الباحث محي الدين قرنفلة

عرّف الباحث محي الدين قرنفلة التراث اللامادي بالذاكرة الجمعية الشعبية التي تتجلى في الأمثال والقصص المروية والحكايات والعادات الأصيلة بما تحمله من أهداف تربوية.

ولفت قرنفلة -في محاضرته التي حملت عنوان الأمثال الشعبية والمرويات والحكايات والتي القاها في مركز ثقافي أبو رمانة الثلاثاء- أن الأمثال الشعبية خلاصة تجارب طويلة حفظها لنا الآباء والأجداد، مشددًا على ضرورة توثيقها باعتبارها رافدًا من روافد اللغة.

واعتبر قرنفلة، أن هذه الأمثال مرآة صادقة لحضارة الشعب وضروب تفكيره ومناحي فلسفته ومُثله الأخلاقية والاجتماعية وأن لهذه الأمثال وظائف عدة منها ما هو تربوي لأن ما تتضمنه من حكم هي خلاصة التجربة الإنسانية التي تساهم في تهذيب الأجيال وتقويم الأخلاق وإرشاد الناس إلى الطريق المستقيم بالإضافة إلى وظائفها الجمالية والترفيهية والوطنية فهي تربط ماضي الشعب بحاضره لأنها جزء من التراث فكل مثل هو عبارة عن مستودع ذكرى وقصة عن أجدادنا.

كما أشار قرنفلة إلى أهمية الأمثال في ربط الشعب ببعضه لأنها منهل مشترك لجميع أفراده إذ يساعد في توحيد مفاهيمهم وتوجهاتهم وأذواقهم ومثلهم وأهدافهم فالأمثال عند بعض الناس بمثابة قوانين ودساتير لا تخطئ يلجؤون إليها لدعم حججهم ورد حجج غيرهم.

ويتوقف قرنفلة عند الأمثال العامية، حيث أشار إلى أن ظهورها ترافق مع ظهور اللهجة العامية لكن هذه العامية لم تتميز عن الفصحى بشكلها الواضح إلا بعد فترة من الزمن، حيث استطاعت أن تتسم ببعض السمات في المادة الصوتية وصوغ القوالب وتركيب الجمل والقواعد النحوية والمادة اللغوية.

ولفت قرنفلة إلى أن المثل الشعبي في دمشق هو نفسه في سائر المحافظات السورية وحتى في البلاد العربية من المغرب إلى المشرق منوهًا إلى أن هناك معاني مشتركة بين أمثالنا وأمثال بعض الدول الأوروبية والآسيوية وحتى الأفريقية.

وروى قرنفلة، حكايات بعض الأمثال الدمشقية الشهيرة مثل "الصنعة أسوارة بالإيد", "ابنك على ماربيتيه وجوزك على ما عودتيه", "الناس لناس", "كل الناس خير وبركة", "التدبير تلتين المعيشة والصاحب ساحب".

ومن الأمثال الشعية انتقل قرنفلة إلى المرويات فعرّفها بأنها عبارة عن قصص وحكايات معتقة فاضت على ألسنة الناس في المجتمع السوري وهي ترجمة لبعض أمثالنا الشعبية مزجت الجد بالهزل والحكمة بالبساطة لتقدم هدفًا إما تربويًا وإما جماليًا أو ترفيهيًا وقد يكون وطنيًا.

كما أوضح الباحث قرنفلة أن المرويات الشعبية في الأمثال السورية العامية هي مجرد تقرير حقائق توصل إليها الإنسان عن طريق الاختبار أو التأمل الفكري منها "عيش كثير بتشوف كثير"و"من جد وجد ومن زرع حصد"، إلى جانب هذه الأمثال، هناك أمثال أخرى مروية على قصص خرافية وأساطير كالمثل القائل "تمخض الجبل فولد فأرة" وهو مثل يوناني قديم مبني على أسطورة أو على قصص حقيقية واقعية معروفة في التاريخ روح بلط البحر" الذي يتمثل عندما نريد أن ننسب العجز إلى شخص ما أو على قصص فردية لا يعرفها إلا بعض الناس كالمثل القائل "شمع الخيط وهرب".

ولم يخف قرنفلة، خوفه من ضياع التراث اللامادي فاعتبر أن البعد عن هذا التراث خلق جيلًا بعيدًا غارق في وسائل التواصل الاجتماعي وبعيد عن

إرث الأجداد الذي هو خلاصة تجارب كبيرة وخبرة في الحياة يجب الأخذ بها لأنها خلاصة الحكمة.