صنعاء - العرب اليوم
كانت المرأة اليمنية منذ القدم إيقونة الحضارة وصانعتها وليس بجديد عليها أن تخوض غمار العمل السياسي، فالمرأة اليمنية هي أول من طبقت نظام الديمقراطية من بين كل حكام الأرض وأرست دعائم الشورى سواء قبل الإسلام أو بعده.
وحديثاً استطاعت المرأة اليمنية أن تثبت للعالم أجمع أنها تتصدر المشهد السياسي عن جدارة واقتدار كبيرين وإن النساء ينجحن في كل موقف يتطلب اختبار للقدرات القيادية حتى على مستوى أصغر الإدارات في اليمن.
وليس ببعيد أن تصل المرأة اليمنية إلى أعلى هرم الدولة فهي قادرة على ذلك ما دامت تتقدم بخطى حثيثة نحو الظفر وتعزز من مشاركتها السياسية بتنفيذ المهام المناطة بها على النحو الأمثل.
وفي بلد كاليمن لا تعاني منه المرأة من محددات وضوابط قانونية بقدر ما تعاني من سطوة المجتمع الذكوري الذي لا زال ينظر اليها على أنها ذلك المخلوق العاجز والقاصر ويتخطى ذلك المنظور الى أن يصل في بعض المناطق بوصمها كائن معيب وينبغي التستر عليه، وماهي إلا تابع للرجل الذي يحدد لها كل اختياراتها واحتياجاتها.
ومع كل ذلك، برزن مجموعة من النساء في تلك المجتمعات واستطعن أن يقفزن من على تلك الحواجز الاجتماعية متسلحات بعزيمة فولاذية وبطاقة عطاء لا ينضب وخدمن مجتمعاتهن كلاً في مجالها وتخصصها.
والمرأة محرك أساسي ومهم في كل التغيرات التي تطرأ على المجتمع فإن تغيرت المرأة وتغيرت عقليتها فحينها يتغير جيل بأكمله.
في السطور التالية نستعرض نموذجاً لتلك النساء ونتعمق في تجاربهن في الجانب السياسي والتي كشف عنها مشروع تحديد وإبراز القيادات النسائية اليمنية الذي ينفذه منتدى القرن الواحد والعشرين بدعم من السفارة الهولندية لنساء يعشن بعيداً عن مركز صناعة الحدث في العاصمة صنعاء.
أشجان شريح : نافذة حية في التوعية السياسية وخير حامل لمخرجات الحوار الوطني في عدن.
من مدينة عدن التي تشهد وضعاً سياسياً متوتراً في الآونة الأخيرة تبرز لنا أشجان شريح التي تناضل في المدينة بهدف تحقيق المصالحة الوطنية وتقريب وجهات النظر السياسية في المدينة التي تشهد تنوع وتنافر في مرجعيات أبناءها السياسية نتيجة للحراك السياسي والشعبي منذ انطلاق ثورات مايسمى بالربيع العربي 2011.
تعتبر شريح ذات الأربعة عقود عملها في تقريب وجهات النظر السياسية بين النساء واجب يفرضه عليها الوضع الذي تمر به المدينة، وتمارس نشاطها السياسي غير مبالية بالانتقادات التي تطالها ورامية بالاتهامات التي توجه ضدها بالعمل لصالح طرف معين وراء ظهرها.
لا تبحث شريح من عملها هذا مالاً أو صيت بقدر ما تطمح لإعادة دور المرأة السياسي في المجتمع كما كانت عليه في السابق في مدينة عدن، والتي تعد من أكثر المحافظات تقبلاً لدور المرأة في العمل السياسي ولكن ذلك الدور تراجع بسبب الأوضاع التي تمر بها المدينة وظهور جماعات إسلامية متطرفة كنتاج سلبي لاحداث 2011 والتي فرضت نوع من القيود على عمل المرأة وتوسع نشاطها ، ومع ذلك شريح لم تتوقف عند ذلك، وليست النشاطات والفعاليات التي تقيمها شريح في المدينة إلا واحدة من تلك الطرق التي تبتغي من وراءها تعريف المرأة بدورها السياسي.
لم يكن تاريخ شريح في السياسية كبيراً وإنما كان الأكثر نشاطاً، بدأت شريح تحث خطاها في العمل السياسي منذ العام 2011، حيث كانت من القياديات التي خرجن لإسقاط النظام السابق ودخلت ضمن العديد من التحالفات والحركات السياسية غير الرسمية التي برزت في تلك الفترة ولعل أبرزها حركة شباب عدن التي كانت الأكثر شهرة في المدينة.
واصلت شريح خطاها في العمل السياسي بالتحاقها بمؤتمر الحوار الوطني عن الحراك الجنوبي ومازالت حتى اللحظة تعمل على التوعية بمخرجاته في المدينة والتي تعتبرها أشجان أمانة حملتها من مؤتمر الحوار الوطني.
ليست الأوضاع المتوترة في المدينة هي العائق الوحيد التي وقف أمام شريح ولكن هناك أيضاً المفهوم الخاطئ عند بعض النساء عن مؤتمر الحوار وهو العائق الذي كان الأكبر أمام شريح، التي تعتبر الضغط على تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني من أولوياتها في الفترة القادمة.
وعن دور المرأة في العمل السياسي تقول شريح: " المرأة ليست بمعزل عن الوضع السياسي وجميع الأفراد نساء ورجال يجب أن يحمل هم الوطن ويتوجب عليهم أن يقفوا جميعاً من أجل إنقاذ البلد."
سمية الحسام: تواجه قيود المجتمع في عمل المرأة السياسي وسخرت مجالها في المحاماة للدفاع عن حقوق المرأة السياسية في محافظة حجه.
من محافظة حجة ومن مديرية المحابشة على وجه التحديد والتي تعتبر فيها النساء بعيدات عن العمل السياسي وليس لديهن الإطلاع الكافي بالأوضاع السياسية تفاجئنا سمية الحسام التي تعمل جاهدةً لخلق جو سياسي في أوساط المرأة في المحافظة بجهودها الفردية من أجل تغيير النظرة الدونية للمرأة السياسية في المحافظة.
ففي محافظة حجة يختلف رجال السياسية في توجهاتهم ولا يوجد بينهم أي همزة وصل سوى إنهم يتفقون جميعهم على عدم تقبل المرأة في العمل السياسي وهو الأمر الذي عانت منه سمية الحسام ذات الثاني والثلاثون عاماً عند دخولها في غمار العمل السياسي.
وتعتبر محافظة حجة من أكثر المحافظات التي تهمش عمل المرأة في الجانب السياسي ولا يتم الاعتراف بالمرأة إلا كصوت انتخابي، أو مجرد رقم إضافي في كشوف السجل الانتخابي في المحافظة، ويحسب لها انها تمتعت بحقوقها السياسية لدى مراكز اتخاذ القرار في العاصمة، وهو الأمر الذي تعتبره الحسام مجحف في حق المرأة في المحافظة.
كغيرها الكثير وقفت أمام الحسام النظرة المجتمعية القاصرة للمرأة في العمل السياسي حجر عثرة ومنعتها من الانخراط في السياسة عام 2006 والذي بدأته كباحثة ثم درست شريعة وقانون في جامعة صنعاء حتى أصبحت المحامية والسياسية الأولى في مديرية المحابشة.
لم تكتفي الحسام بتخرجها من الجامعة وممارستها لمهنة المحاماة ولكنها أيضاً تعمل جاهدةً من أجل ضم أكبر عدد ممكن من النساء إلى السياسة وتمكنت مؤخراً من إقناع الكثير في أهمية العمل السياسي.
ولعل آخر بصمة للحسام في العمل السياسي هو مشاركها في مؤتمر الحوار الوطني عن مكون الشباب في الحكم الرشيد وتعمل حالياً على التوعية في مخرجات الحوار الوطني في المحافظة.
وتعتبر الحسام مشاركة المرأة في صنع القرار ضرورة لا بد منها والتي تحاول قدر الإمكان على إقناع مجتمع النساء في المشاركة في العمل السياسي.
إنتصار الهدالي : امرأة حديدية من الضالع تقود ثورة ناعمة ضد سطوة الرجل وتخرج المرأة الضالعية إلى معترك العمل السياسي.
في محافظة الضالع مديرية جحاف حيث يعتبر الوضع السياسي استثنائيا بحكم المواقف المختلفة من الحكومة اليمنية ازاء المكونات السياسية، تناضل رئيسة مؤسسة صناع الغد المؤيدة للحراك الجنوبي إنتصار الهدالي (43) عاماً من أجل توعية المرأة بدورها السياسي في ظل الأحداث التي تشهدها البلاد حتى تخرج المحافظة من الوضع السياسي المتوتر.
وعلى الرغم من تجنب الكثير من الرجال في المحافظة العمل السياسي تخوفاً من وقوعهم في خلافات مع بعض الأطراف إلا أن وطنية الهدالي لم تسمح لها الوقوف والتأمل بسلبية لما يحدث في المحافظة بل أصرت على القيام بتوعية المجتمع على أهمية الاصطفاف يداً واحدة مستهدفةً مجتمع النساء إيماناً منها بأن النساء هن اللاتي لهن القدرة على التأثير في الأب والزوج والولد.
وما تزال محافظة الضالع تتمتع بطابعها القروي الذي لم تدخله مظاهر المدنية بالشكل الكافي والذي يضمن للمرأة أن تشارك في العمل السياسي، وما تزال فكرة التبعية للذكر هي المسيطرة على النساء وقرارالرجل هو الذي يسيطر على الأسرة فالنساء مجرد تابعات ومن الصعب أن تعبر المرأة عن وجهة نظرها مهما كانت مقتنعة بجدواها، وهذا ما تعتبره الهدالي العائق الرئيسي أمامها في توعية النساء.
وتقول الهدالي بأن المرأة في الضالع ليس لها الحق في أن تعبر عن رأيها في الجانب السياسي ويعتبر المجتمع دخول المرأة في العمل السياسي نوع من العار الذي ينبذه المجتمع، كما أنه ليس من حق المرأة أن تخالف وجهة نظر الزوج أو الأب أو الأخ.
ولا يقتصر عمل الهدالي على الندوات والفعاليات فقط ولكنها أيضاً توعي النساء بأهمية التعبير عن رأيها في المجالس والمناسبات وتحاول إقناع النساء بأن العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة احترام متبادل وليست علاقة تبعية للجانب الذكوري كما هو سائد، بل على العكس يمكن أن تكون المرأة هي المؤثرة في الرجل كما تقول الهدالي.
وعلى الرغم من أن الكثير من أبناء الضالع متبنين فكرة فك الارتباط عن الشمال إلا أن الهدالي تصر على مفهوم حق المرأة في التعبير في هذا الجانب والذي تعتبره نوع من حقوقها مهما كان موقفها.
وتعتبر الهدالي من أوائل النساء اللاتي التحقن بالعمل السياسي في مطلع ثمانينات القرن الماضي كباحثة وناشطة في المجتمع المدني وما تزال حتى اليوم لم تفارق المشهد السياسي الذي تقول بأنه "يجري في عروقها".
أنيسة الحبيشي : تنخرط في العمل السياسي رغم معارضة أهلها لها وتطمح لترشح في إنتخابات المجلس المحلي
ومن عاصمة اللواء الأخضر محافظة إب مديرية الظهار حيث جمال الطبيعة الساحر تبرز القيادية السياسية أنيسة الحبيشي (35) عاماً وسط مجتمع يعتبر المنزل المكان الوحيد الذي يمكن أن تعيش فيه المرأة ويعتبرون الأعمال المنزلية هي الأنشطة التي يمكن للمرأة ان تسخر طاقتها من اجلها وماعدا ذلك يدخل في نطاق المحضور اجتماعياً.
دخلت الحبيشي في عالم السياسة منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي وأقنعت الكثير من النساء المشاركة في الانتخابات سواءً المحلية أو النيابية أو الرئاسية إيماناً منها بدور المرأة في العمل السياسي.
وتعمل الحبيشي وكيلةً لمدرسة في مديرية الظهار ولا تتراجع من أن توعي في أهمية المشاركة السياسية جميع النساء اللاتي يعتبرن السياسة حكراً على الرجال وتقول الحبيشي : "إذا كانت المرأة غير قادرة على أخذ حقوقها في الجانب السياسي فمن الذي سيأخذ لها بحقها"، مشيرةً إلى أنه من أهدافها في الحياة أن تدخل اكبر قدر من النساء في العمل السياسي.
وتتمنى الحبيشي أن تترشح في يوم من الأيام في الانتخابات المحلية لكن الأخوة والزوج هم العائق الوحيد أمامها على حد قولها.
شيناز الأكحلي : المجتمع اليمني ينظر للمرأة السياسية بنصف عين، فهو يرى مشاركها ضرورية ولكنه لا يتقبلها قيادية
ومن محافظة تعز والتي تعتبر منبع الثقافة والمحافظة التي لا تعترض كثيراً على عمل المرأة في الجانب السياسي بل ويتقبلها أكثر من غيره من المجتمعات نأخذ نموذجاً لتلك الثلة من النساء وهي شيناز الأكحلي رئيسة ائتلاف أمان الذي يعتبر دعم المرأة سياسياً في تعز والتي انخرطت في العمل الحزبي من أجل الظهور سياسياً.
حاولت الأكحلي أن تصبح قيادية في العمل السياسي، وهي كذلك بالفعل، فهي من القياديات السياسية في محافظة تعز ولكنها أيضاً غير راضيةً بنظرة المجتمع الساخطة للمرأة السياسية بصورة عامة كما أنها أيضاً مستاءة من نظرة الأحزاب أنفسهم للمرأة التي تؤكد بأنهم يستوعبوها فقط في التنظير السياسي ولا يمكن أن يجعلوها في قيادة الحزب.
وغالباً ما نلاحظ أن في المجتمعات المدنية يكون هناك المؤيد والمعارض لدور المرأة السياسي وفي هذا السياق تقول الأكحلي: "المجتمع ينظر للمرأة بنصف عين فهو يراها النصف الآخر والمكمل للعملية السياسية ومن جانب آخر فهو يعتبر أنها تمثل نفسها ولا يمكن أن تصبح قيادية."
ومما ساعد الأكحلي على الإنخراط في العمل السياسي هو أنها من أسرة سياسية بامتياز فهي كما تقول سياسةً منذ مولدها، ولا تكتفي الأكحلي بمشاركتها في العمل السياسي ولكنها تصبو لأن تصبح من صناع القرار في البلاد كما تعمل جاهدةً لإدخال أكبر عدد ممكن من النساء في العمل السياسي.
وعانت الأكحلي كغيرها كثيراً من العمل في الجانب السياسي فنظرة المجتمع مهما كانت إيجابية إلا أنه من الضروري ان يوجد هناك من لا يتقبل المرأة في السياسة، وتعتبر الأكحلي واحدة من ضمن العشرات اللاتي تعرضن للقذف والسب والخوض في الأعراض من قبل من وصفتهم بـ امراض النفوس حتى ينالوا منها ومن عملها السياسي.
وتقول الأكحلي: "معظم من يدخلن السياسة يتعرضن للقذف وتستخدم أعراضهن لإثنائهن عن مواصلة مشوارهن السياسي ولكني لن أتراجع قيد أنملة بل على العكس سأمضي إلى الأمام في عملي السياسي."