الرياض ـ العرب اليوم
رغم أن القراصنة شوهوا موقعهن الخاص على الإنترنت، إلى جانب أن وفودا من رجال الدين ناشدوا الملك منع حركتهن، والمسؤولين الأمنيين تركوا لهن رسالة واضحة على هواتفهن الجوالة "يا نساء المملكة، لا تجلسوا وراء عجلة القيادة!"، إلا أنهن فعلن على أية حال، السبت. عدد قليل من النساء، حتى أن الناشطين ليسوا متأكدين من عددهن، أصروا على خرق أحد القيود الاجتماعية الأكثر تشددا في المجتمع السعودي المحافظ بشدة، حيث ركبن سياراتهن وقمن بقيادتها، ونشرت العديد منهن تسجيلات فيديو لأنفسهن في مقعد القيادة لنشرها للعالم. هذه الدعوة العامة للنساء للقيادة السبت هي أحدث عمل في سلسلة من الجهد المبذول منذ عقود من قبل مجموعة صغيرة من النشطاء لممارسة ما يرونه حقا من حقوق الإنسان الأساسية، المملكة العربية السعودية، وهي ذات نظام ملكي وراثي، هي البلد الوحيد في العالم الذي لا يسمح للنساء فيه بقيادة السيارات. وحقيقة أن النشطاء والناشطات حاولوا أخذ هذا الحق منذ فترة طويلة دون أن ينجحوا في خلق حركة جماهيرية أو إحداث أي تغيير في سياسة الحكومة يؤكد على قوة التقاليد في المجتمع السعودي والنفوذ السياسي الهائل للمحافظين الاجتماعيين الذين يخشون من التغريب أو أي شيء يبدو كما لو كان من شأنه أن ينتقص من الطابع الإسلامي للمملكة، وذلك رغم امتلاء المملكة بمراكز التسوق والمحلات التجارية الراقية ومطاعم الوجبات السريعة. وعلى الرغم من المعارضة القوية، يعتقد النساء أن الوقت في صالحهن. ويشرن إلى الأعداد الهائلة من السعوديين الذين يدرسون ويسافرون للخارج ليعودوا بمنظور جديد بشأن ثقافتهم. ويُشِرْن أيضا إلى سكان المملكة من الشباب والتزايد الهائل في وسائل الإعلام الاجتماعية وهي العوامل التي ستجعل البلاد، مع مرور الوقت، أكثر انفتاحا على التغيير. وتقول مديحة آل عجروش، 60عاما، وهي طبيبة نفسية تناضل من أجل حق قيادة السيارة منذ عام 1990 "إننا لا نريد كسر أي قوانين، وهذه ليست ثورة، ولن تتحول إلى ثورة، بدلا من ذلك تسعى النساء فقط إلى تحقيق ما يعتبر امتيازا عاديا في أي مكان آخر في العالم". وتضيف مديحة التي تعيش في الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية"إننا نبحث عن شيء بسيط ، مجرد القدرة على قيادة سيارة للذهاب لشراب كوب كابتشينو أو لأخذ طفلي إلى غرفة الطوارئ". وفيما يتعلق الأمر بحقوق المرأة، لا تزال المملكة العربية السعودية واحدة من الدول الأكثر تقييدافي العالم. فهناك ما يسمى بقوانين الوصاية والتي تقضي بأن المرأة لا يمكنها أن تتزوج، أو تعمل أو تسافر للخارج دون الحصول على موافقة من أحد أقاربها الذكور. قيود أخرى ثقافية أكثر منها قانونية تشمل حظر القيادة، حيث أنه لا يوجد قانون سعودي صريح يمنع النساء من قيادة السيارات، ولكن الحكومة لا تصدر تراخيص للنساء. ولأن القيادة من دون رخصة غير قانونية، فقد اقتصرت حملة القيادة على النساء اللواتي يملكن تراخيص حصلن عليها من الخارج. وأثارت الدعوة للنساء بقيادة السيارة، السبت، عددا كبيرا من التعليقات وكثيرا من الجدل في وسائل الإعلام الاجتماعية السعودية. وحذرت وزارة الداخلية الأسبوع الماضي من الأعمال كلها التي "تخل بالسلام الاجتماعي وتفتح الباب أمام الفتنة" وهدد بيان جديد صدر الجمعة من عقاب المتورطين في "الجمعيات التي تدعو للتظاهر ضد حظر النساء عن قيادة السيارات". وأشار بعض المعارضين إلى أن 26 تشرين الأول/أكتوبر هو عيد ميلاد هيلاري رودهام كلينتون، مما يعني ضمنا وجود أيد أجنبية في التخطيط. والأسبوع الماضي، اخترق المتسللون موقع الحملة على الشبكة العنكبوتية، ونشروا شتائم استهدفت النشطاء البارزين وأذاعوا شريط فيديو يدعو فيه رجل عرف بأنه صهيوني المرأة لقيادة السيارة، مما يعني أن أعداء السعودية ترى في ذلك وسيلة لإضعاف المملكة. كذلك أدلت الشخصيات الدينية بدلوها فى الأمر، فقد رأس أحد الشيوخ البارزين ويدعى الشيخ ناصر العمر ، وفدا من 200 شيخ إلى الديوان الملكي في جدة لمناشدة الملك ضد "مؤامرة قيادة المرأة للسيارة"، كما قال في شريط فيديو نشر على الإنترنت. رجل دين آخر يدعى محمد النجيمي، وصف الحملة بأنها "خطر كبير"، معتبرا أنها ستؤدي إلى خراب الزواج، وانخفاض معدلات المواليد، وانتشار الزنا، بالإضافة إلى كثرة حوادث السيارات. حتى بعض الذين يؤيدون حق المرأة في قيادة السيارة يرون أن هناك الكثير الذي يتعين القيام به مسبقا، ومنها أن تتعلم النساء كيفية القيادة، وأن يصدر لهن التراخيص، بالإضافة إلى منحهن الحماية القانونية من التحرش. وبدا السبت في الرياض، أن هناك من الصحافيين الغربيين أكثر من السائقات من النساء وراء عجلة القيادة. وقالت السيدة عجروش إنها تخلت عن المحاولة بعد أن وجدت هي وصديقتها اثنين من الرجال يتبعانهما. وقد لجأتا في مركز تجاري، ولكن الرجال اتبعوهما إلى هناك. أما ماي سواين، 32 عاما وأم لطفلين وتعمل في أحد بنوك الرياض، فكانت أكثر توفيقا. ففي صباح السبت قادت سيارتها إلى السوبر الماركت القريب، واشترت بعض الحليب وقادت مرة أخرى عائدة للمنزل. واستغرقت الرحلة قرابة 15 دقيقة، ولم يوقفها أحد. وقالت إنها لا تشعر بالقلق إزاء انخفاض نسبة الإقبال لكن أعربت عن تقديرها للدعم الذي تلقته من قبل أولئك النساء اللاتي ظهرن وقدن السيارة. ولم يمض وقت طويل على عودتها، ولكنها كانت لا تزال معجبة بالتجربة. وقالت "أنا فخورة جدا بنفسي الآن".