القاهرة ـ العرب اليوم
يحدث كثيراً أن يطفو شيء ما على السطح وكأنه خلق من العدم، ليغير قواعد أي لعبة، هذا ما حصل مع لعبة فلابي بيرد التي لم يصنعها استديو متطور في أمريكا تملكه شركة لديها عشرات المصممين والمبرمجين والمطورين، لعبة في غاية البساطة برمجها شاب مغمور من فيتنام لتصبح تربح 50 ألف دولار في اليوم.
البساطة
كل من سألتهم عن سر تعلقهم في لعبة فلابي بيرد كانت البساطة أول إجابة قدموها لي، وكأنهم يعيدون قصة سفن آب التي تفتخر بأنها المشروب الغازي الخالي من الكولا ! هذا ما فعلت فلابي بيرد في زمن الألعاب المعقدة المكلفة لتقول أنا هنا بكل بساطة وبنقرة واحدة تبدأ اللعب.
فلابي بيرد مصممة لتبدأ بها بسرعة و تتوقف في أي مكان لا مشكلة، وانت في الباص، على اشارة المرور، بإنتظار دخول الأستاذ للمحاضرة، قبيل النوم، أية دقائق قليلة من الإنتظار لن يغنيها لعبة اخرى سوى فلابي بيرد.
اللعبة من البساطة إلى حد غير معقول، لاتوجد شخصيات، وليس هناك خيارات في اللعبة، ولا قصة ولا حبكة ولا أحداث ولا حتى عدة طرق للقتال أو التفكير في الحل. فقط ضغطة واحدة وابدأ بتفادي الحواجز.
وتغلب Dong Nguyen على نفسه لما أدخل عنصرين ليخربا البساطة، في كل مرة تلعبها يتغير شكل العصفور، وهناك وضعية النهار والليل وكل ذلك يتغير عشوائياً، ربما هذا هو الحد الفاصل بين البساطة والملل من شدة البساطة.
عودة إلى ماريو
لاشك أن التصميم العام مستوحى من لعبة ماريو، ومن لم يلعب ماريو وينقذ الأميرة فإن طفولته ناقصة ! .. نعم نحن جيل منتصف الثمانينات كانت لعبة ماريو شيء أساسي من يومنا. وهذه اللعبة وسط كل هذا التطور في الرسوميات اليوم أصرت أن تعيدنا إلى رسوميات 8 بت وبمنظور ثنائي الأبعاد.
حتى أن الأعمدة و درجة اللون المستخدمة نفسها في ماريو، هناك كانت الأعمدة صديق اللاعب لتهرب به إلى مرحلة جديدة و هنا أصبحت عدوك الذي يجب أن لا تقترب منه بينما كنت تأمنه وتقفز في بطنه.
هذه المفارقة – و إن بدت لم يقصدها – جعلت هذا الجيل من اللاعبين كل مرة يلعبها يتذكر أيامه الجميلة، ولربما أصبح يلعبها فقط ليعيد تلك الأيام لذكراه.
وشخصية الطائر أيضاً مصممة بشكل مشابه جداً لتصميم تلك الكائنات البنية في ماريو مع أن مطور اللعبة قال انه استوحاها من شخصية في لعبة اخرى صممها، أيضاً هنا مفارقة اخرى فتلك كانت عدو ماريو وتجعله يصغر ومن ثم يموت والآن أصبحت هذه هي الشخصية الوحيدة والرئيسية في اللعبة.
مسيرة اللعبة
تتبع موقع Mashable قصة تطور اللعبة و في ابريل 2013 نشر المطور الفيتنامي لعبة لنظام iOS تدعى Flap Flap وكانت تتطلب الحصول على دعوة للعبها وقال أنه برمجها خلال يومين فقط.
وبعد شهر ومن دون أي تحديث جديد للعبة، تبين أن هناك لعبة اخرى تحمل نفس الأسم على متجر التطبيقات لذا اضطر إلى تغيير اسمها إلى فلابي بيرد و إعادة طرحها في المتجر ثم وفر رابط تحميل مباشر ونشر عدد النقاط التي جمعها حينها 44 نقطة.
لاحقاً بدأت اللعبة تحصل على ترتيب في قسم ألعاب العائلة وكانت في المركز 1469 بحلول نهاية اكتوبر، وبعد 14 يوم وصلت إلى المركز 393.
ومع تقدم اللعبة أكثر في تصنيف ألعاب العائلة أصبحت تظهر في المخطط البياني الإجمالي لألعاب الآيفون حتى وصلت إلى مركز 250 في أعلى التطبيقات المجانية تحميلاً في أمريكا و 80 في أعلى الألعاب المجانية تحميلاً.
تابعت اللعبة النمو التدريجي في عدد التحميلات و ارتفعت في المراكز حتى وصلت إلى المركز العاشر في قائمة أعلى التطبيقات تحميلاً في أمريكا و السادس للألعاب المجانية.
هنا بدأت تثار الإنتقادات حول إن كان Nguyen قد استخدم أساليب ملتوية لترويج اللعبة و تحميلها ونشرها مثل دفع الأموال للناس ليحملوها أو ينشرو عنها تقييمات إيجابية غير حقيقية وغير ذلك إلا أن مطورها نفى القيام بأي جهود ترويجية.
بعد أن وصلت اللعبة إلى أرقام تحميل قياسية وكان كل يوم يكسر الرقم السابق له أطلق نسخة الأندرويد في 22 يناير 2014.
وبالطبع بما أن اللعبة أصبحت معروفة على الآيفون لم تنتظر طويلاً لتصبح التطبيق الأكثر تحميلاً على قوقل بلاي.
والإعلام هنا تدخل ليساعد اللعبة أكثر على الإنتشار من خلال كتابة المواقع الكبرى مقالات عن نجاحها وأصبحت تحمل اللعبة أكثر من مليون مرة يومياً وحاولت بعض المواقع استضافة المطور ليتحدث عن سر نجاح لعبته الذي نسبه للحظ وحتى أنه نفسه يريد أن يعرف سر النجاح.
وبعد أن كشف موقع The Verge أن مطور اللعبة يجني يومياً 50 ألف دولار من عائدات الإعلانات التي تظهر ضمن اللعبة في حال كنت متصلاً بالإنترنت، بدأ تغير مهم في مسار حياة المطور حيث أصبح الإعلام والناس أكثر إلحاحاً ما جعله يصفهم بأنهم يبالغون في اعطاء الأمر أهميته و طلب أن يدعوه وألعابه “بسلام”.
وبدأ الأمر يصبح خطيراً عندما أصبحت تصله تغريدات فيها ازعاجات متكررة وكراهية و حتى تهديدات بالقتل و هنا تراجع عن وعده بتوفير نسخة من اللعبة على ويندوز فون حيث أصبح الأمر خارج عن السيطرة ولم يعد يحتمله كما وصفه.
النهاية
بعد إطلاق تحديث بسيط للعبة على الآيفون نشر تغريدة ينسب فيها نجاح اللعبة إلى نفسه ولكن بالرغم من ذلك دمرت حياته لذا أصبح يكره اللعبة و أعاد التأكيد على المبالغة في استخدام اللعبة والتعامل معها.
وبعد تلك التغريدة نشر إعلان النهاية الشهير حيث وضع فترة 22 ساعة بعدها سيتم سحب اللعبة من المتجر وبالفعل وفى بوعده لتختفي فلابي بيرد لكنه قال أنه سيستمر بتطوير الألعاب.
الدروس المستفادة من نجاح فلابي بيرد:
1- البساطة في المفهوم و التصميم
2- خلق التحدي في النفس البشرية: من خلال الملامح العامة تبدو اللعبة سهلة وساذجة لكن عند أول محاولة ستفشل من تحقيق أي نقطة وبعدها قد تحتاج ليوم كامل لتحقق عشر نقاط، اللعبة صعبة بالفعل وهنا تحدي !
3- التسويق الفيروسي: استفادت اللعبة بشكل كبير من الشبكات الإجتماعية لتسويقها، فالمطور لم يدفع وأحواله المادية لاتسمح له بتحمل تكاليف تسويقها، لكن الناس عندما لعبوا بها و أحبوها أصبحوا ينشرون نقاطهم على الشبكات الإجتماعية متباهين بذلك، حسناً أشك أنك لم تفعلها عندما وصلت إلى ميدالية ذهبية، وهنا لفتوا أنظار من لا يعرف اللعبة ليقوم بتحميلها وتجربتها وهكذا انتشرت فيروسياً.
4-الربط مع خدمات ألعاب قوقل بلاي: القوة مع فلابي بيرد أنها لاتتيح الربط مع فيس بوك وهذا كان عامل تسويقي قوي للألعاب، لكنها على الأندرويد اعتمدت على الربط مع خدمات ألعاب قوقل بلاي وبالتالي خلقت مجتمع عالمي من اللاعبين الذين يتحدون بعضهم و أصدقائهم على قوقل بلس من أجل الحصول على نقاط أكثر.
5- فكر بالجمهور قبل أن تفكر باللعبة، فالمطور بناها لنفسه في ساعات فراغه وخلال يومين فقط ليلعب بها بسهولة، قائلاً حتماً هناك مثلي الكثير حول العالم يريد لعبة تبدأ بضغطة.
6- النجاح لايأتي في البداية أولاً، فلابي بيرد ليست أول لعبة يطورها ولن تكون الأخيرة على حد قوله، وبالحديث عن الطيور فإن لعبة الطيور الغاضبة كانت بعد 51 لعبة فاشلة.