واشنطن ـ وكالات
من بين كل المناطق الرئيسية في العالم، عملت أوروبا جاهدة لتنفيذ السياسات الرامية إلى مكافحة تغير المناخ الناجم عن أنشطة بشرية . ورغم هذا فإن حجر الزاوية في النهج الذي تبنته أوروبا نظام مقايضة لعموم القارة للانبعاثات من الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي وتغير المناخ أصبح في مأزق . لقد أصبحت القصة الأساسية فيما يتصل بتغير المناخ نتيجة لأنشطة بشرية أكثر وضوحاً للرأي العام العالمي . فهناك غازات عدة، بما في ذلك ثاني أوكسيد الكربون والميثان وأوكسيد النيتروز، تعمل على تدفئة جو الكوكب مع زيادة تركيزاتها في الغلاف الجوي . ومع نمو الاقتصاد العالمي، تنمو الانبعاثات من هذه الغازات أيضاً، الأمر الذي يؤدي إلى تسريع وتيرة تغير المناخ الناتج عن أنشطة بشرية . ويُعَد ثاني أوكسيد الكربون الغاز الرئيسي بين الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي . وأغلب الانبعاثات من ثاني أوكسيد الكربون تنتج عن حرق الوقود الأحفوري الفحم، والنفط، الغاز الطبيعي لتوليد الطاقة، والذي أصبح الاستهلاك العالمي منه في ارتفاع مع نمو الاقتصاد العالمي . ونتيجة لهذا، فإننا الآن على مسار يقودنا إلى مستويات بالغة الخطورة من تراكم ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي . قبل عشرين عاماً، اتفق العالم على خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون وغيره من الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي بشكل حاد، ولكن التقدم الذي تحقق منذ ذلك الوقت كان ضئيلاً للغاية . وبدلاً من ذلك فإن النمو السريع في الاقتصادات الناشئة، وخاصة الصين التي تستهلك الفحم بكثافة، كان سبباً في ارتفاع مستويات انبعاث ثاني أوكسيد الكربون العالمية إلى عنان السماء . ولقد بدأت تغيرات مناخية خطرة تحدث بالفعل . وإذا استمر العالم على مساره الحالي، فإن درجات الحرارة العالمية سوف ترتفع في نهاية المطاف درجات مئوية عدة، الأمر الذي يعني بدوره ارتفاع مستويات سطح البحر، وعواصف خارقة، وموجات حر شديدة، وتلف المحاصيل، وموجات جفاف شديدة، وفيضانات عارمة، وخسارة حادة للتنوع البيولوجي . ورغم هذا فإن تغيير نظام الطاقة على مستوى العالم يشكل تحدياً رهيبا، لأن الوقود الأحفوري يشكل جزءاً لا يتجزأ من عمل الاقتصاد العالمي . فالنفط يقدم الوقود الرئيسي لوسائل النقل على مستوى العالم، ويُحرَق الفحم والغاز بكميات ضخمة ومتزايدة لإنتاج الطاقة الكهربائية وتوفير الطاقة للصناعة . كيف نستطيع إذن أن ندعم التقدم الاقتصادي العالمي في حين نعمل على خفض الانبعاثات الكربونية بشكل حاد؟ هناك حلان في الأساس، ولكن لم يتم نشر أي منهما على نطاق واسع . الأول يتلخص في التحول على نطاق واسع بعيداً عن الوقود الأحفوري نحو مصادر الطاقة المتجددة، وخاصة طاقة الرياح والطاقة الشمسية . وسوف تستمر بعض البلدان أيضاً في استخدام الطاقة النووية . (لا يتسبب توليد الطاقة الكهرومائية في انبعاث ثاني أوكسيد الكربون، ولكن لا يوجد سوى عدد قليل من الأماكن المتبقية على مستوى العالم حيث يمكن التوسع في استخدام هذه الطاقة من دون تكاليف بيئية أو اجتماعية كبيرة) . ويتلخص الحل الثاني في احتجاز الانبعاثات من ثاني أوكسيد الكربون لتخزينها تحت الأرض . ولكن هذه التكنولوجيا لم تثبت بعد كفاءتها على نطاق واسع . يقوم أحد التوجهات في هذا المجال على احتجاز ثاني أوكسيد الكربون في محطات توليد الطاقة مع حرق الفحم والغاز . ويقوم آخر على استخلاصه بشكل مباشر من الهواء باستخدام عملية كيميائية مصممة لذلك الغرض خصيصا . وفي كل الأحوال فإن احتجاز وتخزين ثاني أوكسيد الكربون سوف يتطلب استثمارات كبيرة في المزيد من مشاريع البحث والتطوير قبل أن تتحول هذه العملية إلى تكنولوجيا قابلة للبقاء . والمشكلة الكبرى هي الوقت . فإذا كان لدينا قرن من الزمان لتغيير نظام الطاقة العالمي، فلعلنا كنا نشعر بقدر معقول من الأمان . ولكن يتعين علينا أن نكمل أغلب التحول إلى الطاقة المنخفضة الكربون بحلول منتصف هذا القرن . وهذا أمر بالغ الصعوبة نظراً لفترة الانتقال الطويلة المطلوبة لإصلاح بنية الطاقة العالمية الأساسية، بما في ذلك المساكن والمباني التجارية، وليس محطات الطاقة، وخطوط التحويل، وأنظمة النقل فحسب . والواقع أن القليل من المناطق الاقتصادية نجحت في إحراز تقدم كبير في هذا التحول . والآن تستثمر الولايات المتحدة بكثافة في الغاز الطبيعي من دون أن تدرك أو تبالي بأن طفرة الغاز الصخري لديها، والتي تقوم على تكنولوجيا التكسير الهيدروليكي الجديدة، من المرجح أن تزيد الأمور سوءاً . وحتى لو تحول الاقتصاد الأمريكي من الفحم إلى الغاز الطبيعي، فإن الفحم الأمريكي سوف يتم تصديره على الأرجح للاستخدام في مكان آخر من العالم . وفي كل الأحوال، فإن الغاز الطبيعي أحد أشكال الوقود الأحفوري، ولو أن محتواه الكربوني أقل؛ وحرقه كفيل بإحداث أضرار مناخية غير مقبولة . وأوروبا هي الوحيدة التي حاولت إجراء تحول حقيقي بعيداً عن الانبعاثات الكربونية، فأنشأت نظاماً يلزم كل دولة صناعية تصدر عنها انبعاثات كربونية بالحصول على تصاريح عن كل طن من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون . ولأن هذه التصاريح يتم تداولها بسعر السوق، فإن الشركات لديها الحافز لخفض انبعاثاتها، وبالتالي يصبح من الممكن مطالبتها بشراء عدد أقل من التصاريح أو تمكينها من بيع التصاريح الفائضة لديها في مقابل ربح . والمشكلة هي أن أسعار التصاريح في السوق انخفضت في خضم التباطؤ الاقتصادي في أوروبا . فالتصاريح التي كانت تباع بأكثر من 30 دولاراً للطن قبل الأزمة أصبح سعرها اليوم أقل من 10 دولارات . وبهذا السعر المنخفض، فإن الشركات لم يعد لديها أي حافز قوي لخفض انبعاثاتها من ثاني أوكسيد الكربون ومن غير المرجح أن يعود الحافز القائم على السوق قريباً . ونتيجة لهذا فإن العديد من الصناعات الأوروبية لاتزال مستمرة على المسار المعتاد في التعامل مع الطاقة، حتى على الرغم من المحاولات التي تبذلها أوروبا لقيادة العالم على مسار هذا التحول . ولكن هناك استراتيجية أفضل كثيراً من التصاريح القابلة للتداول . فكل منطقة من مناطق العالم يتعين عليها أن تفرض ضريبة على انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون تبدأ منخفضة اليوم ثم تتصاعد تدريجياً وبشكل معلن مسبقاً في المستقبل . ولابد من تخصيص جزء من عائد الضريبة لدعم مصادر الطاقة الجديدة المنخفضة الكربون مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وتغطية تكاليف تطوير تكنولوجيا احتجاز وتخزين الكربون . ومن الممكن أن تبدأ إعانات الدعم هذه مرتفعة نسبياً ثم تنخفض تدريجياً بمرور الوقت، مع ارتفاع الضريبة على انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون وانخفاض تكاليف تكنولوجيات الطاقة الجدية مع اكتساب المزيد من الخبرة والإبداع . وفي ظل نظام طويل الأجل ومتوقع لفرض الضريبة على الكربون وتوفير الدعم للتكنولوجيات الجديدة، فإن العالم سوف يتحرك بشكل منظم نحو الطاقة المنخفضة الكربون، وزيادة كفاءة استخدام الطاقة، واحتجاز وتخزين الكربون . والوقت قصير، وأصبحت الحاجة إلى حمل كل مناطق العالم الرئيسة على تبني سياسات أكثر عملية وأبعد نظراً في التعامل مع الطاقة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى .