رغم التوترات العسكرية والنووية بين كوريا الشمالية والغرب تمكن متقاعد اميركي من الوصول بشكل استثنائي الى مناطق نائية في هذا البلد المنغلق على ذاته ليبني فيها مدارس. كريستوفر كاربنتر (73 عاما) الذي كان ممثل مفوضية الامم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين في فيتنام، هو من العاملين في مجال المساعدات الانسانية القلائل الذين ينشطون في هذا البلد. مهمته في كوريا الشمالية لا تزال تفاجئه ويقول لوكالة فرانس برس "لم تكن الفكرة فكرتي. اتصل بي الكوريون الشماليون عبر البريد الالكتروني العام 2007". وكاربنتر متقاعد مقيم في سويسرا قد اسس في العام 2000 منظمة غير حكومية لمساعدة فيتنام. واراد الكوريون الشماليون ان تمول منظمته هذه بناء مدارس كما كانت تفعل في فيتنام. فالمدارس التي تبنى في كوريا الشمالية مصنوعة من حجر الاجر وليست اسمنتية ولا يمكنها مقاومة اثار الزمن والاعاصير. ويقول كاربنتر انه يتعرض للانتقاد ربما لانه يقوم بمهمة ينبغي ان تنفذها الحكومة الشيوعية المتهمة بالتضحية بحاجات سكانها الاساسية في السباق الى التسلح النووي وبناء الصواريخ البالستية. ويشدد كاربنتر "بما انها لا تقوم بذلك فان الشعب هو الذي يتحمل النتائج". ومع ان السلطات هي التي طلبت مساعدته الا ان ابواب البلاد لم تشرع امامه على الفور. ويقر "كان لديهم مشكلة في البداية مع جواز سفري (الاميركي)". فقامت مساعدته السابقة الفرنسية كاترين برتران وهي متقاعدة ايضا من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بالمهمة الاولى على الارض في شباط/فباير 2008. وقد اقتيدت الى اقليم كانغيون جنوب شرق بوينغ يانغ حيث اكتشفت مدرسة على شفير الانهيار مع تلاميذ يحاولون متابعة الحصص الدراسية في ظل درجة حرارة تدنت عن الصفر. وتوضح "الاولاد كانوا يعانون من البرد الى حد كانوا متسمرين فعلا". وحصل كاربنتر على تأشيرة دخول اخيرا لتدشين المدرسة الجديدة في تشرين الثاني/نوفمبر 2008. ومنذ ذلك الحين توجه ثلاث مرات اخرى الى كوريا الشمالية فيما مهمته المقبلة مقررة في تشرين الاول/اكتوبر. وتمكن من اقامة علاقة ثقة مع الاطراف هناك. وبنت منظمته غير الحكومية ست مدارس في غضون خمس سنوات تستضيف كل واحدة منها 300 تلميذ. ويتفقد كريستوفر كاربنتر وكاترين برتران كل المواقع قبل البناء وبعده. وبعد عجزهما عن ايجاد اطراف مانحة في كوريا الشمالية، هما يعمدان الى تمويل المشاريع من اموالهما الخاصة تقريبا، مع 40 الف دولار في كل مرة فيما تستثمر السلطات 25 الف دولار. ويضيف "لا شك لدي انهم يستخدمون الاموال بشكل صحيح" مستندا في ذلك الى ما يراه على الارض وعلى تقارير المحاسبة التي ترده. اما الاسمنت واحجار القرميد فإما تتوافر محليا او تستورد من الصين. في هذه المدارس سيتشرب الاطفال دعاية النظام على ما تؤكد كاترين لكنها توضح "لتعليم الدعاية يجب اولا تعليم الكتابة والقراءة والحساب". ويضيف كريستوفر "الاطفال يتعلمون ايضا الانكليزية والرياضيات والكيمياء والفنون". ورغم العلاقات التي اقيمت مع هذه الاطراف يحتاجان الى اذن لكل شيء. لكن كريستوفر يؤكد "نحصل عليها بشكل عام". مهمتهما التي تنفذ في الارياف وليس في المدن توفر لهما فرصة التنقل في هذاالبلد المنغلق على نفسه. الطرقات السريعة التي يسيران عليها ليلا تخلو من السيارات الا ان كريستوفر يقول "اننا نرى اشخاصا يسيرون مثل اشباح في الليل في درجة حرارة 15 تحت الصفر". الفقر مدقع مع منازل زجاج شبابيكها محطم الا انه في المناطق التي يسمح لهما بزيارتها يبدو ان الاكل متوافر بكميات كافية للسكان. وتعتبر الامم المتحدة ان ثلثي سكان كوريا الشمالية البالغ عددهم 24 مليونا يعانون من وضع غذائي هش. ويؤكد كريستوفر ان "الكوريين الشماليين بشر مثل الاخرين. وهم يتمتعون بحس الفكاهة ويريدون معرفة ما يحصل في بقية العالم". ويضيف "عندما قلت لهم ان باراك اوباما هو اول رئيس اسود للولايات المتحدة قالوا لي +ماذا تعني باسود؟+ فهم كانوا قد سمعوا باسمه ولم يروا ابدا صورة له". ومنذ اسابيع تشهد شبة الجزيرة الكورية توترا كبيرا بسب اطلاق صاروخ كوري شمالي في كانون الاول/ديسمبر تلته تجربة نووية في شباط/فبراير ومن ثم عقوبات جديدة في الامم المتحدة ضد بيونغ يانغ. لكن كريستوفر يقول ان النافذة التي فتحها "تظهر ان التواصل ممكن" مع كوريا الشمالية.