بكين ـ شينخوا
مع تفاقم الوضع الأمني في العراق، الذي يعد من أكبر الدول المصدرة للنفط الخام في منطقة الشرق الأوسط، خيم التوتر على السوق النفطية العالمية، وسجل سعر النفط العالمي ارتفاعا ملحوظا، مسببا حالة من القلق عالميا إزاء تداعيات الأزمة واتجاهات سعر النفط.
وبينما أصبحت روسيا وبعض دول أوبك وإيران من أبرز الدول المستفيدة من ارتفاع سعر النفط، يتملك الآخرون مشاعر الذعر إزاء احتمال استمرار تداعيات الأزمة المتفاقمة، منذ شن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام )داعش( هجومه على شمال البلاد في 10 يونيو الجاري، على سوق النفط لوقت طويل.
وفي هذا الصدد، توقع اقتصاديون صينيون ألا تؤثر الأزمة العراقية على سوق النفط العالمية على الأمد الطويل، حيث لا يساهم العراق حاليا بحصة كبيرة في الخريطة النفطية العالمية، بينما حذر آخرون من تداعيات الأزمة على الاقتصاد العالمي على الأمدين المتوسط والطويل.
-- منافع
وقال يوي لاي تشون، الباحث بمركز البحوث الإستراتيجية لموارد النفط والغاز، إن روسيا هي المستفيد الأول من تقلب سوق النفط. ففي مجال التداول الفوري، جاء ارتفاع سعر النفط لصالحها في تنافسها الاقتصادي مع الغرب، ومن حيث المجال الجيوسياسي، فإن الوضع العراقي وتأثيراته على السوق قد تسهم في انحسار الضغوط التي تواجهها روسيا في الأزمة الأوكرانية وقضية شبه جزيرة القرم.
كما تستفيد بعض دول أوبك بما فيها السعودية والكويت والإمارات وقطر، التي تحتفظ بفوائض انتاجية تعتبر من العوامل الرئيسية للحفاظ على التوازن بين الإمداد والطلب في السوق العالمية.
هذا بالإضافة إلى إيران، التي تستفيد من ارتفاع سعر النفط العالمي، ما يخدم مسعاها للانتعاش الاقتصادي. وإذا توصلت الولايات المتحدة وإيران إلى المصالحة في الجولة الأخيرة من المفاوضات، فمن المؤكد أن العقوبات الاقتصادية التي تعاني منها إيران سيتم تخفيفها وعلى ذلك ستزداد صادراتها النفطية.
-- مخاوف
ومن ناحية أخرى، أشارت صحيفة الأوراق المالية الصينية إلى أن ردود الأفعال في سوق النفط تجاه تأثيرات الوضع العراقي على التوازن بين العرض والطلب لم تكن مبالغة، مضيفة أن متوسط إنتاج النفط الخام للبلاد يتراوح ما بين 3و3.5 مليون برميل يوميا وسيؤدي غيابه إلى حدوث فجوة كبيرة. وإذا شن المسلحون هجومهم على جنوبي البلاد، سيزداد ارتفاع سعر النفط، ما يجلب مزيدا من القلق إلى السوق.
وأشار تقرير صادر من وكالة أكسفورد للاستثمار الاقتصادي إلى أن العراق قد أصبح بلدا مهما لتصدير النفط. ورغم أن قيمة صادراتها النفطية تشكل 3.6 في المائة من إجمالي الصادرات العالمية عام 2014، إلا أن هذا الرقم لا يقلل من أهمية مكانته في السوق العالمية بالنظر الى تمتع العراق بامكانيات كامنة كبيرة في هذا المجال.
ومع هذا، تتوقع الصحيفة أن يسبب الوضع اضطرابات شديدة في سعر النفط على المدى المتوسط، ما قد يؤثر سلبا على معدل النمو الاقتصادي للعديد من الدول الكبيرة بسبب ارتفاع كلفة التشغيل الاقتصادي، بما فيها الهند وتركيا وجنوب إفريقيا وغيرها من الدول الناشئة التي تعتمد رئيسيا على استيراد النفط عبر ضفتي الخليج، هذا بالإضافة إلى اليابان والدول الأوروبية، التي قد تتجنب بعض التأثيرات السلبية بفضل قدرتها القوية على التعامل مع تقلب سعر النفط.
ومن جهته، أشار محلل العقود الآجلة ليو جيون إلى أن تداعيات الوضع العراقي على تصدير نفطه للصين قد تكون محدودة، إذ أن معظم مواقع إنتاج وتصدير النفط تقع في جنوب البلاد، الذي لم يتورط في النزاعات الدائرة بين القوات الحكومية والمسلحين، الذين وسعوا مكاسبهم في المناطق الشمالية والوسطى.
وشاطرته الرأي المحللة الاقتصادية دونغ دان دان، مضيفة أن المجموعات المسلحة في العراق مهتمة بالأساس بمصالح تصدير النفط، ومهما أصبح الوضع في المستقبل، يعتبر دفع تصدير النفط تفاهما مشتركا لدى الأطراف المسيطرة على الموارد، ما يساعد على الحفاظ على التوازن بين العرض والطلب في السوق.
يذكر أن الصين استوردت نحو 1.1 مليار برميل من النفط الخام من منطقة الشرق الأوسط عام 2013، ما يمثل 56 بالمائة من إجمالي الواردات، غير أن وارداتها من العراق تشكل جزءا قليلا نسبيا رغم أن الصين تعتبر أكبر دولة مستوردة لنفط العراق. كما أن معظم الشركات الصينية في العراق تنفذ عقود خدمة، بمعنى أنها لا تربح كثيرا من تجارة النفط في العراق. لذا، فمن غير المرجح أن تخسر الصين كثيرا بسبب الأزمة العراقية رغم زيادة كلفة الاستيراد.
-- اتجاهات
وفي ضوء تنفيذ الولايات المتحدة إستراتيجية الطاقة الجديدة منذ سنوات، يتراجع اعتمادها حاليا على النفط في المنطقة. ومن المرجح ألا ترسل قواتها إلى الميدان من أجل الحفاظ على مصالحها النفطية هذه المرة، خاصة بعد انسحاب الجنود الأمريكان من العراق عام 2011. لكن، بدون مساعدة خارجية فعالة، قد يتدهور الوضع العراقي إلى حرب أوسع نطاقا مع تصاعد حدة التوتر بين جهات النزاع، وتنقسم البلاد إلى أقسام لاسيما أن الأكراد أعلنوا مؤخرا التفكير في الاستقلال الكامل.
وذكرت صحيفة المعلومات الاقتصادية الصينية أن توسع نفوذ المسلحين في العراق وهجماتهم الإرهابية من شأنه أن يؤثر على تطوير الحقول النفطية في الجنوب وطرق الإمداد إلى الخارج، ما يهدد إمدادات النفط في المستقبل على المدى البعيد، وبالتالي ستبقي تأثيرات الوضع على سوق النفط أمرا مثيرا للقلق، إن لم تكن كارثية.
لكن يوي لاي تشون أشار إلى أن تأثيرات الوضع على سوق النفط سببها حالة من الذعر المؤقت، ومع تراجع الدوافع الأخرى وراء الارتفاع الحاد لسعر النفط الخام العالمي، سيشهد سعر النفط انخفاضا محدودا، مؤكدا أيضا أن الأزمة العراقية وحدها لا تستطيع أن تغير هيكل الطاقة العالمي، وطالما اقتصرت الاضطرابات على الحدود العراقية، ستبقى التأثيرات على سوق النفط مؤقتة ومحدودة، متوقعا أن يرتفع سعر النفط العالمي من 95 إلى 120 دولار للبرميل في النصف الثاني من العام الجاري.
كما نوه نائب رئيس جمعية النفط والصناعة الكيميائية الصينية لي رون شنغ إلى أن تنفيذ إستراتيجية الطاقة الأمريكية قبل سنوات قلص إلى حد كبير من تأثير الاضطرابات في الشرق الأوسط على السوق النفطية العالمية وحافظ على بعض التوازن من ناحية العرض والطلب. وتجاوزت نسبة النمو للإنتاجية نسبة نمو الإمداد، مع وصول نسبة نمو إنتاج النفط للولايات المتحدة عام 2013 إلى 13 بالمائة.
وبدورها، تعتقد وكالة الطاقة الدولية أن المخاطر السياسية التي تشهدها المنطقة بين حين وآخر أضحت ميزات سوقية طويلة المدى، مشيرة إلى أن التأثيرات السلبية الناجمة عن قلة الإنتاجية في المنطقة ستتعداها إنتاجية النفط المتزايدة من قبل الدول غير الأعضاء في أوبك،" لو انخفض الإنتاج في العراق، ستقوم دول أخرى بالتعويض".
أرسل تعليقك