أبوظبي ـ وكالات
نصحني الكثير من الأصدقاء عدم كتابة هذا المقال لأن ملفي النقدي زاد عن حده حسب تعبيرهم، إلا أنني أؤكد لهم وللجميع أنني أكتب من منطلق النقد البنّاء وحرصي الشديد على إيصال رأيي فيما أراه مناسباً ضمن اختصاصي ورؤيتي. ففي شهر كانون الثاني/يناير من العام الماضي 2012 ضجت وسائل الإعلام العربية بخبر شغل الساحة التقنية لفترة ليس بالقصيرة، واشرأبت له أعناقنا وتحدقت له أبصارنا – نحن معشر الإعلاميين العاملين في المجال التقني – وأصبحنا على موعد مع مشروع عربي واعد حمل اسم “سيتي هاي“. وكان من المفترض أن يجسد المشروع مدينة افتراضية ثلاثية الأبعاد وتستوعب 12 مليون مستخدم من 62 مدينة كبرى، يتكلمون 25 لغة مختلفة، بما يُتيح للناس والمؤسسات والإدارات الحكومية والمستثمرين، التفاعل في بيئة تجارية غير مسبوقة تُمكنهم من القيام بالأعمال التجارية والتسوق والإستثمار والتعلم والأنشطة الإجتماعية. وقالت شركة “ترست 300″ صاحبة الفكرة والمشروع وقتها إنه وعلى الرغم من أن “سيتي هاي” هى مدينة تجارية إفتراضية، إلا أنها مخططة بمعاير عالمية وتتمتع ببُنية تحتية قوية. وفي نهاية عام 2012، وتحديداً في 13 ديسمبر، تم الإعلان عن تدشين المرحلة الأولى من هذا المشروع الضخم في العاصمة الإماراتية أبوظبي. وأكد البيان الصحفي الصادر عن الشركة نجاح مرحلة اختبار المشروع الذي من المفترض أن يوفر حوالي مليوني فرصة عمل. لكن الصدمة الكبيرة كانت عند اللحظة الأولى التي دخلت فيها إلى الموقع، فتصميم المشروع يعود إلى التسعينات، ناهيك عن المشاكل التقنية المتعددة التي عايشتها حتى تمكنت أخيراً من تسجيل حساب لي في مدينة “ستي هاي”. ما زاد الأمر مراراة أنني حملت البرنامج على الجهاز ومن ثم طلب مني بشكل غير احترافي مطلقاً أن أقوم بتحميل النسخة الجديدة وهي عملية لم أشهدها طوال فترة عملي في هذا المجال. بعد ذلك فشلت مرارا وتكرارا في الولوج إلى المدينة الافتراضية المزعومة. لاشك مطلقاً بأن فكرة المشروع مبتكرة جداً حيث أنها محاكاة مطورة لمشروع عالمي قائم يسمى “الحياة الثانية” SecondLife، ولكن شتان بين الثرى والثريا، ويمكن لأي مستخدم عادي أن يحكم بنفسه. وفي الحقيقة استغرب جداً واتساءل دائماً عن العائق الذي يمنعنا نحن العرب من تنفيذ مشاريع إلكترونية بمعايير عالمية ونسطر أمجاداً في هذا المجال، لاسيما في ظل توفر رؤوس الأموال، والبنى التحتية المتطورة في بعض البلدان مثل الإمارات، والإدارات المدربة والمثقفة والمطلعة. لا أخفيكم خيبة أملي الكبيرة، إلا أنني متفاءل أن يصل صوتي إلى أصحاب القرار حتى ينظروا في معايير المشاريع الإلكترونية التي تحمل اسم “دولة الإمارات”، لأنها وبكل صراحة تشوه الاسم الذهبي للإمارات. لقد تفوقت الإمارات في المجال العمراني بفضل المعايير، وأرى أنه من النافع جداً أن تكون هنالك جهة مختصة واحترافية تشرف على وضع معايير عالمية للمشاريع الإلكترونية التجارية التي تحمل اسم البلد. أتمنى أيضاً أن ينظر القائمين على هذا المشروع من زاوية إيجابية لهذه الانتقادات، فبرأيي لا حجة على الإطلاق لقصة فشل مدوية في ظل توفر كافة الإمكانات لتحقيق ما نطمح إليه. أدعو كافة زوار البوابة العربية للأخبار التقنية لتجربة الموقع بنفسهم والإدلاء بآرائهم المهنية، وأن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام.