الرياض – العرب اليوم
عانت الكرة السعودية، سابقًا، من تسرب للمواهب الأجنبية التي ولدت وترعرعت في السعودية، ووجدت بعض الدول الخليجية القريبة مكاناً لهذه المواهب، على الرغم من أن الولاء للسعودية يعدّ كبيراً ومتساوياً في كثير من الحالات من الجنسية الأساسية، أخيرًا وتحديداً الموسم قبل الماضي أعلن الاتحاد السعودي لكرة القدم إعطاء الجواز السعودي للمواليد، ومشاركتهم مع أندية الدرجة الأولى والفئات السنية في الدوري السعودي، وهي التجربة التي جلبت عدداً من المواهب التي شاركت مع الأندية وأثبتت نفسها بشكل واضح للغاية، وإعطاء الجواز السعودي للمواليد مختلف اختلافاً جذرياً عن تجنيس اللاعبين، وهو الإجراء الذي تقوم به بعض الدول لتدعيم منتخباتها الوطنية باللاعب الأجنبي الذي يثبت أحقيته بذلك عبر تقديم مستويات مميزة مع أحد الأندية شريطة أن لا يكون قد شارك في وقت سابق مع منتخب بلاده وفي المنتخب الأول بالتحديد.
وكشف المدرب بندر الجعيثن أنّه "تحدثنا في وقت سابق على أهمية أن يتم إعطاء الجواز السعودي للمواليد في السعودية، حتى يتم الاستفادة من تلك المواهب التي تملأ الملاعب في الحواري والمدارس من دون أن تجد لها من يحتويها، لذلك كان القرار إيجابياً وله نتائج مميزة لأسباب مختلفة أهمها أن من ولد وترعرع في السعودية سيعطي كامل الولاء لهذه الدولة التي أعطته من خيراتها، وإمكانية أن يتم تطوير اللاعب منذ الصغر حتى يكون قادراً على تقديم الإضافة عند انتقاله للدرجات الأعلى، والتجنيس بشكل مباشر بعد أن يقدم اللاعب الأجنبي مستويات مميزة مع ناديه ليس مجدياً، السبب الرئيس أن اللاعب لو كان مميزاً لشارك مع منتخب بلاده مما يعطي انطباعاً لمحدودية إمكانيات اللاعب، على الأقل بأنه ليس الخيار الذي سيحدث الفارق الكبير نظراً لكبر عمره وعدم الولاء بشكل كبير للمنتخب، لحداثة مشاركته وتواجده في الدولة وهذا لا يلغي وجود نجاحات سجلت في هذا الجانب، أبرزها سبستيان سوريا الذي شارك مع المنتخب القطري وقدم مستويات لافتة وأرقاما خرافية، لكنه ربما يكون التجربة الوحيدة التي قدمت عملاً يوازي حجم أهمية وقيمة الجواز القطري،
على الجانب الفني المحض فإن التجنيس مختلف بشكل كبير عن إعطاء الجواز للاعب الصغير في السن، الذي باستطاعته أن يتطور ويتكيف مع اللعب ولديه الفرصة كاملة في أن يقدم إمكانياته مع مرور الوقت، وليس مجرد فرصة عابرة تأتي للاعب لأعوام معدودة يكون بإمكانه أن يجد لنفسه مكاناً أو أن يرحل من دون أي بصمة تذكر عن هذه النقطة بين المدرب الوطني حمود السلوة أنّ "مشكلة التجنيس أنه في الغالب يكون للاعب الكبير في السن الذي لعب مع أحد الأندية كما يحدث مثلاً في قطر، لذلك فإن الاستفادة منه لا يمكن أن تستمر لأكثر من أعوام معدودة لا تتجاوز أصبع اليد الواحدة، إضافة إلى أن اللاعب حينها يكون غير قابل للتطوير أو الإعداد بالشكل الذي يناسب المنتخب وطريقة لعبه، مما جعل الاستفادة من تجنيس اللاعبين الكبار في العمر فترة وقتية لا يمكن لها أن تكون مجدية".
وعن كيفية الاستفادة المثلى من مواليد السعودية الصغار في السن، والذين من الممكن أن يتم تجهيزهم للمنتخب الأول بعيداً عن الضغوط، بين السلوة أنّ "اللاعب الناشئ يستطيع المدرب صقله وتدريبه بالشكل الذي يناسب المنتخب والدوري الذي سيشارك معه، وفيه تدريج في المشاركة مما يعطي الفرصة للاعب بشكل صحيح دون أن يجد ضغوطاً في طريقه نحو إثبات وجوده، مما يجعل المسؤولية كبيرة تجاه الجهاز الفني الذي من المفترض أن يعمل على تجهيز اللاعب بشكل احترافي وفني دقيق، حتى يمكن للنادي والمنتخب الاستفادة منها بشكل كبير للغاية ولأعوام طويلة، وعلى الصعيد الخليجي والعربي والعالمي فإن النجاح لا يلازم كثيراً المجنسين وهم في الفريق الأول، وإنما قصص النجاح تمحورت نحو جيل من صغار السن يتم العمل عليهم سنوات طويلة، لكن يوازي هذه الأعوام، أعوام من العطاء مما يعطي نتائج إيجابية تستحق أن يتم العمل عليها، وحجم النجاح في الكرة القطرية والإماراتية كان عبر هذه الطريقة بعيداً عن تجنيس اللاعبين الكبار، إضافة إلى التجربة الفرنسية التي تعطي اللاعب الصغير الفرصة بغض النظر عن موطنه وإنما مجرد ولادته في فرنسا يعطيه الحرية بأن يشارك مع المنتخبات الفرنسية، والأساطير في الكرة الفرنسية من جنسيات أخرى لكن ولادتهم وحياتهم بأكملها لم تتجاوز الأراضي الفرنسية"، وفي الوقت الذي خسرت الكرة السعودية عدداً من المواهب التي ذهبت إلى دولٍ أخرى وقدمت إضافة كبيرة، هي من جعلت أصحاب القرار في الكرة السعودية يبحثون بشكل كبير لحل هذه المسألة وبالذات مع محدودية المواهب في الأعوام الأخيرة، وتحديداً فإن بعض المنتخبات الخليجية كسبت مواهب لافتة هي من مواليد السعودية ولعبت في ملاعبها وساحاتها
وأفاد الوسيط عبدالله مجرشي وهو مهتم بالتعاقدات أنّه "يجب أن نعترف في البداية بأننا تأخرنا في اتخاذ الإجراءات النظامية تجاه مسألة مواليد السعودية، وهذا جعلنا نفقد العديد من المواهب التي وجدت الفرصة كاملة في دول مجاورة التي سبقتنا بهذه الخطوة، واستفادت بشكل كبير من تلك المواهب ووجدت نتائج ذلك على أرض الواقع وتحديداً مع المنتخبات الوطنية، حتى أضحت تؤثر في نتائج المنتخبات التي شارك فيها هؤلاء اللاعبون، لا يمكن أن نحكم على التجربة من خلال هذه الفترة البسيطة التي من الصعب ظهور النتائج فيها،
وأرى أن النتائج ستظهر مع مرور الأعوام وتحديداً باعتقادي أن مرور أربعة اعوام على القرار سيعطي نتائجه، بسبب أن العناصر التي شاركت مع الفريق الأول بشكل مباشر في دوري الدرجة الأولى من الصعب أن تضع بصمتها، الأكيد أن العناصر المشاركة مع الدرجات السنية هي من سيكون لها البصمة الأكبر في الفترة المقبلة وهناك من يربط مسألة إعطاء الجواز السعودي لمواليد السعودية بالتجنيس المباشر وهما أمران مختلفان بشكل كبير للغاية، التجنيس هو إعطاء لاعب محترف لم ينجح في أن يجد له مكاناً في منتخب بلاده، يحضر من أجل المال لا لشيء آخر بل يفتقد في الغالب للولاء للمنتخب الذي سيشارك معه لأنه يعامله معاملة النادي، فيما اللاعب الذي ولد وعاش طفولته في البلد مما يجعله مخلصاً لأرضها والدليل على ذلك أن عددا من مواليد السعودية، اشترط أن يحصل هو وعائلته بأكملها على الجواز السعودي
وهذا دليل بأن الموضوع لا يتعلق بالمال، وإنما رغبة كبيرة بأخذ شرف الانتماء للسعودية وهو تأكيد على فاعلية وأهمية مشاركاتهم"، مضيفًا أنّ "بالوتيلي حينما سجل هدفاً مع المنتخب الإيطالي جن جنونه وكأنه يسجل هدفاً للمرة الأولى في حياته، لأنه من مواليد إيطاليا ويعتبرها أرضاً له إضافة إلى عناصر المنتخب الفرنسي التي فيها غالبيتها بلا أصول فرنسية، إلا أنهم يقاتلون لخدمة المنتخب وتدعيم صفوفه لحبهم الكبير للأرض التي شهدت ميلادهم وفي كل التجارب الخليجية لم يكن هناك نجاح يذكر على صعيد التجنيس المباشر باستثناء حالات بسيطة، أبرزها الأورجوياني سبستيان سوريا الذي أصبح الهداف التاريخي للمنتخب القطري، في الوقت الذي كان فيه تجارب سيئة في المنتخب القطري نفسه يأتي في مقدمتها مشاركة البرازيلي تاباتا، الذي شارك مع أندية مختلفة في الدوري القطري وقدم مستويات مميزة لكنه لم يضف أي إضافة للمنتخب القطري، في الوقت الذي فشل فيه أيضاً إبراهيم دياكيه أن يقدم شيئاً للمنتخب الإماراتي، ليكتفي حالياً بالمشاركة كلاعب محلي في الدوري الإماراتي واقتصرت نجاحاته على الأندية التي لعب فيها".