى حد لها، واستقرت معايير الاقتصاد الكلي، وسيواصل قطاع التكنولوجيا الفائقة دفع الاقتصاد للأمام، وستبدأ حقول الغاز الطبيعي المكتشفة حديثا على شواطئ إسرائيل في تحقيق عائد كبير للدولة بحلول عام 2017 على الأقرب ".
أرسل تعليقك