جنيف - العرب اليوم
عندما دعا مسؤول رفيع المستوى بالمؤسسة العسكرية إلى تجنيد المزيد من النساء في صفوف الجيش السويسري، قال الجميع سمعنا وأطعنا. لكن الرأي العام والواقع العملي كشفا في نهاية المطاف أن الأقوال لا تترجم إلى أفعال بالضرورة.
في وقت سابق من هذا العام، لفت العميد فروادفو أنظار الإعلام عندما قال خلال حوار صحفي إنه يؤيّد انتداب النساء لإلتحاق بصفوف الجيش. وفي شهر مارس الماضي، وبينما البرلمان يناقش كيفية تحديث وعصرنة الجيش، أشار وزير الدفاع أولي ماورر، إلى أن انضمام النساء بشكل أوسع إلى المؤسسة العسكرية من شأنه أن "يُحفّز العاملين فيها".
هذا عن الإرادة، أما الأرقام فتشير إلى أنه من جملة عدد العاملين في الجيش، والبالغ عددهم 170.530 نسمة، نجد 1061 امرأة فقط، أي ما يمثّل 0.6%.
وهذا ما يجعل النساء المرتديات للزي العسكري أقلية إلى حدّ الغرابة. وهذا الواقع هو الذي تعيشه الملازمة منى كرويخي كل يوم.
في حديثها إلى swissinfo.ch، تقول فتاة الواحدة والعشرين ربيعا، وهي قائدة مفرزة في الجيش، ومتخصصة في السلاح المضاد للطائرات: "على الإنسان أن يكون واعيا بأنه لا خيار سوى التمسّك بقراره". كانت تتحدّث بنوع من التوتّر في البداية، لكن سرعان ما تغيّرت نبرتها عندما بدأت تذكر التحديات الواجب التغلّب عليها مع منظوريها من المجنّدين، كالذهاب إلى حد النهاية في التدريبات البدنية مثل المشي لمسافة 100 كيلومتر مرة واحدة. وقالت هذه الفتاة: "يتوجّه الناس إليّ باستمرار في الأماكن العامة، وفي محطات القطارات، ويسألونني كيف نجحت في القيام بهذا العمل- لكنهم لا ينتقدون اختياري – يدفعهم إلى ذلك مجرّد حب الإطلاع".
الرغبة في المعرفة وحبّ الاطلاع هو أيضا ما دفع مجموعة من خمس فتيات من نفس المؤسسة التعليمية إلى حضور يوم التوجيه الذي نظّمه الجيش لصالح المجنّدين الجدد بكانتون برن. تم حجز أماكن خاصة بهن في الجزء الأمامي من القاعة. وقبل أن تبدأ فعاليات يوم التوجيه، تم الحديث إليهن على جنب للتأكّد من أنهنّ يعلمن - على خلاف أقرانهنّ من الشبان - بأنّهن أحرار في اختيار مستوى انخراطهن، ودورهنّ في الحياة العسكرية.
وتتلقى جميع السويسريات عند بلوغهن سن الثامنة عشرة رسالة تعلمهنّ بأنه مرحّب بهن إذا رغبن في الإنضمام إلى صفوف الجيش الفدرالي. لقد أصبح بإمكانهنّ الخدمة جنبا إلى جنب مع الرجال منذ عام 1995، وابتداء من عام 2004، أصبحت كل التخصصات متاحة لهن.
في يوم التوجيه العسكري، كانت مستويات استعداد الفتيات الخمس للعمل في صفوف الجيش مختلفة إلى حد كبير: إحداهنّ كانت تميل إلى تعلّم كيفية استخدام الاسلحة، وأخرى إلى العمل في مجال الخدمات الإجتماعية المدنية. والبعض الآخر يتساءل بجدّية عن حاجة المجتمع إلى مؤسسة الجيش من الأصل، ولكنّهنّ جئن لمعرفة أسباب تشكّي أصدقائهن الذكور، وما يروّجونه حول الحياة العسكرية. لكن جميعهنّ لا يعتقدن أن التجنيد الإجباري للنساء هو الخيار الذي يتعيّن على سويسرا اعتماده.
المسائل القانونية والرأي العام
في الأطروحة التي أعدّتها بكلية الحقوق حول موضوع تجنيد النساء، خلُصت سبيلاّ بوندولفي إلى أنه "من وجهة نظر قانونية خالصة، فإن فرض التجنيد الإلزامي على الرجال دون النساء، يتعارض مع مبدإ عدم التمييز" المنصوص عليه في الدستور السويسري.
وتقول بوندولفي: "لم يُطرح فرض التجنيد الإلزامي على النساء كمسألة جدية في أي يوم من الأيام في سويسرا. ومن الغريب أنه لم يطرح أحد الموضوع حتى الآن بشكل جدي، لا على المستوى السياسي، ولا على الصعيد القانوني. على الرغم من أنه من الواضح تماما أن هناك عدم مساواة قانونية في هذه المسألة بين الجنسيْن".
ولكن في دولة تعتمد نظام الديمقراطية المباشرة، يعود القرار النهائي إلى الناخبين. وفي هذا السياق، أعدّ تيبور زفيرسيف تريتش، الباحث المتخصص في علم الإجتماع العسكري بالأكاديمية العسكرية بالمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ، حيث يدرّس أيضا، تقريرا سنويا حول أفكار وانطباعات الجمهور بشأن مؤسسة الجيش. هذا التقرير يؤكد على أن 30% فقط من الرأي العام يدعم تجنيد النساء، ومن المتوقّع برأيه أن يستمرّ الحال كذلك في عام 2015.
هذا الباحث أشار أيضا إلى أن "تجنيد النساء لا يحظى باهتمام كبير من طرف الدوائر السياسية كذلك". وأفاد بأنه من المتوقع أن تتخذ لجنة سياسية أنشأت لدراسة النظام العسكري السويسري (بعد فشل مبادرة عام 2013 الداعية إلى التخلّي عن إلزامية التجنيد) بعض القرارات بشأن ضبط النظام الحالي المطبّق بالنسبة للرجال.
خيارات أخرى
بدلا عن ذلك، هناك العديد من الإصلاحات في متناول اليد إلى جانب التجنيد، مثل أن تكون هناك نفس المتطلبات بالنسبة لجميع المواطنين السويسريين، تشمل حزمة من الخدمات الإختيارية، تضم المدني والعسكري في آن واحد. ويحظى هذا النموذج بالدعم من قبل الكثيرين بما في ذلك مجموعة التفكير المعروفة "مستقبل سويسرا" Avenir Suisse، وهي فكرة كانت تحظى في عام 2013 بدعم حوالي 59% من الجمهور.
غير أن هذا الدعم تآكل قليلا في السنتيْن الأخيرتيْن، وفقا لهذا الباحث الإجتماعي.
أما النسبة المائوية من الأشخاص الذين يرغبون في الحفاظ على نظام التجنيد الحالي (إلزامي للذكور ومقتصر على الخدمات العسكرية)، فقدت ارتفعت بأكثر من 10% منذ عام 2013 (في تلك السنة، كانت نسبة التأييد 48%).
الأدوار القيادية
مع ذلك، يستمرّ الجيش في التأكيد وفي النظر بتقدير عال لأهمية إلتحاق النساء بصفوفه لأسباب ليس أقلّها أن ما يزيد عن 75% من النساء اللواتي يلتحقن بالجيش يتقلّدن مناصب قيادية في نهاية المطاف.
الملازمة كرويخي، هي واحدة منهنّ. فهي تشرف على مجموعة من المجنّدين الذين يتدرّبون على استخدام نظام أسلحة مضادة للطائرات، يُعرف باسم "السيف" (Rapier). ويتم اخفاء مواقع هذه الأسلحة في جميع أنحاء سويسرا، لذلك غالبا ما تستغرق مهمات كرويخي عدّة أيام، حيث يتعيّن عليها وعلى المجموعة التي تشرف عليها النوم، وطهي الطعام، والتدريب في عدة مناطق نائية من البلاد.
وتقول: "ما لم يُتعوّد عليه في الجيش من قبل هو أنني أشرفت - وأنا في هذه السن المبكّرة - على قيادة مجموعات كبيرة من المجنّدين. هذا غير ممكن في الحياة المدنية".
أنيتا شيوليست، باحثة عسكرية من النرويج، البلد الذي أصبح للتوّ الأوّل الذي يفرض التجنيد على النّساء كما على الرجال على المستوى الأوروبي. ومن المقرر أن يبدأ العمل بهذا النظام الجديد في خريف هذا العام.
ومع أن مقارنة تناسبية تفيد بأن عدد النساء في صفوف الجيش النرويجي أزيد بعشرات الأضعاف من عدد النساء في الجيش السويسري، إلا أن "المجنّدات النرويجيات لا ينجذبن حتى الآن للخدمة في الرتب العسكرية العليا على عكس نظيراتهنّ السويسريات"، وفقا لشيولسيت.
وتقول: "هناك عدد أقلّ من النساء في المناصب القيادية، ولكن المزيد من المجندات في الخدمات العادية. وبصفة عامة النساء لا ترغبن في توليّ المناصب القيادية".
بالنسبة لكرويخي، وللكثير من زميلاتها في الجيش السويسري، يسمح التدريب العسكري ببلورة سيرة ذاتية جيدة والحصول على مشغّل في المستقبل. تقول ذلك على الرغم من أنها غير متأكّدة إذا ما كانت سوف تسعى للحصول على وظيفة طويلة المدى مع القوات المسلّحة. أما في النرويج، التي احتفلت سنة 2013 بمرور قرن كامل على منح حق التصويت للنساء، وتخصص 40% من عضوية مجالس إدارة الشركات للنساء، فإن الجيش قد يكون المعقل الأخير لعدم المساواة بين الإناث والذكور، وفقا لشيوليست، وبالتالي لم يُنظر إلى هذه المؤسسة كمشغّل جذّاب للنساء أو يتيح لهن خيارات واسعة.
وتضيف الباحثة العسكرية أن "سوق العمل النرويجية جذّابة جدا للمرأة. فما الذي يُجبرها على البقاء في الجيش، إذا كان يتعيّن عليها بذل ضعف المجهود الذي يبذله الذكور لكي تكون مقبولة!"
عقبات احصائية وتنظيمية
ومن وجهة نظر شيولسيت، يهدف فرض التجنيد الإلزامي على كلا الجنسيْن إلى التخلّص من تلك الفوارق وتوظيف المزيد من النساء في الأدوار العسكرية. في المقابل، وصف العميد السويسري فروادفو - الذي أثار مسألة تجنيد النساء في وسائل الإعلام - الخطوة النرويجية بـ "المثيرة للإهتمام" بحسب ما نقلته عنه صحيفة "نويه تسورخر تسايتونغ" (تصدر بالألمانية في زيورخ)، ورأى أنه بإمكان سويسرا النسج على المنوال النرويجي.
في الأثناء، بلغت نسبة مشاركة العنصر النسائي مؤخرا في الجيش النرويجي 10%، وهي عتبة لها اعتبار كبير من وجهة نظر علمية، وفقا لشيوليست.
أما نسبة الإناث في صفوف الجيش السويسري فهي لا تكاد تصل إلى 1%، بل تشهد ركودا منذ فترة، ووفقا لبعض الباحثين هناك العديد من الخيارات المتاحة لزيادة هذا العدد من خلال تغيير نظام التجنيد.