واشنطن ـ يوسف مكي
تعتمد عملاق التكنولوجيا الكورية سامسونغ على ثقافة بيئة العمل كمخيم، وفي المقر الجديد لسامسونغ بتكلفة 300 مليون دولار يتخذ المبنى شكل كومة من الأقراص البيضاء في تقاطع شمال سان خوسية في منطقة خليج سان فرانسيسكو، وفي الطابق الخامس في مقر وادي السليكون لسامسونغ من السهل أن تنسى أنك في مكان العمل، حيث تشاهد المسؤول التنفيذي يمارس تاي تشي في حديقة الصبار، بينما يستمتع أخر على كرسي التدليك الروبوتي، ويمكنك سماع أصوات مباريات كرة القدم بالقرب ويمكنك رؤية صف من جرابات القيلولة، وتقول بعض اللافتات في المكان "لنلتق بجوار طاولات البينغ يونغ" و " اجتماع اليوم سيكون في الشرفة".
وأضاف نائب مدير تسويق الذاكرة لدى سامسونغ غيم إليون: "أردنا أن نقدم الكثير فيما يتعلق بجو الشركة وبيئة العمل، لقد كنا منفصلين من قبل كل في إدارة مختلفة ولكن هذا المبنى عني بتجميع الناس معا وتشجيع اللقاءات ولذلك أردنا إخراج الناس من غرفة مجلس الإدارة"، وتمتلك سامسونغ قاعدة في هذا المكان منذ 30 عاما إلا أن هذا المبنى المكون من 10 طوابق مصمم لنقل صورة العلامة التجارية في أميركيا الشمالية من مزود للغاسالات والثلاجات إلى مركز قوة لأحدث الابتكارات، وقامت شركة "NBBJ" بتصميم المقر وهي شركة هندسة معمارية استحضرت الغابات في منطقة الأمازون في سياتل وحفنة من المكاتب التكنولوجية عبر الصين، ويعد المبني نتاج لأبحاث علم النفس السلوكي وعلم الأعصاب فيما يتعلق بالعمل.
ويقول رئيس العمل في شركة "NBBJ" المهندس المعماري سكوت وايت: "الأمر يتعلق بالتنقل، إذا جلست لأكثر من 30 دقيقة ستصاب بالغباء ولكن المشي في الهواء الطلق يجعل عقلك يحقق وظيفته الإدراكية"، وصُمم مبنى سامسونغ لإخراج الموظفين من مقاعد المكتب قدر الإمكان من خلال وجود طابقين منفصلين يمثلون شرفة في الهواء الطلق، وتتواجد الكافيتريا في مبنى يتخذ شكل النجمة وبالتالي على الموظفين أن يمشوا حتى يحصلوا على الغذاء، حيث يتواجد 10 أنواع من المأكولات العالمية في قاعة للطعام في حجم مركز تجاري فخم.
ويشكل المقر الرئيسي الجديد لسامسونغ في سان فرانسيسكو علامة تحول جذرية في صناعة التكنولوجيا وهو ما لم تكن الشركة تهتم به كثيرا من قبل، ورصد المعماري نورمان فوستر وهو يصمم مبنى على شكل صحن لآبل وهو يجلس في حديقة مساحتها 150 فدان في كوبرتينو حيث ستغلف 3.7 ميلا من الزجاج المنحنى أنبوب مستمر من المكاتب وهو مصمم من أجل أي فون، كما وظفت غوغل اثنين من المهندسين الأكثر عصرية "بغاركي أنغيلز" و"توماس هيثرويك" لتصميم جرابات للقيلولة في العمل تحت الخيام الزجاجية، وأوضح وايت الذي عمل في عدة مشاريع لدى امبراطورية بيل غيتس أن هناك منافسة قوية بين عمالقة السليكون لجذب العقول الشابة ويتنافس كل منهما لتقديم مرافق أكثر جذبا من أي وقت مضى.
ويقع مقر "فيسبوك" على طول الطريق السريع في مينلو بارك والذي يبعد 15 ميلا إلى الغرب من مقر سامسونج، ويقف المبنى مثل خط من الطائرات الملتصقة ببعضها في حادث، بينما تبرز الجدران من زوايا مختلفة ويتخذ الدرج شكل متعرج بفضل أيدي "فرانك غيري"، ويمتد المقر عبر 40 ألف متر مربع، ويضم مقر الفيسبوك أكثر مكاتب العمل استمرارية في العالم حيث يتسع المكتب ل 3 آلاف موظفا، بحيث يكون منزل عملاق مناسب للشبكة الاجتماعية التي تضم خُمس سكان العالم في عضويتها، ويعتبر التنقل بين الطوابق كأنك تستكشف غابة فنية حيث تتدلى الكابلات من السقف بطول سبعة أمتار، وهناك جرابات للقيلولة للمبرمجين بينما تطير بالونات الهليوم فوق مكاتب الموظفين، ويقول أحد المرشدين داخل المقر "نحن نشجع الناس على اختراق مساحتهم، لقد نجحنا فقط بنسبة 1% في ربط العالم ولذلك أردنا أن يبدو المبنى لم ينته بعد".
ويضم المقر قاعات اجتماع خشبية مع جداريات ملونة لفنانين مقيمين بينما لصقت الجدران الأخرى يملصقات تحفيزية يطبعها ستوديو الشركة الخاص بالطباعة "Analogue Research Lab"، ومن بين العبارات التحفيزية " في نهاية المطاف كل شئ مرتبط ببعضه"، وأفاد أحد موظفي الفيسبوك " عندما يقول مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لفيسبوك شئ في الصباح فيمكن أن يكون شعار على ملصق بعد ظهر اليوم".
ويتواجد على سطح المبنى حديقة مساحتها 9 أفدنة كما يستخدم مجموعة من المتطوعين السطح من أجل مبادرة "القضايا العالمية اليوم" الخيرية السنوية، مضيفًا: " لا أحد يهتم بالمدة التي تظل فيها على مكتبك ، طالما أنك تؤد عملك فربما تكون مستلقيا على العشب أو تجلس في بار الجبن المشوي"، وتقدم الشركات عماقة التكنولوجيا الطعام مجانا إلا أن الأمر اتسع واتجهت هذه الشركات نحو تقديم وجبات صحية، حث تم استبدال جرار هلام الفول و M&Ms بالبروكلي المجفف ورقائق البطاطس، كما غيرت جوجل ترتيب الوجبات الخفيفة بحيث تحصل على الفواكه في الكافيتريا قبل الحلوى، أما في مقر شركة لينكد إن في مقر سان فرانسيسكو فهناك قائمة لجميع الموردين المحليين وتضم الشعار "اعرف المزارع الخاصة بك لتعرف طعامك".
ويقول أحد الموظفين في لينكد إن: " أحب بدأ يومي بوعاء من الأرز الكيمتشي أو ربما بعض السوشي، ولدينا هنا طاهي معجنات يقدم كعك شهي للغاية و8 نكهات من الأيس كريم محلي الصنع"، ويحظى لينكد إن يمبني مكون من 26 طابقا يشبه المتنزه العمودي، ويضم المقر عدة مناطق للعب، ويتم تمرير السماعات اللاسلكية من خلال منطقة "الديسكو الصامت"، وأثنا المرور عبر المكاتب تمر ببعض الشعارات التي تطفو في الهواء مثل شعار "ركز على ما يهم".
وعملت عدة شركات على تحويل المساحات الصناعية إلى ملعب مسرحي مثل Airbnb، حيث يمكنك الاجتماع بالأشخاص في كوخ خشبي أو شقة علوية في ميلانو أو خيمة بدوية أو مقهى، وتم صياغة كل مساحة من هذه المساحات بدقة، ويعتمد فريق العمل داخل الشركة على كيفية تقديم مساحات للعمل تشبه المنزل على أن تكون مساحات ذا فاعلية ووظيفية تسمح للناس بالقيام بعمل عظيم بطريقة مفاجئة، بينما يجلس بعض المظفين في "بين باجز" منحنيين على أجهزة اللابتوب الخاصة بهم في شرفة للجلوس، بينما يستمتع البعض الأخر بالجلوس في الكرافانات الهوائية مع الإضاءة الخافتة، فضلا عن قاعة للاجتماعات على غرار شقة تتميز بطابع الحنين إلى حيث بدأت الشركة.
ويضيف أليسون أريف من مركز"SPUR" البحثي غير الهادف للربح " المكاتب التكنولوجية لها تأثير في تخفيف آثار المدينة، حيث توفر حاليا كل شئ لموظفيها مجانا في الموقع، بدءا من القهوة إلى تنظيف الملابس حتى حلاقة الشعر"، وأثبتت هذه الشركات من خلال ما قدمته أنها من أقل الشركات التي تفكر في المدنيين، وكبادرة لحسن النية العامة قدم برج لينكد إن مساحة واسعة من الطابق الأرضي حيث يمكنك الجلوس وتناول الغذاء في أي غرفة عامة متجددة الهواء واستخدام الواي فاي إلا أن سكان سان فرانسيسكو لن يقتنعوا بهذه السهولة، وجاء في ملصق على أحد أعمدة الإنارة "لا أحد يهتم بعملك التكنولوجي، كن لطيفا مع الآخرين عندما تكون مع الجمهور العام واسكت عن الترقي الوحشي لزملائك أو تعرض للهجوم، نحن نسمعك".