اختفاء الطفلة إسلام بعد تفخيخ شقيقتها

تحوّلت الطفولة السورية إلى تجارة، حيث أثقل كاهل الأطفال، الجهل واستمرار زرعه في كل عقل جديد، والجوع والحرمان والتشرد والموت الذي يولد من آلة القتل التي لا تكف عن حصد أرواح السوريين وإزهاقها، وكأن الطفل والمواطنة والشاب والرجل السوري، كتب عليهم الشقاء إلى أن تشبع الأرض من جثثهم وإلى أن لا يجد المطر مجرى ساقية لمياهه إلا وتختلط بدم مسفوك على أرض هذه البلاد.
هذه الطفولة يكاد لا يخبو لهيب التجارة بها، إلا وتعود للنهوض من الرماد، فمن قتل الأطفال شبه يومي بطائرات نظامي بشار الأسد وفلاديمير بوتين إلى قتلهم على يد طائرات التحالف الدولي والقوات التركية إلى تجنيدهم في صفوف القتال من قبل معظم الجهات والتنظيمات المقاتلة على الأرض السورية، لحين التجارة بهم، وتعدت هذه التجارة حدود المعروف، لتنقسم في وقت متزامن إلى تجارتين، الأول إخفاء وتعتيم على قضية طفلة سورية تم تفخيخها وتفجيرها، والثانية هي المتاجرة الإعلامية وتسليط الضوء على طفلة سورية خرجت من الحصار في مدينة حلب.

فلا تزال الطفلة ذي الأعوام الثمانية، إسلام عبد الرحمن شداد ابنة عبد الرحمن شداد المعروف بلقب "أبي نمر السوري"، القيادي الأمني الذي كان يعمل تحت عباءة جبهة النصرة (تنظيم القاعدة في بلاد الشام)، واغتيل الأحد في حي تشرين عند أطراف العاصمة دمشق، بطلقات نارية أصابته بشكل مباشر وقتلته، ليبقى الغموض يلف مصير ومكان تواجد ابنته إسلام وزوجته أم نمر التي أكدت مصادر موثوقة للمرصد السوري لحقوق الإنسان أنها هي من ساعدته في عملية تفخيخ طفلتيهما فاطمة التي جرى تفجيرها عند غروب شمس الـ 16 من كانون الأول / ديسمبر الجاري من العام 2016، وإسلام جرى تفخيخها هي الأخرى ليتم تفجيرها في مكان آخر في العاصمة دمشق، إلا أن جرى العدول عن قرار تفجير الطفلة الثانية لأسباب غير معروفة حتى الآن، ورجّحت المصادر أنها قد تكون بسبب عدم تمكنها من الوصول للهدف المحدد.

وهزّت هذه الحادثة كل من تبقى له ضمير وسمع بها في هذا العالم، لكنها لم تهز ضمير المجتمع الدولي الذي لم يتطرق ولو للحظة للحديث عن الطفلة السورية فاطمة شداد وشقيقتها مجهولة المصير "إسلام شداد"، بل التفت للطفلة السورية بانا العابد، الخارجة من الحصار مع عائلتها، بعد أن كانت تغرد على موقع التواصل الاجتماعي تويتر برفقة والدتها، لتغادر حلبًا التي حوصرت فيها، وتترك آلاف المشردين معها من المتجرعين لنفس المصيرـ وتصل إلى أحد القصور الرئاسية ويستقبلها ويحتضنها رجب طيب أردوغان، في وقت متزامن هو الآخر مع مجزرة أزهقت أرواح 26 طفلًا و13 مواطنة من ضمن 104 مدنيين قتلتهم صواريخ وقنابل طائرات نظام رجب طيب أردوغان، الإعلام ترك أشلاء فاطمة وفتح عدسات كاميراته على جسد بانا.

وبقيت إسلام مفقودة، مجهولة المصير، بين قتل شقيقتها عبر تفخيخها من قبل والديها، وبين بانا العابد التي احتضنها الرئيس التركي أردوغان بعد تغريدات على موقع تويتر، تمامًا كما بقي أطفال مدينة الباب في مجزرة المئة شهيد مغيبين بين قصة بانا الخارجة من الحصار، واستمرار غفوة المجتمع الدولي وصمم وعميان الإعلام العالمي، الذي قاده الانحطاط إلى أن يدفن قضية الطفلة فاطمة عبد الرحمن شداد، التي يتخوف السوريون اليوم في وسط هذا الجهل المتعمد والذي ينشر بأيادٍ تدري ما تفعله اليوم وغداً ولمستقبل بلاد أنهكتها الحرب، يتخوفون من أن تصبح منهجًا وثقافة وتنتشر على نطاق واسع.

وما يحزننا في المرصد السوري لحقوق الإنسان اليوم أكثر من أي وقت مضى، وما صدمنا حقيقة الأمر، أن المجتمع الدولي لم يعد اليوم في موقف المتفرج، فهو بصمته المتواصل وصم آذانه عن صرخات السوريين وآلامهم، إنما يكون شريكًا أساسيًا في المجازر والجرائم والقتل والانتهاكات التي تسفك الدماء السورية البريئة على أرض وطنها، وساعد في ذلك الإعلام المتعامي ليس فقط عن قضية الطفلة فاطمة عبد الرحمن شداد، وإنما عن قضية شقيقتها إسلام وقضايا عشرات ومئات آلاف المشردين من الأطفال والنساء والرجال والمسنين، وقضية المئات من "أشبال الخلافة" و"أشبال" الحركات والمنظمات والجيوش المتواجدة على الأراضي السورية.

 
ففي الـ 16 من كانون الأول / ديسمبر من العام 2016، وبعد الساعة الرابعة بتوقيت دمشق، يهزُّ انفجار عنيف حيًا دمشقيًا يقبع في منتصف المدينة، إنه حي الميدان. تتضارب المعلومات في البداية في طبيعة الانفجار بالضبط، الذي حدث داخل قسم شرطة الميدان، تمر الدقائق ولا تزال المعلومة الدقيقة مجهولة، من عبوة ناسفة، إلى تفجير شخص لنفسه بحزام ناسف إلى تفجير مواطنة متسولة لنفسها في قسم الشرطة، لتظهر جثة طفلة وليأتي الخبر اليقين في شريط مصور.

فاطمة ابنة عبد الرحمن شداد الملقب بأبي نمر السوري، طفلة سورية تبلغ من السنوات تسعًا، تظهر في الشريط المصور الذي وردت منه نسخة للمرصد السوري لحقوق الإنسان، مع أختها إسلام التي تنقصها بنحو سنة من العمر، وسيدة مخفية الوجه تقبلهم قبل أن تمضي الطفلتان في طريقهما الذي رسمه والدهما، بعد أن أحاط خصريهما بحزامين ناسفين.

ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان، الحادثة حينها، وتابع تطوراتها، وفي التفاصيل التي تمكن المرصد من توثيقها من عدة مصادر موثوقة، ونشرها قبل أيام، فإن أبو نمر السوري هو من سكان المنطقة الواقعة بين حيي برزة والقابون الواقعين عند أطراف العاصمة دمشق، انضم في البداية إلى صفوف جبهة النصرة (تنظيم القاعدة في بلاد الشام)، ثم ترك الأخير لينضم إلى صفوف تنظيم "داعش" في غوطة دمشق الشرقية، قبيل المعارك التي دارت بين الفصائل العاملة في الغوطة الشرقية وتنظيم "داعش" وطرد الأخير من الغوطة، ليترك بعدها أبو نمر العمل التنظيمي مع تنظيم "داعش"، ويعود وينضم إلى حركة أحرار الشام الإسلامية"، ويعمل معهم في قطاع القابون بالأطراف الشرقية للعاصمة دمشق، كـ "قيادي أمني"، وأكدت المصادر للمرصد أن سبب عمله كأمني في حركة أحرار الشام، هو نتيجة لخبرته وعلاقاته داخل العاصمة دمشق، وعاد أبو نمر السوري لفك ارتباطه بالحركة، والعمل بشكل مستقل تحت عباءة وحماية جبهة النصرة (جبهة فتح الشام) حالياً، حيث أكدت مصادر مقربة من أبو نمر السوري، أنه لا يظهر إلا قليلًا، ولا يخرج من مكان تواجده إلا ليلاً، ويرتدي حزاماً ناسفاً بشكل دائم، وأن الشريطين المصورين جرى تصويرهما من قبل أبو نمر وزوجته، وهما الشريطان اللذان ظهر فيهما أبو نمر السوري وزوجته وطفلتيهما فاطمة التي فجرت نفسها بقسم شرطة الميدان، وإسلام التي كانت قد دُفعت لتفجير نفسها، إلا أن الخطة المرسومة لها لم تنجح فجرى العدول عن قرار تفجيرها لنفسها.

وعبد الرحمن شداد الذي ظهر في الشريط مصور الذي حصل المرصد السوري لحقوق الإنسان على نسخة، كان قد فجر شقيقه وزوجة شقيقه نفسيهما في وقت سابق، حيث أكدت مصادر متقاطعة للمرصد أن شقيق وزوجة شقيق أبو نمر السوري فجرا نفسيهما في أحد المناطق في العاصمة دمشق في عام 2014، خلال مداهمة القوات الحكومية لمنزلهما.