تشير التقديرات أنّ القروض المتعثرة سترتفع الى نسَب مخيفة بعد تبلور تداعيات أزمة «كورونا» وتفاقمها، علماً انّ نسبة تلك القروض كانت قد بلغت بسبب الانكماش الاقتصادي في المرحلة السابقة لتفشّي الوباء، 25 في المئة من إجمالي قروض القطاع الخاص، أي ما يعادل 14 مليار دولار.
لا يمكن النظر الى تعميم مصرف لبنان الرقم 547 الصادر في 23 آذار 2020، منح تسهيلات مصرفية الى المصارف من أجل إقراض عملائها بفائدة صفر في المئة على مدى 5 سنوات، سوى انه أحد الاجرءات التي يعمل عيلها القطاع المصرفي تحضيراً لإعادة هيكلته، وهي خطوة تهدف الى تحسين ميزانيات المصارف تحضيراً للمرحلة المقبلة التي ستشمل دمج المصارف التي تتمتّع بوضعية سليمة نوعاً ما وتصفية عدد باتَ معروفاً من المصارف التي تمادت في الاخفاقات وصولاً الى الافلاس.
الهدف من القروض التي تقدمها المصارف وفقاً لهذا التعميم، للأفراد والشركات، هو تسديد القروض المتعثرة وتأمين رواتب الموظفين بما يسمح لهم أيضاً بتسديد قروضهم الشخصية، وبالتالي تكون المصارف قد قلّصت محفظتها من القروض المتعثرة و»جمَّلت» دفترياً، جزءاً من ميزانيتها غير المتطابقة الآجال من حيث المطلوبات والموجودات، كما ومعالجة توظيفاتها لأجل لدى مصرف لبنان. وهذا ما يفسّر حجم الاموال التي باعها البنك المركزي للمصارف في 30 آذار الماضي، والتي بلغ حجمها حوالى 2,3 مليار دولار.
لهذه الغاية، تتواصل المصارف اليوم مع عملائها الذين يستفيدون لديها من قروض مصرفية، من أجل حثّهم على الاستفادة من القروض التي يوفرها مصرف لبنان، بذريعة تخفيف الضغوط عن كاهلهم نتيجة الأزمة الناشئة عن انتشار وباء كورونا.
كما انّ بعض المصارف يتّبع إجراءات اخرى، تتمثّل بالسماح لكبار مودعيه الذين في الوقت نفسه يتوجّب عليهم استحقاقات كبيرة للمصرف نفسه، سحب وديعتهم بالعملة الاجنبية مع اقتطاع نسبة معيَّنة من قيمتها يمكن أن تصل الى 30 في المئة، مقابل صرف هذا المبلغ في السوق الموازية بسعر الصرف غير الرسمي، واعادة تسديد قرضهم (الذي يوازي قيمة وديعتهم الاصلية) بالليرة اللبنانية وبالسعر الرسمي، ليكون المودع في النتيجة قد سحب وديعته وسدّد قرضه المصرفي وحافظ على المبلغ المتبقّي من عملية الصرف.
بالاضافة الى ذلك، فإنّ قرار مصرف لبنان الرقم 13215 الصادر يوم الجمعة الماضي، والذي يتضمّن اجراءات استثنائية حول السحوبات النقدية من الحسابات الصغيرة لدى المصارف، اشترط من أجل تمكّن صغار المودعين من سحب ايداعاتهم البالغة بالحد الاقصى 5 ملايين ليرة أو 3000 دولار او ما يوازيها بأي عملة اجنبية، تنزيل قيمة اي ديون مستحقة من قبل العميل لصالح المصرف. وبما انّ معظم صغار المودعين البالغ عددهم حوالى مليون و700 ألف، لديهم قروض مصرفية، فإنّ هذا القرار سيساهم أيضاً في تقليص حجم القروض المتعثرة ضمن ميزانيات المصارف.
في هذا الاطار، قال الباحث في University College Dublin محمد فاعور انّ تعميم مصرف لبنان يصبّ في مصلحة المصارف من ناحية تحسين ميزانياتها وتقليص حجم القروض المتعثرة، نظراً لأنّ جزءاً كبيراً من المقترضين من مياومين وافراد او شركات متضرّرة من الاقفال التام، لن تتمكّن من تسديد قروضها المصرفية بعد اليوم، بما سيزيد من حجم القروض المتعثرة لدى المصارف. وأوضح لـ»الجمهورية» انّ المصارف كانت أساساً قبل أزمة «كورونا» في ورطة كبيرة في ما يتعلَّق بالقروض المتعثرة، حيث انّ نسبة تلك القروض كانت تتراوح بين 20 و25 في المئة من إجمالي قروض القطاع الخاص (55 مليار دولار)، وهي نسبة مرتفعة جداً تَسبب بها التدهور الاقتصادي. وبالتالي، فإنّ المصارف مهدّدة بخسارة ما يترواح بين 11 الى 14 مليار دولار (قيمة القروض المتعثرة) من إجمالي رؤوس اموالها البالغة 20 مليار دولار. مشيراً انّ اي عملية إعادة هيكلة ستتطلب تدقيقاً في ميزانيات المصارف مما سيتطلب تأمين مؤونات بنسبة 100 في المئة من حجم القروض المتعثرة.
وقال فاعور انّ أزمة «كورونا» ستزيد حتماً من نسبة القروض المتعثرة، معتبراً انّ نسبة 20 الى 25 في المئة هي نسبة متفائلة جدّاً نظراً لعدم تبلور التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للأزمة المستجدة والتي لم تصل الى ذروتها بعد، «حيث سنشهد مزيداً من فقدان الوظائف ومن تراجع القدرة الشرائية للمواطنين بسبب تدهور سعر صرف الليرة، بما سيزيد نسبة القروض المتعثرة مع تعاظم حجم الأزمة القائمة».
وشدّد على انّ عملية تجميل ميزانيات المصارف هي عملية دفترية، ستؤجّل الأزمة لكنها لن تعالجها لأنّ ما تقوم به المصارف اليوم هو إقراض عملاء متعثّرين، ولا شيء يضمن لها انهم سيتمكّنون من تسديد القروض الجديدة الممتدّة لفترة 5 سنوات.
ومن العمليات التجميلية الاخرى، ذكر فاعور انّ المصارف تطلب من كبار مودعيها بالتراضي، تحويل جزء من ودائعهم الى اسهم تفضيلية، علماً انّ هذا النوع من الاسهم لا يمنحهم حق التصويت، بالاضافة الى انّ الجميع بات على دراية انّ المصارف مفلسة ولا جدوى من الاستثمار فيها بعد اليوم. كما وتقوم المصارف بإقناع عملائها تحويل جزء من ودائعهم الى أدوات دين معيَّنة لفترات طويلة، مؤكداً انّ «جميع تلك المحاولات هي عمليات تجميلية دفترية لا تصبّ في مصلحة المودع».
وختم فاعور: إنّ أيّ إعادة هيكلة عادلة وجديّة للقطاع المصرفي يجب أن تلحظ تراتبية معيّنة، وبالتالي يجب ان يكون المساهمون في المصارف أوّل الخاسرين. أمّا ما يسعى اليه أصحاب المصارف اليوم فهو تقليص حجم خسارتهم من رؤوس اموالهم من خلال عمليات تجميل ميزانياتهم.
قد يهمك أيضا:
مذكّرة من "الضمان الاجتماعي" بشأن معاملات أدوية الأمراض المستعصية
"الصرافين" اللبنانية تؤيد مبادرة حاكم مصرف لبنان لقمع منتحلي مهنة الصرافة
أرسل تعليقك