برلين ـ العرب اليوم
بلقيس بخرشييفا فرّت من حرب الشيشان إلى ألمانيا قبل 12 سنة، لتعيد اكتشاف هواية الطفولة وتحولها إلى مهنة تجمع بين الأناقة العصرية والرغبة باتباع تعاليم دينها، الذي اكتشفته في المهجر أيضا. عصرية أنيقة وبألوان توحي بالسعادة، هكذا تصف بلقيس بخرشييفا الأزياء التي تصممها للنساء المسلمات. السيدة التي قدمت قبل 12 عاما من جمهورية الشيشان الروسية هربا من حرب طاحنة وظروف صعبة، لم يكن يخطر ببالها أنها ستكون صاحبة وكالة "Zabbary"، أول وكالة لتصميم الأزياء للمحجبات في ألمانيا. الشيء الوحيد الذي تغير في بلد المهجر، هو عندما قررت أن تبدأ في سن الثلاثين الدراسة في جامعة ترير الألمانية، وما هو الفرع الذي اختارت دراسته؟ إنه "حلم حياتي" – كما تقول – "ووجدته": تصميم الأزياء. كانت تلك هي البداية لتحويل الهواية إلى مهنة. ولكن لم تكن النية حينها أن تدرس ذلك لتعمل لاحقا على تصميم أزياء للمحجبات، وإنما أزياء وموضة عادية كالتي يراها الجميع في الأسواق، فكيف ولدت فكرة موضة المحجبات؟ "موضة المحجبات بجودة عالية" نشأة بلقيس في الشيشان لم تكن مرتبطة بالدين أبدا، حيث لم تكن تعرف عن الإسلام الشيء الكثير، ولم تكن ترتدي الزي الإسلامي والحجاب، إلا أنها وأثناء وجودها في ألمانيا، بدأت تقرأ عن دين أجدادها وتعرفت على هذا العالم "الذي ينظّم كل جوانب الحياة". ومع الوقت قررت في عام 2010 أن تلتزم باللباس الإسلامي، لأنها اقتنعت بأنه فرض على المرأة المسلمة. ولم يكن هذا القرار سهلا عليها كما تقول: "كان يجب أن أعاني قليلا – ومازلت أعاني – من بعض الصعوبات، سواء مع عائلتي التي لم يعجبها هذا الوضع، أو في الشارع؛ فمثلا لم أحصل على فرصة للتدريب في عدة أماكن بسبب الحجاب". ثم جاء التحول الآخر، فعندما أرادت ارتداء لباس يجمع بين العصرية والأناقة والجودة العالية مع الالتزام بتعاليم دينها، لم تجد في السوق ما يلبي حاجتها. "هناك لباس للمسلمات، ولكن الناحية الأخرى تغيب: قماش سيء، وتصميم متواضع، وألوان لا تعجبني أبدا ... فقلت لنفسي لابد أن كثيرات يواجهن نفس المشكلة، سأعمل على سد هذه الثغرة"، كما تقول بلقيس. وبعد تخرجها من الجامعة بدأتْ بالعمل كمساعدة في عدة أماكن، إلى أن افتتحت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 وكالة صغيرة مستقلة لتصميم الأزياء وبيعها، تتولى فيها كل مراحل التصميم والإنتاج لوحدها. وتعاقدت بلقيس مع مشغلي خياطة مميزين حتى تحافظ على جودة المنتج. عملية البيع تتم عبر الانترنت، حيث يمكن لزائر صفحتها على الانترنت (Zabbary.eu) أن يختار القطعة التي تعجبه ويطلبها ويدفع ثمنها عبر الانترنت، لتصله عبر البريد. وبالمناسبة (Zabbary) هي كلمة شيشانية وتعني "المرأة المرحة". الطلب على موضتها أكبر مما كانت تتوقع، وذلك يعود إلى أن هذا المجال ما يزال بكرا في ألمانيا، "فلا توجد أي جهة تصمم موضة عالية الجودة للمسلمات"، كما تؤكد الأم لطفلة عمرها خمسة أعوام. أول عرض أزياء من نوعه في ألمانيا في نهاية شهر آذار/ مارس 2013 أقامت أول عرض أزياء للمحجبات في تاريخ ألمانيا، هكذا تقول بلقيس بكل تواضع، وتطمح لأن تجعل عرض الأزياء هذا تقليدا نصف سنوي. معظم الفتيات اللواتي شاركن في العرض كن من المسلمات (التركيات خاصة)، وكان هناك فتيات (موديل) غير مسلمات، ألمانيات ومن أصول أجنبية أيضا. "في المستقبل سأعمل على استقطاب مصممات أزياء أخريات ممن يرغبن في العمل بنفس الاتجاه في موضة المحجبات، وسنقيم عروض أزياء مشتركة"، هذا ما تخطط له بلقيس بخرشييفا. ولكن هذا المشروع يبقى قائما حتى الآن بفضل جهد فردي وبإمكانيات مادية متواضعة، وهذه هي العقبة الأكبر أمام بلقيس. كل من يسير في شوارع المدن الألمانية أو يزور الجامعات في هذا البلد الأوروبي سيلحظ وجود من يرتدين الحجاب، وبالتالي تأمل السيدة ذات الـ 37 عاما بأن يعرف مشروعها طريق النجاح. الموضة التي تصممها بدأت تلقى رواجا. والمثير للاهتمام أن من يشترين منها هذه الأزياء لسن من المسلمات فقط، فهناك من تعجبهن الملابس الطويلة الساترة لكامل الجسم، بغض النظر عن الجانب الديني، وهذا الشيء يسعدها كثيرا؛ خاصة وأن أكثر ما يزعجها هو الصورة النمطية المترسخة عن أشخاص أو مجتمعات معينة. وتخبرنا بلقيس بأن رسالتها من هذا العمل هي أن تتيح الفرصة للمسلمات في ألمانيا، اللواتي يرغبن بارتداء لباس يجمع بين تعاليم الدين مع الأناقة والعصرية وحرية الحركة، للقيام بدور نشط في المجتمع دون أي عوائق. خدمة DW