بيروت - لبنان اليوم
لا يمكنُ وصف ما حصل في بيروت، ليل أمس السبت، سوى بالإستثنائي، وكأن الشارع الممتد من محيط جريدة النهار" وصولاً إلى جسر شارل الحلو تحوّل إلى ساحة حرب بين المتظاهرين والقوى الأمنيّة. ففي ساحة الشهداء، كانت نقطة البداية، حيث أراد المتظاهرون التقدّم للدخول نحو مجلس النواب، لكنّ القوى الأمنية طوّقت المدخل بمحاذاة حديقة سمير قصير خلف مبنى النهار"، واستحضرت آليتها من نوع iveco، التي كانت تتقدّم أمام عناصر مكافحة الشغب البالغ عددهم نحو الـ100. الآلية العسكرية هذه، كانت مهمتها رمي المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع، في حين أن عدداً من عناصر "المكافحة" كانوا يحملون بنادق خاصة لرمي تلك القنابل.
مشهدان مرعبان في الساحة
ووسط عمليات التقدم التكتيكي للقوى الأمنيّة والكر والفر بينهم وبين المتظاهرين، بدأت المواجهة، وتحديداً في محيط بيت "الكتائب" في الصيفي. هناك، كانت أعداد المتظاهرين كبيرة، في حين أن الطريق من النهار" إلى الصيفي مليئة بالحجارة التي استخدمها عدد من المتظاهرين لرشق القوى الأمنيّة بها. المشهدُ كان "سيريالياً" بإمتياز، وينقلنا إلى هونغ كونغ، حينما تتقدم العناصر الأمنية لتطويق المتظاهرين من خلال التقدّم التدريجي. فأمام مبنى النهار"، كان الضابط المسؤول يصرخ بعناصره "تقدّموا إلى الأمام.. إبقوا متراصين". أما المشهد الأبرز الذي كان مرعباً، فهو عندما كانت تقذف القوى الأمنية القنابل المسيلة للدموع في الهواء لتنهمر على المتظاهرين مثل الغارات الجويّة. أما المشهد الأكثر رعباً، فكان بقيام عدد من العناصر الأمنية بإطلاق الرصاص المطاطي من بندقية "بومب آكشن" مباشرة بإتجاه المتظاهرين.
حالات اختناق..
وبعد التقدّم التدريجي، نجحت القوى الأمنية في تأمين محيط النهار" و "بيت الكتائب" في الصيفي، في حين أنها كانت تلاحق أي شخصٍ في محيط هذه المنطقة يقوم بتصوير ما يحصل. وبعدها، كان التقدم بإتجاه جسر شارل الحلو، وقد استمرّت القوى الأمنيّة بإطلاق القنابل المسيلة للدموع. هناك، كانت الطريق مظلمة وقد غطت سُحب الدخان المكان بسبب القنابل، ما أدى إلى اختناق العديد من الأشخاص الموجودين، من بينهم مراسلة قناة الـ"OTV" ريما حمدان، في حين أنه بدا واضحاً أنّ مراسلة قناة "الجديد" جويل الحاج موسى، بدأت تشعرُ بضيق في التنفس وآلام في العينين، عدا عن المصورين الذين منعتهم القوى الأمنية من فتح الإضاءة للتصوير بذريعة أن "الأضواء تزعج العناصر".
ما يمكن قوله أيضاً أن القوى الأمنية كانت تتعاطى بفائض قوّة مستميت، على جسر شارل الحلو. في المقلب الآخر، كان عدد من المتظاهرين يرمي القوى الأمنية بالحجارة، ويشتمون العناصر، وآخرون يهتفون "ثورة.. ثورة". ومع كل هذا، فإنّ فائض القوة أكبر لدى القوى الأمنية. أما المفاجأة فكانت في أن القوى الأمنية تراجعت بدون أي سابق إنذار، وكأن كل شيء انتهى. عادت العناصر أدراجها إلى محيط مبنى النهار"، لتلحق بهم حشود المتظاهرين الذين واجهوا مطاردة كبيرة. وعلى جوانب الطرقات، وقف عشرات المواطنين الذين قالوا للقوى الأمنية: "مبروك.. تحررت فلسطين". وبعد نحو 3 ساعات من الإعتصام السلمي أمام حديقة سمير قصير خلف مبنى النهار"، عادت عمليات الكر والفر، بعد نزول عناصر ملثمة إلى الطريق والإعتداء على المتظاهرين، لتدور المعارك من جديد بين المتظاهرين والقوى الأمنية، والتي استمرت حتى ساعات الصباح الأولى.
القنابل المسيلة للدموع.. حرق أموال
وفي ظل كل المعارك الضاريّة، فإن أكثر مشهد بارز كان إطلاق القوى الأمنية للقنابل المسيلة للدموع، التي أشار بعض الناشطين إلى أنها منتهية الصلاحية. ويوم أمس، فإن عدد هذه القنابل التي سقطت على المتظاهرين كانت بالمئات، الامر الذي يسلط الضوء على تكلفتها الماليّة. وبحسب العديد من الدراسات، فإنّ هذه القنابل يمكن أن تكون قاتلة وقد تسبب الوفاة نتيجة الغاز المنبعث منها، إذ أن مجمل المتظاهرين وحتى القوى الامنية ما كانوا يرتدون أقنعة مخصصة لذلك. إلا أن ما خفف من وطأة الضرر هو أن إطلاق القنابل كان في منطقة مفتوحة بعض الشيء.
وفي السياق، يقول الخبير الإستراتيجي العميد هشام جابر لـ"لبنان24" أن "سعر هذا القنابل يختلف بين تلك التي يتم إطلاقها من آليات، وبين التي يتم إطلاق عبر البنادق".
ولفت جابر إلى أن "سعر هذه القنابل يختلف أيضاً بحسب النوعية، لكن تقريباً قد يبدأ سعر القنبلة الواحدة من 50 دولار أمريكي، وقد يكون هناك سعر أقل"، موضحاً أنّ "القنابل الموجودة لدى القوى الأمنية اللبنانية قد تكون هبة من الدول التي تقدّم مساعدات عسكرية إلى لبنان على شكل نثريات".
وأشار جابر إلى أن "ما رآه المتظاهرون من إنفجار 4 قنابل في السماء هو عبارة عن قنبلة واحدة تنفصل عن بعضها البعض في الهواء، لتنزل على الأرض وتخرج الدخان الموجود بداخلها".
من جهته، أوضح الخبير العميد الياس حنا لـ"لبنان24" أنّ "القنابل التي يتم إطلاقها من الآلية العسكرية تندرج تحت إطار الرماية الغاطسة، بحيث أنه هناك ساعة لتوقيت إنفجار القنبلة في الهواء، لتصل بعدها إلى اكبر مسافة أكبر على المتظاهرين، ويتراوح مدى وصول كل قنبلة تبعاً لنوعية المدفع أولاً".