نواكشوط - العرب اليوم
تشهد الساحة الموريتانية استقطابا بين مبادرة الحقوقيين المعارضين لزواج القاصرات والتيارات الدينية المشجعة له، في ما تبقى الفتاة الموريتانية رهينة العقلية الاجتماعية المحافظة وعرضة لنتائج وخيمة قد تنجم عن تزويجها بالإكراه. لم تكن الفتاة جميلة منت محمد الامين، البالغة من العمر 14 عاما، تدرك معنى أنها سوف تزف إلى زوج عندما حملتها إحدى قريباتها في سيارة أجرة إلى منزل متواضع في أحد الأحياء الشعبية النائية بضواحي العاصمة الموريتانية نواكشوط، لتسلمها إلى رجل بلغ عقده السبعين. شعرت الفتاة التي تعيش يتيمة مع والدتها وجدتها بصدمة كبيرة، حين وجدت نفسها مع ذلك الرجل، بعد أن أخبرتها خالتها وجدتها أنه سيصبح زوجها. اغتصاب الطفولة ببراءة طفولية، أوضحت جميلة "لم أكن على معرفة سابقة به، ولم أتحدث إليه قبل الزواج، لكنني سمعت من إحدى الجارات قبل تزويجي بيومين، أنه رجل طيب وصاحب تجارب في الحياة. وفي ليلة عقد القران كنت نائمة وعندما استيقظت أخبرتني أختي الصغرى وابنة خالتي بأنني أصبحت زوجة تاجر مواشي. وقبل أن أستوعب معنى أن أكون زوجة، تمّ تسليمي إليه في الليلة الموالية من قبل قريبتي. وعندما بقينا لوحدنا داخل منزل من الخشب منحنى ألف أوقية. وحين همّ بمضاجعتي رفضت بعنف، فأخذ يهددني". بيد أن الفتاة عمدت في اليوم الرابع من الزواج إلى وضع سم الفأر في الشراب لكي تتخلص من زوجها المسن "لكي يموت وأتخلص منه إلى الأبد فأصيب بتسمم واشتكاني لدى الشرطة بحجة محاولة القتل فاحتجزوني لمدة أيام ومن ثم أطلق سراحي". وتختم الفتاة "لا أعرف لماذا أطلق سراحي، أخبروني فقط بأنه يمكنني العودة إلى منزل أهلي فعدت رفقة ناشطات حقوقيات أخبرنني بأنهن يدافعن عني للحصول على حقوقي". حالة الفتاة جميلة ليست سوى واحدة من الحالات العديدة التي تدافع عنها مبادرة منع زواج القاصرات ورابطة النساء معيلات الأسر في المجتمع الموريتاني، حيث تمّ رصد 783 حالة خلال العام الجاري و450 حالة في العام الماضي، لفتيات تتراوح أعمارهن بين 7 إلى 14 سنة، حسب الناشطة الحقوقية آمنة منت المختار، قيادية في مبادرة منع زواج القاصرات ورئيسة منظمة تدافع عن النساء ضحايا العنف المنزلي. تداعيات الزواج القصري وقالت منت المختار "ما يدفعنا لتبني مبادرة منع تزويج القاصرات هو استمرار انتشار هذه الظاهرة في موريتانيا بسبب التمسك بالتقاليد التي تدفع بعض الأسر المحافظة لتزويج بناتها حماية للشرف. في حين تلجأ أسر أخرى لتزويج بناتهن بسبب الفقر. وهذا أشبه بعملية الاتجار بالبشر إذ يتم بيع القاصر لرجل يكبرها بعشرات السنين مقابل مبلغ مادي زهيد كما حصل مع جميلة". وأضافت منت المختار أن" التيارات السلفية والإسلامية تساهم في الترويج لفكرة تزويج البنت القاصر، من دون النظر إلى التداعيات الصحية والعقلية والاجتماعية التي تنجم عن مثل هذه الزيجات التي غالبا ما تنتهي بالطلاق، حيث وصلت نسبته في موريتانيا الى 72% في المائة". واستطردت الناشطة الحقوقية في الحديث عن عدم وجود قوانين واضحة تحدد سن الزواج المبكر في موريتانيا لأنه إذا كان قد حددت سنه بـ18 سنة، فقد "أدرج في مدونة الأحوال الشخصية إنه يسمح لوكيل القاصر بتزويجها في سن 16 في ظروف خاصة دون تفصيل تلك الظروف ولا شرح الآليات والمعايير التي يتم بها. وهذا كله يمهد لانتشار الظاهرة ومن ثم التمهيد لانحراف وفساد أطفال الأم القاصر لأنها ليست قادرة على تحمل مسؤولية الأسرة ولا تربية الأطفال فضلا عن تعرضها للموت بسبب عدم نضجها جسميا ولا عقليا". موقف المحافظين موقف مبادرة الحقوقيين الرافضين لزواج القاصرات أثار جدلا اجتماعيا ودينيا داخل المجتمع الموريتاني حيث اعتبرته التيارات الدينية المحافظة تحريما لما أحل الله وتطاولا على الدين الإسلامي، وقد طالبت جماعة تطبيق الشريعة الإسلامية بموريتانيا التي انطلقت قبل أربعة أشهر في نواكشوط بالحث على تزويج القاصرات لما له من فوائد أخلاقية ودينية واجتماعية. وقال يحظيه ولد داهي الأمين العام للجماعة "نحن مع زواج القاصرات أو الزواج المبكر لفوائده الصحية والاجتماعية والتي تتمثل في معالجته لبعض الأمراض النفسية للأطفال. كما أنه يحصن المرأة من الانحراف ويعودها على زوج واحد حتى لا تفسد عقليتها إضافة إلى الإخصاب وتجنب الأورام الخبيثة وقلة الإجهاض وفوائد الأخرى". كما ولد داهي أنه "لو كانت له أضرار صحية لما ورد في الشريعة الإسلامية ما يبيحه، لأن الأصل في الشريعة أن كل ما يضر يمنع". واختتم بالقول إن الأمم المتحدة تحدد سن الطفولة عند ثمانية عشر عاما. وهذا مخالف لكل القوانين الدولية، لأن سن الزواج في جميع القوانين الدولية أصغر من ذلك. فمثلا فرنسا تحدده بالنسبة للبنات عند سن الخامسة عشرة، وفي الديانة اليهودية عند الثانية عشرة". صراع أديولوجي ويرصد محمد سعيد، إعلامي مهتم بالتحولات الاجتماعية في موريتانيا الدعوات والدعوات المضادة لزواج القاصرات من زاوية الصراع التاريخي والإيديولوجي والثقافي والاجتماعي بين تيارين، محافظ ومجدد. لكنه يؤكد أن حدة ذلك الصراع تبررها المرحة الانتقالية التي يعيشها المجتمع الموريتاني بين ثقافة المدينة وثقافة البداوة. ولاحظ محمد سعيد أن الطبقة المتعلمة التي تعيش في المدن هي التي تتجاوب بقدر كبير مع الدعوات المناهضة لزواج القاصرات. وعادة ما ترفض بناتها، يقول الإعلامي، الزواج مبكرا حرصا منهن على إكمال دراستهن أو ممارسة أنشطة تجارية تعلمهن الاستقلالية والاعتماد على الذات.خدمة DW