الرياض ـ وكالات
جميلة هي التقنيات والأفكار التي تداعب شعورنا الوطني وعروبتنا، وبعد الإعلان عن نية إطلاق محرك البحث "يا عربي" هل تكفي الأماني والوعود دون خطى مدروسة؟ أين هي التحالفات التقنية مع شركات الاتصالات أو تقنية المعلومات مثلا؟ يثير هذا الإعلان تساؤلات كثيرة، بل عشرات الأسئلة التي توجه لشركة "يا عربي". فقد أعلن مؤخرا عن محرك بحث اسمه "يا عربي" مع الإشارة أن إطلاقه سيجري في شهر مايو القادم. وقبل أن تصيبنا النشوة بالوعود والكلام الجميل والمبادرات الرائعة التي شهده حدث الإعلان عن محرك البحث "يا عربي"، وحضره حشد إعلامي وفني كبير دعما لهذه المبادرة الطيبة، والتي يتمنى كل عربي لها النجاح بمن فيهم كاتب هذه السطور، لا بد من التشكيك قليلا لطرح بعض الأسئلة كي لا نصاب بخيبة أمل أخرى كما حصل مع محركات بحث عربية سابقة أعلنت عن نفسها كالعادة بأنها "أول محرك بحث عربي" تلتها خيبة أمل عربية وشماتة غربية، هل تتذكرون أي منها اليوم؟ مذا عن مصير محرك البحث من شركة صخر- ومحرك بحث اسمه "عربي"؟ أين هذه اليوم؟ الالتزام بالمحافظة على خصوصية المستخدمين بالبراعة التقنية بنت شركات محركات البحث سمعتها من خلال استقطاب أهم العقول من أصحاب المواهب الخارقة في مجال علوم الكمبيوتر والبرمجة، وتعد خوارزمية البحث المتفوقة إحدى أهم ركائز نجاح أي محرك بحث على الإنترنت. تتكامل هذه الخوارزمية مع تقنيات تسريع عملية البحث وإظهار النتائج. وكل ذلك لا يضمن النجاح ما لم تتوفر بنية عتاد هائلة وموزعة في أكثر من بلد. لعل أهم سر لدى شركة محرك بحث شهيرة وهو بمثابة جوهرة التاج لديها، هو خوارزمية أو تقنية البحث التي تدير مزارع من منظومة هائلة لأجهزة الخادم وتستخلص منها أدق النتائج خلال ثوان! ولا مكان للشفافية هنا بل لا داعي لها أصلا، كما هو مع وصفة سرية لوجبة أو شراب ما يهمنا هو المذاق وليس نسب أو كميات المكونات. الشفافية والخصوصية في موضعها صدر عن القائمين على محرك البحث توضيح هام بإعلانهم اعتماد الشفافية في طريقة إظهار النتائج، ومع شفافية في آلية عمل تقنية البحث، فالأولى مطلوبة لكن إظهار آلية وتقنية البحث أمر غير ضروري بل ضار، وها هي محركات البحث التي اعتمدت على المصادر المفتوحة قد أثبتت فشلها ولم يحقق أي منها نتائج تذكر مثل تقنية لوسين Lucene، ومنتجاتها الأخرى http://lucene.apache.org/solr التي تؤمن مكونات محركات البحث. أما عن حماية الخصوصية، فقد أكد القائمون على الموقع أيضا حرصهم على المحافظة على الخصوصية بكلمات عامة وهنا مكمن المشكلة. فما يريده المستخدم العربي هو خدمة بحث لا تقتصر على احترام العربية ودعم البحث بها بل تبني أفضل الممارسات لحماية الخصوصية، فمثلا إن طلبت جهة حكومية أو أمنية مراقبة رسالة بريد إلكترونية، تقوم تلك الشركة بطلب إذن قضائي. ومشكلة بعض شركات خدمات الإنترنت العربية تكمن أنها تستبيح كل بيانات المشتركين في خدماتها، كما حصل مع أكثر من شركة عربية، في تعاون زائد مع جهات حكومية طلبا لتخفيف التضييق عليها أوتتبرع من تلقاء نفسها في "تعاون" زائد مع أي جهة سواء كانت حكومية أو تجارية. شفافية أسلوب العمل ما لم يكشفه القائمون على الموقع هو نموذج العمل وطبيعة الشركة، كيف ستجني عوائدها لتوسيع استثمارتها؟ هل هي جمعية خيرية أم مؤسسة حكومية أم مؤسسة أهلية لأغراض نبيلة لدعم التعريب ولغة الضاد مثلا؟ تتفوق شركة محركات بحث شهيرة (أجهد كثيرا لتجنب ذكر اسمها) على منافسيها الذين يتخلفون عنها تقنيا بسنوات عديدة بسبب استباقها الجميع في سرعة عرض النتائج ودقتها ومواكبتها للتوجهات مثل البحث الصوتي عبر الهاتف الجوال وما إلى ذلك. يتجه بعض المنافسين في محركات البحث على التخصص بجانب محدد مثل البحث في المدونات مثل كولكتا collecta.com أو الشبكات الاجتماعية أو مستجدات الأخبار فقط مثل محرك تركل trackle.com والموسوعات مثل Kosmix.com، (للموسيقى مثل كل من Fizy.com Blinkx.com) أو البحوث العلمية والطبية إلخ. فهناك استراتيجية التخصص بناحية ضيقة مع نتائج عميقة وموسعة، واستراتيجية أخرى باستهداف كل شيء في تموضع محرك البحث. واستنادا إلى جانب اللغة العربية التي يفترض بأي محرك بحث عربي أن يبرع فيها، لا بد لنجاح أي محرك بحث عربي أن يضاهي غوغل أو يتفوق عليه في دعم اللغة العربية، ونشر أحدهم على تويتر شعار محرك بحث يا عربي متسائلا إن كان من شاهده لاحظ خلوه من أي كلمة عربية بل تم تصميمه بحروف إنكليزية! وحاليا يعجز غوغل عن تقديم نتائج بحث دقيقة لدى الاستفسار بالعربية منه بأكثر من كلمتين، كما أنه يصاب بعمى ألوان أي لا يميز وجود الهمزة أوعدمه في بعض الكلمات (هناك قائمة طويلة لعيوب غوغل في البحث بالعربية لا مجال لذكرها هنا). كما يفترض بأي محرك بحث عربي أن يحدد جمهوره، هل هم مستخدمو الإنترنت في العالم العربي فقط؟ أم لكل ناطق بالعربية في أي مكان في العالم مع ما يترتب على ذلك من متطلبات تقنية. وأخيرا، اعتمدت محركات بحث عربية بائدة على تقنيات من شركات غربية ألبستها "هيئة" عربية فلم تكن أكثر من مجرد تعريب سطحي بدعم محدود للغة العربية، فيما قامت أخرى بعمل فهرسة وأدلة للمواقع العربية دون تقنية بحث فعلية تمشط الإنترنت بحثا عن النتائج الدقيقة وأتمنى أن يقدم أي محرك بحث عربي مبادرة جادة، فالآمال معقودة على تطور تقني من العيار الثقيل، وإلا فإن أي خيبة أخرى ستحطم أي تطلعات ومصداقية لأي محرك بحث عربي على المدى البعيد وسنبقى نحلم فحتى الروبوتات أصبح لها محرك بحث!