واشنطن ـ وكالات
تتمحور المجرات الكبرى حول ما يعرف بالثقوب السوداء "فائقة الكتلة". وتعتبر هذه الوحوش الكونية عملاقة، إذ يزن أكبر الثقوب السوداء المعروفة، والواقع في مجرة "أو جيه 287"، ما يعادل وزن 18 مليار شمس. وقد اكتشف علماء الفلك، من خلال دراستهم للنجوم سريعة الحركة في مركز مجرتنا، أنه حتى مجرة درب التبانة التي تبدو مسالمة تضم ثقبا أسود هائلا يدعى "ساغيتاريوس أ". وتفيد مجلة "فوكس" العلمية المتخصصة، في تقرير نشرته أخيرا، إن دراسة هذا الثقب بالتفصيل ستحتاج إلى سلسلة التلسكوبات اللاسلكية المعروفة باسم "إيفنت هورايزن تلسكوب"، والتي سوف تمتد في نهاية المطاف من هاواي وكاليفورنيا وأريزونا والمكسيك وتشيلي إلى فرنسا وإسبانيا والقارة القطبية الجنوبية. ويكمن التحدي الأكبر في حجم الثقب الأسود، أو بالأحرى انعدام حجمه. ويقول شيب دويلمان، من مرصد "هايستاك" التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "إنك، لمجرد التفكير في تصوير ثقب أسود، تحتاج إلى ابتكار وسيلة للحصول على دقة زاوية استثنائية، وذلك لأن الثقوب السوداء مضغوطة للغاية." والحل هو توصيل شبكة من التلسكوبات اللاسلكية، باستخدام تقنية تعرف بمقياس التداخل، عبر مسافات طويلة لتكوين صحن استقبال هائل. غير أن تصوير ذلك الثقب الأسود المركزي فائق الكتلة سيتطلب تقنية خاصة. ويقول دويلمان: "يمكن لتقنية (مقياس التداخل ذي الخط القاعدي الطويل جدا) أن تصل إلى ذلك المستوى من الدقة. ونحن نعرف أنه يمكننا استخدام هذه التقنية لرصد ثقب أسود ما بالقرب من أفق الحدث، حيث تتجلى التأثيرات الفريدة التي تحدثها الجاذبية القوية." ميزة مزدوجة وتقدم الموجات اللاسلكية ميزة مزدوجة ،عندما يتعلق الأمر بالعثور على الثقوب السوداء. إذ أنها تخترق الغبار الذي يحجب الضوء المنبعث من المناطق المركزية المزدحمة بالمجرات. وعلى عكس الضوء، فإنه يمكن جمع الإشعاعات التي تستقبلها تلسكوبات لاسلكية تفصلها قارات. ويقول الدكتور توم مكسلو، من مركز "جودريل بانك" للفيزياء الفلكية: "لأن الموجات اللاسلكية هي أطول بكثير من موجات الضوء المرئي، فإن إنتاج صور تضاهي في دقتها صور التلسكوب الفضائي (هابل)، الذي يبلغ عرض مرآته 2,5 مترين، يتطلب صفائف يفصل بين كل منها أكثر من 200 كيلومتر. وبالمقارنة، فإن عرض فتحة التلسكوب (إيفنت هورايزن) سيقرب من 11000 كيلومتر، وهو ما سيجعلها أكثر دقة من التلسكوب (هابل) بألفي ضعف." وباستخدام أقصر الأطوال الموجية، حوالي ميليمتر واحد، يكشف التلسكوب "إيفنت هورايزون" عن أدق التفاصيل، مما يجعله أول تلسكوب يملك القدرة على رصد ثقب أسود. ولكن الأمر لا يتعلق بربط التلسكوبات فحسب، إذ يقول دويلمان: "إن أكبر إنجاز حتى الآن هو قدرتنا على تسخير الاتجاهات الصناعية سريعة التطور التي تسمح لنا بمعالجة سيول من البيانات." وفي حين أن معظم التلسكوبات اللاسلكية تلتقط طولا موجيا معينا، فإن هذا يبدد معظم الإشعاعات الصادرة من الفضاء. ولكن تلسكوبات "إيفنت هورايزن تلسكوب" تستخدم تقنية حديثة تلتقط مجموعة أوسع من الأطوال الموجية، نطاقا تردديا أوسع. ويوضح دويلمان قائلا: "باستخدام دارات متكاملة حديثة، وسعنا النطاق الترددي بما يتراوح بين 8 و16 ضعفا مقارنة بما كان يستخدم قبل خمس سنوات فقط." نمو سريع وينمو مشروع "إيفنت هورايزون تلسكوب" بسرعة، إذ يوشك البريطانيون على المساهمة فيه من خلال "صفيف مرصد أتاكاما المليمتري الكبير"، أو ما يعرف اختصارا ب"ألما"، الذي يضم 66 صحن استقبال، ويجري بناؤه حاليا كجهد دولي في تشيلي. ويقول مكسلو متحمسا: "يجري تطوير خطط من شأنها أن تسمح لعلماء الفلك بجمع هوائيات (ألما) البالغ طول كل منها 12 مترا، والمثبتة على هضبة (تشاجنانتور) بتشيلي على ارتفاع 5100 متر، لتصبح صحن استقبال واحد يبلغ عرضه 84 مترا. وذلك من شأنه أن يوفر التلسكوب الأكثر حساسية على مستوى العالم." وحول الموعد المتوقع لشروع فريق "إيفنت هورايزون تلسكوب" في مراقبة "ساغيتاريوس أ"، يقول دويلمان إنه سيكون في الفترة ما بين عامي 2015 و2016. ويضيف: "يعد هذا مهما بشكل خاص الآن لأن سحابة من الغاز والغبار تعادل كتلتها ثلاثة أمثال كتلة الأرض سوف تصطدم ب(ساغيتاريوس أ) بدءا من العام الجاري. وينبغي لهذه السحابة، التي تدعى (جي 2)، أن تسفر عما يشبه ألعابا نارية مذهلة في مركز المجرة، وهو ما من شأن صفيف (إيفنت هورايزن تلسكوب) أن يتمكن من رصده. ويمثل هذا فرصة استثنائية لمشاهدة ثقب أسود يهضم وجبة دسمة." خطوة حقيقية أثار مشروع "إيفنت هورايزون تلسكوب" حماس علماء آخرين. إذ يقول عالم الفلك البريطاني مارتن ريس، الرائد في بحوث الثقوب السوداء: "يمثل المشروع خطوة حقيقية إلى الأمام لحل مشكلة حجم الثقب الأسود." وهو يتطلع إلى دراسة حقول الجاذبية القصوى بشكل أفضل. ويمكن لهذه الحقول أن تتضمن، يوما ما، المجرة "إم 31"، أو "أندروميدا"، التي تضم ثقبا أسودا يتفوق في كتلته على الشمس بما يزيد على 100 مليون ضعف. ويأمل العلماء ألا يمر وقت طويل قبل أن يتمكنوا من الغوص إلى قلب هذه الكيانات الأكثر غموضا على الإطلاق.