يتم عادةً الخلط بين مصطلحي “الواقع الافتراضي” و”الواقع المعزز“، لكن الحقيقة أنه يوجد العديد من الاختلافات الفارقة بين التقنيتين، على الرغم من تشاركهما في العديد من الخصائص والمميزات.

وتقوم تقنية الواقع الافتراضي بإدخال المستخدم أو “غمره” داخل عالم افتراضي آخر عبر أداة تُلبس على الرأس أو نظارة معينة، وتقوم بعزله عن العالم الخارجي، بينما على الجانب الآخر تقوم تقنية الواقع المُعزّز بإضافة عناصر ومعلومات افتراضية إلى العالم الحقيقي، وتعزيز الواقع عبر نظارة مخصّصة.

وتقوم تقنية الواقع الافتراضي بفتح عوالم افتراضية لا نهائية، وتقدم تجربة لا مكانية للمستخدم، وتتوفر هذه التقنية بشكلين مختلفين، أحدهما هو تقديمها في شكل نظارات قائمة بذاتها ولا تحتاج مثلاً لهاتف لكي تعمل، مثل Oculus Rift، والشكل الآخر -وهو الأكثر توافراً في الوقت الحالي- هو عبر اعتمادها على هاتف ذكي، مثل جوجل كاردبورد، إلا أنه لا يزال من الصعب مثلاً على المستخدمين استخدامها علناً في الشوارع، بسبب عدم كونها شيئاً مألوفاً لدى أغلبية الناس.

وعلى الناحية الأخرى، تتطلب تقنية الواقع المعزز من المستخدم أن يكون قادراً على التحرك بحرية في العالم الواقعي، وهذا ما دفع مايكروسوفت إلى إنتاج نظارة HoloLens القائمة بذاتها، والتي تضم بطارية بداخلها لتستمر في التشغيل، و هوا ما دفع أيضاً العديد من الشركات الأخرى لإطلاق منتجات أخرى مشابهة تعمل دون الحاجة لإضافات أخرى.

ويعد اللعب والمجالات المختلفة في الترفيه الاستخدام الطبيعي والرئيسي -في الوقت الراهن- لتقنيتي الواقع الافتراضي والواقع المعزز، بينما يوجد تطلعات لاستخدامها في مجالات أكثر احترافية، مثل: العناية الصحية، والعمارة، والتعليم، وتصميم المنتجات، والتصنيع، والبيع بالتجزئة، والنقل، والخدمات اللوجستية، والاستكشاف، والمجال العسكري.

ويتزايد حالياً الاهتمام حول هاتين التقنيتين وما تقدمهما من إمكانيات، لكن لا يمكن لأحد إنكار أنه ما زال أمامهما الكثير من الوقت لكي يدخلا حياة المستخدمين اليومية بشكل طبيعي، ولكن سرعة تطورهما تزداد بلا شك، وهو ما توضحه إحصائيات معهد جارتنر لـ “دورة الدعاية والضجة حول التقنيات الناشئة”:

ووفقاً لجارتنر فإن كلاً من الواقع الافتراضي والواقع المعزز قد تجاوزتا قمة الضجة والتوقعات المتضخمة “Peak of inflated expectations”، ويشير الرسم السابق إلى أن تقنية الواقع الافتراضي تقترب من صعود “منحنى التنوير” Slope of enlightenment أو القبول العام، ومن ثم التوجه نحو “قمة الإنتاجية” Plateau of productivity، حيث أن المنحنى السابق يعبر عن الطريق الذي تسلكه كل -أو معظم- التقنيات الناشئة منذ إطلاق الفكرة، حتى وصولها إلى التواجد في أيدي المستخدمين بشكل فعلي.

ويشير الرسم السابق أن تقنية الواقع المعزز في طريقها إلى ما يسمى بمرحلة “قاع خيبة الأمل” Trough of disillusionment، والتي توشك تقنية الواقع الافتراضي على تجاوزها، مما يعني أن التقنيتين من المتوقع أن يصلا إلى قمة النضج في خلال فترة 5-10 سنوات.

وبالنظر إلى إحصائيات “مؤشرات جوجل” Google Trends، والذي يمكن أن نستدل منه على مستوى الاهتمام بأي مصطلحٍ ما على مدار الوقت، نجد أن تقنية الواقع الافتراضي كانت هي السائدة والمهيمنة حتى عام 2009، إلى أن قامت تقنية الواقع المعزز بالإطاحة بها لبعض الوقت، وذلك قبل أن تصعد تقنية الواقع الافتراضي مرةً أخرى.

مستوى الاهتمام بتقنيتي الواقع الافتراضي والواقع المعزز على مدار العشر سنوات الأخيرة

التقنية:

يعتمد الواقع الافتراضي على إيهام العقل بأن بيئة حاسوبية ثلاثية الأبعاد تم تقديمها إلى المستخدم عبر نظارة مخصصة ،بيئة حقيقية ، ويُسمّى هذا المفهوم Presence، لكن يوجد له بعض السلبيات، حيث أن أي شيء لا يبدو طبيعياً أو حقيقياً بالنسبة لنظام الشخص البصري، قد يُنتج تجربة متدنية المستوى، أو قد يسبب بعض المشاكل الصحية مثل الدوار، أو الارتباك، أو الغثيان، أو الصداع، لكن هذه المشاكل توجد بشكل أقل في الواقع المعزز لأن المستخدم يظل قادراً على مشاهدة الواقع الحقيقي.

ووفقاً لكبير العلماء في مشروع نظارة Oculus Rift مايكل أبراش أن مفهوم الـ Presence يتطلب مجموعة من المتطلبات التقنية مثل: مجال رؤية ≥ 80 درجة، ودقة ≥ 1080 بيكسل، وثبات بيكسل ≥ 3 مللي ثانية، ومعدل تحديث 60-95 هرتز، وشاشة متطورة تتيح إنارة جميع البيكسلات في وقتٍ واحد، ووجود عدسة أو عدستين على الأكثر أمام كل عين، وبعض العوامل الأخرى التي تؤدي إلى إدخال المستخدم إلى عالم افتراضي ناجح.

أسواق الواقع الافتراضي والمعزز:
يشير اتجاه صناعة كلاً من الواقع الافتراضي والواقع المعزز إلى توسعهما خارج دائرة الترفيه واللعب، بل ودخولها مجالات الصناعة والإنتاج المختلفة، وخصوصاً عمال المصانع، حيث تشير بعض التقارير الصحفية أن استخدام تقنية الواقع المعزز خصوصاً يعد مفيداً في مجالات مثل: العمليات التجارية، والخدمات اللوجستية، والتجزئة، حيث تزداد الحاجة للحصول على المعلومات بشكل سريع.

ومن السابق يُستنتج أن هذه الأشكال من التطبيقات في تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز في صعود مستمر، وخصوصاً تقنية الواقع المعزز، حيث يرى بعض المختصّين أن الواقع الافتراضي يُخرج المستخدم تماماً من العالم الحقيقي، وهو ما لا يعد تطبيقاً جيداً بالنسبة لمجالات العمل، بينما يشير بعض المهتمين أيضاً أن المشكلة في الواقع المعزز هو افتقاره إلى وجود عتاد يتبنى التقنيات المتقدمة في البرمجيات الخاصة به.

ويرى مركز Beecham للأبحاث أن قيمة سوق الواقع المعزز في الاستخدامات الصناعية -بتجاهل الاستخدمات الاستهلاكية- ستبلغ 800 مليون دولار بحلول عام 2020، بينما تتجاوز بعض التوقعات هذه الأرقام لدرجة تحدثها عن وصول قيمة مجال الواقع المعزز بشكل كلي إلى 2.4 مليار دولار في عام 2019.

وتشير Digi-Capital أن مجموع القيمة الكلية لأسواق تقنيتي الواقع الافتراضي والواقع المعزز ستصل إلى 120 مليار دولار في عام 2020، حيث تشير إحصائيات Digi-Capital إلى أن إيرادات الواقع المعزز ستبلغ 90 مليار دولار، بينما ستصل إيرادات الواقع الافتراضي إلى 30 مليار دولار.

وتعد الإحصائية الأخيرة بعيدة كل البعد عن الأرقام التي يتحدث عنها مركز Beecham، لكن كلاً منهما يتفقان على شيءٍ واحد، وهو أن الواقع المعزز يعد سوقاً محتملاً أكبر بكثير من الواقع الافتراضي.

نظرة مستقبلية:
ويرى بعض الخبراء أن الفجوة بين الواقع الافتراضي والواقع المعزز ستقل تدريجياً، حيث أن بعض أجهزة الواقع الافتراضي، ستقوم بإدخال جزء من العالم الحقيقي إليها، وذلك لمتطلبات الأمان، بينما ستتجه تقنية الواقع المعزز لتقديم تجربة غامرة، وذلك بسبب صغر حجم وسرعة النظارات المخَصّصة وتقليل استهلاكها للطاقة.

وربما يتمكن المستخدمون في المستقبل من ارتداء نظارات قوية وسريعة، وتستطيع الصمود لفترة أطول دون شحن، وربما أيضاً  ليس فقط بإمكانيات النظارات الحالية، بل وربما بإمكانيات الهواتف الذكية، ولكن ليس قبل 5-10 أعوام، ولكن قبل هذه اللحظة سنرى مدمي الألعاب يستغرقون أوقاتاً أطول في نظارات الواقع الافتراضي، وربما أيضاً صناع الواقع المعزز يقدمون نظارات وخوذات تساعد المستخدمين على إتمام أعمالهم بشكلٍ أسرع وأكثر كفاءةً.

ويوجد نقطة أخرى مهمة، هي أنه توجد بعض الأخبار التي تتحدث عن أن آبل بصدد دخول مجال تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز، التي استحوذت العام الماضي على شركة متخصصة في تقنيات الواقع المعزز، والتي تُدعى Metaio، ومقرها ألمانيا.

ويُذكر أن أحد المحللين قام بسؤال تيم كوك ضمن إعلان آبل عن نتائجها للربع المالي الأول من عام 2016 الأسبوع الماضي، عن رأيه في تقنيات الواقع الافتراضي، وما إذا كانت تستطيع أن تصبح تقنية سائدة، فعقب قائلاً بأنها رائعة حقاً ولها العديد من التطبيقات الشيّقة، لذا في حال دخول آبل السباق في هذا المضمار، يرى بعض المهتمين أن هذا قد يقلب السوق رأساً على عقب بسبب إمكانيات وموارد آبل المادية والتقنية.