بنك قطر الوطني

 استبعد التحليل الاقتصادي لمجموعة بنك قطر الوطني "كيو ان بي" أن تجني 12 دولة وقعت اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ في الخامس من أكتوبر الماضي، مكاسب هذه الاتفاقية قبل وقت طويل بالنظر إلى أن برلمانات في هذه الدول لم تصادق عليها وهو ما يستبعد حصوله قبل عام 2017 على أقرب تقدير في ظل مخاطر كبيرة بفشلها أو تأخرها.
 
وأشار التحليل الأسبوعي الصادر اليوم إلى أن إعادة تنشيط التجارة العالمية بشكل كبير من خلال الاتفاقية المذكورة لن يتحقق بشكل كامل إلا بعد مرور بعض الوقت بالنظر إلى التغييرات التي تتطلبها اتفاقية الشراكة بشكل تدريجي على مدار السنوات العشر القادمة، خصوصاً في المجالات التي تواجه ارتفاع الرسوم الجمركية. 

وقال إن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تم التوصل إليها بعد خمس سنوات من المفاوضات وتعتبر  أكبر اتفاق تجاري منذ عقدين من الزمان، هي عبارة عن اتفاقية تجارية إقليمية بين 12 دولة تساهم بنسبة 26 في المائة من التجارة العالمية وبنسبة 37 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وأضاف أنها تهدف إلى كسر الحواجز المرتبطة بالرسوم الجمركية وغير المرتبطة بها لتسهيل تجارة السلع والخدمات بين الدول الأعضاء، وتتضمن قوانين جديدة تغطي وسائل التكنولوجيا الحديثة والاقتصاد الرقمي والخدمات وحقوق الملكية الفكرية (كبراءات الاختراع الخاصة بالعقاقير مثلاً)، كما تضع معايير لقوانين حماية البيئة وحقوق العمال.
 
وذكر أنه بإمكان الشراكة عبر المحيط الهادئ دعم نمو التجارة العالمية من خلال الحد من سياسات الحماية الاقتصادية وإنعاش سلاسل الإمداد العالمية وتمهيد الطريق لاتفاقيات إقليمية جديدة، مبينا أن نمو التجارة العالمية ظل بطيئاً في الفترة من 2012 إلى 2015، حيث بلغ في المتوسط 3.2 في المائة في العام مقارنة مع نسبة 6.2 في المائة في السنوات العشرين التي سبقت ذلك.اعتبر ذلك أمرا مقلقا لأن التجارة تعود بفوائد كبيرة على الاقتصاد العالمي، فهي تدعم توزيع الموارد بشكل أفضل بين الدول التي لها مزايا نسبية متنوعة، وتشجع نشر التكنولوجيا والمعرفة، منبها إلى أن تراجع التجارة العالمية يأتي نتيجة لمزيج من العوامل التي تتضمن ضعف الطلب، والتغير في سلاسل الإمداد العالمية مع تزايد توطين التصنيع في الولايات المتحدة والصين، إلى جانب زيادة سياسات الحماية الاقتصادية.ولفت تحليل "كيو أن بي" إلى زيادة السياسات الحمائية منذ الأزمة المالية العالمية حيث حذرت منظمة التجارة العالمية من "الحمائية المتسللة" الناتجة عن فرض الحكومات لقيود تجارية جديدة وبالإضافة لذلك، حققت منظمة التجارة العالمية مؤخرا نجاحاً محدوداً في تقديم اتفاقية جديدة للتجارة العالمية تهدف لإزالة الرسوم الجمركية وغيرها من الحواجز أمام التجارة.
  
 كما ظلت الجولة الحالية من محادثات منظمة التجارة العالمية، جولة الدوحة، مستمرة منذ عام 2001، ولكنها لم تحرز تقدماً يذكر بسبب فشل الدول المتقدمة والنامية في حل النزاعات، ولم يحدث تقدم يذكر بشأن إبرام اتفاقية شاملة للتجارة العالمية داخل منظمة التجارة العالمية، فيما تجري الآن سلسلة من مفاوضات الاتفاقيات التجارية الإقليمية والثنائية، مثل اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، خارج نطاق منظمة التجارة العالمية والتي يؤمل منها أن تساعد على عكس ميل الدول نحو نهج سياسات حمائية عن طريق خفض الحواجز أمام التجارة. ورأى أن من المفترض أن تعمل اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ أيضاً على تشجيع مزيد من الإنتاج في الخارج، وتنشيط شبكة التوريد العالمية، وإفادة المستهلك العالمي من خلال خفض الأسعار ومساعدة المنتجين من الدول الأعضاء في أن يصبحوا أكثر قدرة على المنافسة، مشيرا على سبيل المثال، إلى أن الملابس المصنعة في فيتنام التي يتم تصديرها إلى أستراليا، تحصل على مدخلاتها من ماليزيا (أزرار) وسنغافورة (النسيج) وكلتاهما أعضاء في اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ. 

وأوضح أن هناك رسوما مطبقة حالياً على جميع المدخلات (5 في المائة من التكلفة)، وكذلك على المنتج المصدر النهائي (5 في المائة)، ومن ثم فإن إزالة الرسوم الجمركية من خلال اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ من شأنها أن تقلل تكلفة المنتج في أستراليا، وهي دولة عضو في الاتفاقية، بنحو 10 في المائة وفي البلدان غير الأعضاء في الاتفاقية بنسبة 5 في المائة وبذلك سيكون بإمكان فيتنام أن تبيع المزيد من الملابس، وماليزيا المزيد من الأزرار، وسنغافورة المزيد من النسيج، ويحصل المستهلكون الأستراليون على منتج أرخص.

واعتبر أنه نتيجة لذلك، ستزيد صادرات البلدان المنضوية في اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، كما سيرتفع الناتج المحلي الإجمالي بفضل زيادة الصادرات وستكون المكاسب الأكبر في الأسواق الناشئة مثل فيتنام حيث أن إلغاء رسوم التصدير المرتفعة نسبياً سيجعل صادراتهم المصنعة أكثر تنافسية بشكل كبير في أسواق كبيرة مثل الولايات المتحدة واليابان. وبين أن المزايا لن تكون كبيرة بالنسبة لاقتصاد متقدم مثل الولايات المتحدة حيث الرسوم الجمركية منخفضة مسبقاً وحيث إن اقتصادات الدول الأخرى في اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ صغيرة بالمقارنة مع الاقتصاد الأمريكي.وقال إن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ ستوفر بالإضافة لتعزيز التجارة والدخل، نموذجاً لاتفاقيات إقليمية أخرى مماثلة كاتفاقية شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي (42 في المائة من التجارة العالمية و59 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي) ومن المحتمل أن تنضم دول أخرى إلى اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ مع مرور الوقت ما سيوسع من مزايا هذه الاتفاقية.