صنعاء - وكالات
وسط غبار سياسي يتصاعد باليمن مع اقتراب نهاية مؤتمر الحوار الوطني اواخر الشهر الجاري، عاودت قضية “زواج القاصرات” تسجيل حضورها في واجهة المشهد اليمني، مع تداعيات قضية الطفلة “روان هتان”، التي قالت وسائل إعلام دولية ومحلية إنها فارقت الحياة ليلة دخلتها خلال “زواج قسري” من رجل أربعيني، فيما خرج مسئولون يمنيون ينفون ذلك. وكانت القضية التي لاقت صدى واسع على مدار الأسابيع الماضية قد شهدت تحولا دراماتيكيا عندما أعلن مسئولون بمحافظة حجة (شمال غرب العاصمة صنعاء)، أن الطفلة لازالت على قيد الحياة متهمين المنظمات الحقوقية والنشطاء ووسائل الإعلام التي تناقلت خبر وفاة روان بـ”ابث أخبار كاذبة”. وانتشر خبر وفاة الطفلة اليمنية القاصرة روان هتان (8 سنوات) متأثرة بنزيف حاد نظرا لدخول زوجها الأربعيني بها ليلة الزفاف وهي لم تبلغ بعد، متجاوزا بذلك الشرط الذي وضعه والداها للزواج، بحسب وسائل إعلام محلية بينها موقع المصدر أون لاين، الذي أضاف نقلا عمن وصفتهم بجيران أسرة روان أن “الوالدين اللذان يعيشان في فقر مدقع زوجاها مقابل مبلغ لا يزيد عن 7 آلاف ريال سعودي، بينما زوجا أختها مشاعل التي تكبرها بعامين من شخص آخر تعيش معه في اليمن، ولكنه التزم بشرط عدم الدخول بها حتى البلوغ فنجت من مصير روان”. ووصل خبر حادثة روان الذي تناوله إعلاميون وحقوقيون كـ”أحد الأدلة الدامغة على انتشار ظاهرة زواج القاصرات في اليمن وتداعياتها الخطيرة”، إلى مقر الاتحاد الأوروبي , الذي أدان بدوره الحادث وطالب على لسان المنسقة العليا للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون بالتحقيق فيه. ورجح محللون أن “الإدانة الأوروبية جعلت السلطات الرسمية في اليمن تتحرك كما لو أنها ضالعة في تزويج روان، فحرصت بشدة على دحض الواقعة بأي شكل من الأشكال”، لافتين بذلك إلى تنظيم السلطات المحلية بمحافظة حجة مؤتمرا صحفيا الأربعاء، قدموا خلاله طفلة سمراء في الثامنة من عمرها على أنها روان هتان، عارضين وثيقة طبية تؤكد عذريتها، وهو ما اعتبره حقوقيون “مسرحية باهتة”. وفيما اتهم المسئولون خلال المؤتمر وسائل الإعلام والنشطاء الحقوقيون الذين تداولوا القضية بـ”بث أخبار مجافية للواقع″، مطالبين بـ”إعادة الاعتبار للطفلة وأسرتها”، قال أحمد القرشي رئيس منظمة “سياج” لحماية الطفولة في اليمن في تصريح خاص لمراسل الأناضول “سلطات محافظة حجة لم تستطع إخراج المسألة بشكل سليم للرأي العام”. وأوضح “الطريقة التي استخدموها لتقديم الطفلة غير موفقة، ولم تقطع حالة الجدل الدائرة في الشارع، حول كونها ماتت أم لا”، مضيفا “بهذه الطريقة أوجدوا قدراً كبيراً من الشك، فهم لم ينفوا وفاتها فقط بل نفوا الواقعة من الأساس″. وكان من قدمته السلطات المحلية على أنه والد الطفلة روان خلال مؤتمر الأربعاء قد ظهر باكيا متأثرا، ونافيا تزويج ابنته من الأساس. وأضاف القرشي “نتمنى أن تكون روان على قيد الحياة، وأن يثبت عدم صحة زواجها القسري ووفاتها، لكن الطريقة التي دافعت بها السلطة المحلية عن الواقعة أظهرها بشكل مرتجف، وأسلوب غير مقنع″. وتابع رئيس “سياج”، وهي منظمة غير حكومية، أن “عددا من النشطاء والمنظمات الحقوقية، اتفقوا مع محافظ حجة، على النزول الميداني إلى منزل الطفلة روان ,للتأكد بشكل قاطع وحسم قصة وفاتها من عدمه، وعرض الطفلة التي ظهرت في المؤتمر الصحفي الرسمي على صديقاتها وجيرانها وأخذ شهاداتهم بشأنها”. . وتقع محافظة حجة ضمن محافظات شمال اليمن، وتشهد ارتفاعا كبيراً في نسبة الفقر والأمية. وأعادت حادثة روان إلى الأذهان قصة يمنية أخرى تدعى “ندى الأهدل” (9 سنوات)، ظهرت قبل أشهر في مقطع فيديو، تقول فيه إن أهلها قاموا بتزويجها بشكل قسري، ما دفعها للفرار منهم، وبعد أن تداول نشطاء ومنظمات حقوقية قضيتها كضحية ثبت زيف الموضوع. ووصفت الناشطة الحقوقية اليمنية بلقيس اللهبي، أثر هذا النوع من الوقائع على أداء المنظمات الحقوقية قي بلادها بالقول أنه “جعل حقوق الإنسان في اليمن بين انتهاك المنتهك، وانتهاك المدافعين عنها”. وأردفت بلقيس، وهي عضو في مؤتمر الحوار الوطني اليمني، في تصريحاتها لمراسل الأناضول أن “ما يحدث الآن من ظهور القصص المزيفة لقضايا انتهاكات عدة، على رأسها ما يتعلق بالقاصرات، يمكن أن يكون عمل ممنهج ومرتب من قبل قوى تعمل على إفقاد الموضوع أو الظاهرة الحقيقية مصداقيتها، وفي ذات الوقت تفقد المدافعين والمدافعات عنه هذه المصداقية”. . وفي حين اعتبرت أن “هذه القصص تتورط فيها شخصيات يُفترض أن تقوم بدور محوري لمواجهة هذه الظاهرة”، أكدت أن “الخطأ لا يتحمله فقط الجهات المطلقة لهذه الروايات المزيفة، بل يتحمله أيضا النشطاء الذين يجهلون أبسط قواعد العمل، من حيث التقصي الدقيق للحقائق، والرصد، والتحقيق، ومقابلة كل أطراف القضية”. ورأت اللهبي أن “الحرص على مصلحة الضحايا يتصدر العمل الحقوقي السليم، ما يستدعي عدم الإضرار بهم”، لافتة إلى أنه “من أخطر وسائل الإضرار، النشر بالصور، والأسماء، وعرض الضحايا في مؤتمرات عامة”. من جهتها قالت الناشطة الحقوقية اليمنية هند نصيري، التي أطلقت قبل أشهر حملة “إنقاذ وردة”: “حتى وإن كانت قصة روان مزيفة، فهذا لا يعني أنه لا وجود لعشرات الفتيات يلقين حتفهن يوميا بسبب زواج القاصرات”. وشددت في تصريحات خاصة لمراسل الأناضول على أن “قضية زواج الصغيرات لا تمثلها ندى أو روان، فالموضوع يعني كل فتيات اليمن، اللاتي تقتل طفولتهن يوميا تحت مسمى الزواج”. جانب آخر لتداعيات قضية زواج القاصرات يستعرضه أحمد القرشي رئيس منظمة سياج لافتا إلى أن “المعالجات الخاطئة التي تمت مع قضية الطفلة نجود، وهي أول يمنية قاصرة لجاءت إلى المحكمة رافضة زواجها من كهل، تدفع ضعفاء النفوس للبحث عن مصادر لتحسين معيشتهم، بتزييف مثل هذه الوقائع، حيث حصلت نجود بسبب قضيتها على أموال ومنزل من قبل منظمات دولية”. السياسة كذلك صارت طرفا في قضية زواج القاصرات في اليمن، بعد اتهام نشطاء لنواب إسلاميين بأنهم “يقفون وراء عدم إقرار قانون يُجرّم زواج القاصرات”، الأمر الذي اعتبره القرشي “لايعدو كونه مكايدة سياسية ستعيق تحريك قضية زواج القاصرات”. وأكد أن “الحل بيد رئيس الجمهورية (منصور هادي)، فهو الوحيد الذي بمقدوره أن يضع حلا لمعاناة الطفولة، في اليمن، من خلال تعديل قوانين الزواج، أو إدراج مواد تجرم الزواج قبل سن 18 سنة”، كاشفا أن “منظمة اليونسيف قدمت مقترحات هامة في هذا السياق، وهناك خبراء ارسلتهم الأمم المتحدة، وضعوا مسودة ممتازة، تحوي تشريعات لحماية الطفولة”. وتابع “هذه التشريعات لا يوجد ما يمنع إقرارها، لكن الحل ليس في التشريعات فقط، بل في تحويل ما ستسنه القوانين إلى ممارسات اجتماعية، تبغض في زواج القاصرات، بدلا من الثقافة المجتمعية التي ترغب فيه حاليا”. وقدر باحثون متخصصون في تصريحات خاصة لمراسل الأناضول أن “محافظة إب، بوسط اليمن تتصدر ظاهرة زواج القاصرات، تليها محافظة حجة أقصى شمال اليمن، ثم محافظة الحديدة الساحلية المطلة على البحر الأحمر، فمحافظة المحويت (شمال غرب صنعاء)”. وأكد الباحثون أن “هناك مناطق قبلية مغلقة، لا يمكن للحقوقيين أو الصحافة اختراقها ومعرفة ما يدور فيها، ولا يستبعد أن يكون زواج القاصرات متفشيا فيها، مثل محافظة صعدة شمال البلاد”، مضيفين أن “التوعية بتجريم زواج القاصرات في اليمن مازالت متواضعة للغاية، والحملات المناهضة لهذه الظاهرة تطلق في العاصمة صنعاء فقط، ولا تصل إلى المناطق النائية والتي تشهد مأسي حقيقية بحق الطفولة".