واشنطن - أ.ش.أ
تؤكد أحدث الدراسات العلمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية أن الملوثات البيئية تعد مسئولة عن 23% من تفشي الأمراض على المستوى العالمي، وأن معالجة المشكلات الناجمة عن هذه الملوثات يمكن أن تسهم في إنقاذ حياة 6 مليون امرأة سنويا. وتشغل قضية العلاقة بين تلوث البيئة وصحة المرأة العديد من العلماء والمنظمات الدولية غير الحكومية التي غالبا ما ترشد منظمة الأمم المتحدة والوكالات الدولية المتخصصة، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية، إلى المناطق الأكثر تضررا من هذه الظاهرة، والإجراءات الواجب اتباعها من الحكومات لإصلاح السياسات البيئية والصحية، وخصوصا في الدول النامية. ووفقا لتحليل نشره موقع "يونايتد برس إنترناشيونال" الإلكتروني للكاتبة "مولي جينتي" المتخصصة في شئون الصحة والبيئة، تحت عنوان "مخاطر التلوث هي الأسوأ لدى نساء العالم النامي" ، فقد أجرت الباحثة العلمية في مجال البيئة وصحة المرأة، دونا فورهيز، من مركز بوسطن لعلماء البيئة، دراسة تجريبية -بتمويل من الأمم المتحدة- في منطقة أوجونيلاند في نيجيريا لدراسة تأثير سوء الإدارة والتنظيم في مجال الحماية الصحية في منطقة تحتوي على النفط، حيث وجدت النساء يقفن حافيات القدمين في حقول خضراء وهن يحصدن جذور الكسافا (نبات نيجيري) في قلب بركة من النفط ، ولاحظت أن الحياة استمرت في هذه المنطقة كما لو أن حفرا للتنقيب عن النفط لم يحدث، وهو ما ليس قائما في أي بلد صناعي لأنه كان سيتم إخلاء المنطقة ولن يسمح لأي شخص بالعمل في هذه الحقول الواقعة على مقربة من النفط الخام. وتلقي تجربة فورهيز الضوء على تلك التحديات التي تواجه المدافعين عن صحة الإنسان والمنظمات التي تعمل في مجال حماية النساء والعائلات في الدول النامية من حيث المشكلات والأمراض الأكثر شيوعا والمرتبطة بالتلوث البيئي في دول ذات دخل منخفض لا تقوى على توفير أطر صحيحة وقوية خاصة بالحماية البيئية. وعلى الرغم من قيام الأمم المتحدة بالعديد من الأنشطة في هذا المجال وتأكيد المدافعين عن المرأة على اتخاذ الدول النامية لبعض الإجراءات المنظمة للحماية البيئية خلال السنوات الخمس الأخيرة، فإن دراسة الباحثة فورهيز قد أوصت باتخاذ إجراءات عاجلة لمساعدة الكثير من الأسر النيجيرية التي تشرب الماء المختلط بالنفط والملوث بحوالي 900 ضعف عن المستوى المقبول من وجود مواد كيماوية مسرطنة ، حيث تشير فورهيز إلى أنه لا توجد سجلات خاصة بتعداد سكان المنطقة النفطية في نيجيريا ولا سجلات طبية شاملة تتبع تأثير تعرضهم للنفط على صحتهم العامة بمرور الوقت. ويقول الخبراء والمتخصصون في مجال الصحة إن النساء في العالم النامي (مثل سائر نساء العالم) هن الأكثر عرضة لمخاطر الملوثات البيئية، فأجسامهن أكثر حساسية لهذه الملوثات التي تصيب جهاز المناعة وتحدث مشكلات في الإنجاب وعصبية ناتجة عن التعرض للعديد من المواد الكيماوية المصنعة ، إذ تشير مديرة الصحة العامة والبيئة بمنظمة الصحة العالمية ، ماريا تيرا، إلى أن علاج أو تجنب أثر هذه الملوثات سوف ينقذ حياة نحو 6 ملايين امرأة، وإلى أن مرض سرطان الثدي مسئول عن وفاة 19% من الإناث سنويا على مستوى العالم، وأنه أكثر شيوعا في منطقة الشرق الأوسط ووسط أمريكا اللاتينية وآسيا، حيث تواجه النساء في البلدان النامية مشكلات التلوث دون توفير الحماية المطلوبة مقارنة بالدول المتقدمة. وتشير إحدى الدراسات العلمية إلى أن هناك 2.6 مليون شخص يموتون سنويا بسبب تلوث الأماكن المغلقة حيث يتعرض الإنسان لاستنشاق غاز ثاني أكسيد الكربون وبعض الجسيمات الدقيقة الناتجة عن مواقد الحطب وحرائق الحقول والمزارع، ولأن المنازل في الدول النامية غالبا ما تكون سيئة التهوية، يبقى الأطفال والنساء هم الأكثر عرضة للإصابة بأمراض الرئة والجهاز التنفسي كما يقول سومي ميهتا، مدير برامج التحالف العالمي من أجل مواد الطهي النظيفة، ومقره واشنطن، حيث يعد الجاز والوقود الطبيعي وأغطية الدخان أبرز ما يعرض هؤلاء للإصابة بهذه الأمراض في الهند وبنجلاديش والصين والقارة الأفريقية. ويقول ثيوكو لبورن عالم الأبحاث المؤسس لمركز اضطراب الغدد الصماء في باونيا بولاية كولورادو الأمريكية :"إن النساء يبقين كذلك الأكثر تعرضا لمخاطر التهديد المتزايد لأكثر من 100 ألف من المواد الاصطناعية التي تدخل في الإنتاج الصناعي في جميع أنحاء العالم، فالنظام الهرموني للإناث يجعلهن أكثر حساسية للمواد الكيماوية المسرطنة المنتشرة في البيئة، وتسبب مثل هذه المواد، وخاصة المبيدات الحشرية ومادة الأترازين وبعض المركبات العضوية التي تشبه عوادم السيارات، والتي تستخدم بشكل أكبر في الدول النامية، خللا في وظائف الغدد الصماء لأنه حين تلامس النساء هذه المواد في التربة والماء والهواء يسهل على المواد السامة اختراق الجلد والأغشية المخاطية لتصل إلى الدم، وهو ما يؤثر على صحتهن وعلى الأطفال الذين لم يولدوا بعد". وحول أسباب تفشي ظاهرة الإصابة بأمراض الملوثات البيئية لدى النساء في الدول النامية، يذكر جوزيف ديجانجي مستشار العلوم العليا في الشبكة الدولية للقضاء على الملوثات في مدينة جوتنبيرج بالسويد، أن القيود المالية ونقص السياسات التنظيمية المناسبة وسبل الحماية الفعالة ونقص عدد العلماء المتخصصين في مجال الحماية الصحية البيئية في هذه الدول وسوء أو ضعف التشريعات الخاصة لحماية صحة الإنسان كلها عوامل تؤدي إلى صعوبة مواجهة مخاطر الملوثات إذا ما قورنت بأعداد من يتعرضون للإصابة والمرض ، كما أنه في بعض الدول التي تضع تشريعات ما فإنه غالبا ما يحدث تضارب وسوء تنسيق في عمل الوزارات المعنية مثل وزارتي الصحة والبيئة، وهو ما يتطلب تغييرا جذريا أو تقنيا أفضل للتشريعات الحكومية. ويشير ديجانجي إلى حالة مشابهة لدراسة فورهيز على نساء نيجيريا، حيث يقول: "في دولة مثل ساحل العاج قد لا توجد معايير خاصة بسلامة العمال، وإن وجدت فهي غير مطابقة للمواصفات الدولية؛ فالنساء العاملات يقمن على سبيل المثال بإعادة تدوير بطاريات السيارات وأيديهن عارية ما يعرضهن لمخاطر كبيرة. وتبدو ظاهرة التعرض لأمراض بسبب الملوثات البيئية محل اهتمام دولي وإقليمي للعمل على الحد من مخاطرها وتوفير حماية أكثر للإنسان ، ففي عام 2008 أعلن القادة الأفارقة التزامهم بتجديد أطر العمل المحلية والإقليمية الخاصة بالارتباط بين الصحة والبيئة، وفي العام التالي التحقت أكثر من مائة دولة بالتحالف العلمي للتخلص من مخاطر الأدوات المطلاة بمادة الرصاص، وخلال الذكرى العاشرة للتوقع على اتفاقية ستوكهولم بشأن الملوثات العضوية الثابتة في عام 2011، تم نشر 40 قصة نجاح خاصة بالاتفاقية التي صادقت عليها 179 دولة. وقام مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية البديلة العام الماضي بوضع دليل للطهي والحلول الصحية، ودليل آخر حول التنمية الريفية بهدف الحد من أمراض تلوث الهواء، وفي مطلع العام الجاري وقعت 149 دولة على معاهدة ميناماتا التي تحث الحكومات على تطوير الخطط الضرورية لمنع مخاطر مادة الزئبق وتعزيز صناعة التعدين الخالي من الزئبق لأنه يعد من أكثر المواد السامة التي تسبب إصابة العديد من الكائنات الحية.