نظم مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، الاثنين الماضي محاضرة بعنوان "دور الإعلام العربي في عصر الإنترنت"، ألقاها الأستاذ جمال خاشقجي، مدير عام ورئيس تحرير قناة "العرب" الإخبارية، أكد فيها أن الإعلام بات عالماً يتغير كل يوم، ليس في مجال الفضائيات الإخبارية فقط، بل في مجال الصحف والمجلات أيضاً، كما أن المواقع الإخبارية الإلكترونية تواجه التحديات نفسها، بعدما اعتقدت أنها هي "الإعلام الجديد" الذي سيستحوذ على السوق. وأضاف جمال خاشقجي الإعلامي من المملكة العربية السعودية الشقيقة في المحاضرة التي ألقاها في قاعة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مقر المركز بأبوظبي، أنه يعمل حالياً مع زملاء له لتأسيس قناة إخبارية عربية جديدة، تحت اسم قناة "العرب" الإخبارية، في وقت يدرك فيه حجم التحديات المتوقعة التي سيواجهها وهي التحديات ذاتها التي تواجه أي "قادم جديد" إلى عالم مزدحم سبقك إليه آخرون؛ مشيراً إلى أن هناك عدداً من القنوات الإخبارية الجيدة لديها الخبرة والتجربة. وقال المحاضر إنه في خضم هذه التحديات المتوقعة كثيراً "ما أجد نفسي أتساءل": كيف سيتابع المشاهد القناة الجديدة؟ ومتى؟ أتوقع أن الزملاء كافة في المهنة يسألون السؤال نفسه، فهم أمام عالم متغير باستمرار؛ لكنني في نهاية المطاف اهتديتُ إلى الحل الذي به يكون النجاح، سواء في مجال الفضائيات الإخبارية أو الصحف والمجلات أو المواقع الإلكترونية، والذي يتمثل على النحو الآتي: ضرورة التفاعل مع العميل أو المستهلك أو المستخدم (القارئ، أو المشاهد، أو المستمع)، وأن يجد العميل أو المستهلك أو المستخدم نفسه في الوسيلة الإعلامية ذاتها، فضلاً عن أهمية مراعاة إتقان توظيف وسائل الإعلام الاجتماعي بهدف الانتشار، وهذا الأمر يتعدى مجرد إنشاء حساب على "تويتر" تضع فيه بعض عناوين قناتك أو صحيفتك. إنه ذلك، ولكن وفق صياغة محددة تختلف عمَّا تعودنا عليه، مع الاستعداد الدائم للتكيف مع رغبات المستخدم المتغيرة هي الأخرى، ثم إدراك التجارب الجديدة (التي لا تتوقف). وعن عملية صناعة المحتوى، أشار خاشقجي إلى أن وسائل الإعلام الاجتماعي باتت اليوم صانعة للخبر ومصدراً له، وقد بدا ذلك جلياً في متابعة الإعلام للعملية الإرهابية التي جرت خلال "ماراثون بوسطن" في منتصف إبريل الماضي، حينما نقل الإعلام الأمريكي الكثير من الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي. لقد باتت هذه الوسائط واحدة من أدوات الصحفي الجيد؛ ولكن التمرُّس فيها، والقدرة على فرز الايجابي من السلبي، هي التي ستميز الصحفي في هذا المجال. وبين أهمية التنافس والتسابق مع الصحفيين المستقلين؛ فالصغار لا يبقون صغاراً دوماً، وعلينا أن نتذكر أن تمتّع هؤلاء الصحفيين بالاستقلال يمكّنهم من التجريب والإبداع، بينما تعمل المؤسسة الكبيرة وفق قواعد متوارثة وأنظمة صارمة تبطّئ من حركتها، مشيراً إلى أن بعض مواقع المدونات والصحف الإلكترونية تلغي دور رئيس التحرير، إضافة إلى أهمية الحضور على كل الوسائط وبأشكالها كافة وتجربتها، وألا نقلل من شأن إحداها؛ فكثيراً ما يفاجئنا المستخدم بقبول بعضها والتفاعل معها وتطويرها، ولاسيما في هذا العصر، يجب أن تكون الوسيلة الإعلامية موجودة على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، وأن تتكيف معها، وتتقمص كل أشكالها وأطوارها. (فقناة "بلومبيرج"، مثلاً، لديها أكثر من خمسة تطبيقات لأجهزة الهاتف الذكية). وعن التفاعل مع المشاهد قال جمال خاشقجي: يجب أن يجد المشاهد نفسه في القناة الإخبارية أو الصحيفة بالشكل الذي يُرضيه، ولكن على نحو لا يورط الوسيلة الإعلامية في قضايا قانونية. لكن ومع وضع كل المتغيرات في الاعتبار، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه الإعلام في زمن الإنترنت، هو أن ثلاثي الإعلام (المستخدم، والتحرير، والإعلان) لا يعرف كيف ستُشاهد النشرة الإخبارية بعد خمس سنوات؟ وعلى أي جهاز؟ ومثلما نسأل: هل ثمة مستقبل للورق؟ يجب علينا أن نسأل أيضاً: هل ثمة مستقبل لجهاز التلفزيون؟ ويبقى من المؤكد أن مهنة الصحافة باقية، فمن دونها لا يمكن أن يوجد محتوى لوسائل الإعلام.