باريس - لبنان اليوم
وضعت فرقة «الكوميدي فرانسيز» المسرحية منهاجاً غير مسبوق يسمح بالحفاظ على الصلة بينها وبين جمهورها. أما راقصو وراقصات «أوبرا» باريس الذين كانوا قد أعلنوا إضراباً قبل تفشي «كورونا»، للمطالبة بتحسين شروط العمل، فإنهم اليوم يتحايلون على العزلة الإجبارية، ويقدم كل منهم وصلة رقص أو غناء من بيته، أمام شاشات مواقع التواصل.
يقع مبنى الفرقة في ساحة تحمل اسم نجمة المسرح الراحلة «كوليت»، وسط العاصمة. ونظراً لمنع التجول وخلو الساحة والشوارع المحيطة بها من المشاة، فإن عائلة من البط قد تسللت إليها من نهر السين القريب، وراحت تسرح فيها بدون أن تقلقها زحمة السيارات.
نشرت «الكوميدي فرانسيز» برنامجاً للعروض المسرحية التي يمكن متابعتها عبر «النت» مع جدول بمواعيدها. فالفرقة العريقة التي يعود تاريخ تأسيسها إلى عام 1680، وتعتبر من أقدم المؤسسات الثقافية الرسمية في فرنسا، ترفع اليوم شعار: «إذا لم تذهب إلى المسرح فإن المسرح يحضر لعندك». ونظراً لقرار إغلاق كافة الصالات الفنية، بسبب تفشي وباء «كورونا»، قررت إدارة الفرقة أن تنقل عروضها إلى بيوت متابعيها. وهي ليست عروضاً مسجلة، بل تتضمن لقطات حية لنجوم الفرقة، يقرأون فيها فصولاً من أدوارهم، أو يتحدثون عن موضوع يخصهم مما يهم الجمهور. ويتم بث هذا البرنامج بالتعاون مع المؤسسة الرسمية للتلفزيون.
يتضمن البرنامج عرض تسجيلات كاملة لمسرحيات شهيرة قدمتها الفرقة خلال تاريخها، حين بات التسجيل متوفراً. وأولها «البخيل» للكاتب موليير. وتم تحديد أمسيات الأحد لتقديمها من قناة «فرانس 5». وإلى جانب العروض المسجلة، أعلن إريك روف، مدير الفرقة، عن برنامج مواز يبدأ على موقعها في «فيسبوك»، ويتضمن قراءات شعرية ومسرحية منفردة، وحكايات وشهادات يقدمها فنانو الفرقة؛ كل من صالون بيته أو غرفة نومه. وقد اختيرت النصوص لتكون ذات طابع عائلي مسلّ، أو تربوي موجه للأطفال. ونشر روف كلمة جاء فيها: «سنفتح لكم صندوق ألعابنا ونمنح الجمهور كنوزنا المعروفة والسريّة».
من الموضوعات المختارة واحد موجه للطلبة بعنوان «الممثلون يجتازون امتحان البكالوريا». وفيه يروي فنانون كبار حكايتهم مع هذه الشهادة التي تعتبر جواز المرور إلى سوق العمل، سواء فازوا بها أم سقطوا في الاختبار. هذا إلى جانب سلسلة الأفلام التي كانت قناة «آرتي» الفرنسية ـ الألمانية قد أنتجتها عن تاريخ «الكوميدي فرانسيز» وكواليس مسرحها.
أما أعضاء مسرح «أوبرا باريس»، الذين كانوا مضربين عن العمل، فإنهم يجندون أنفسهم ومواهبهم، حالياً، في مواجهة ما بين الفن الجميل وبين الفيروس القاتل. وفي حركة احتجاجية خلال أيام الإضراب، كانت راقصات الفرقة قد لفتن اهتمام وسائل الإعلام المحلية والعالمية حين خرجن إلى الهواء الطلق ليقدمن فاصلاً من الرقص على الدرج الخارجي للمسرح. لكن هؤلاء المحتجين أنفسهم لبوا دعوة المخرج سيدريك كلابيش للظهور، بشكل انفرادي، في فيلم يؤدون فيه مقاطع غنائية وراقصة من بيوتهم، مع رسائل شكر وامتنان موجهة إلى طواقم العلاج والتمريض والإسعاف العاملة ليل نهار لمواجهة المرض الذي تجاوز عدد ضحاياه في فرنسا العشرين ألفاً.
الهدف من الفيلم نشر روح الأمل والتضامن بين المواطنين القابعين في بيوتهم، يتقلبون ما بين القلق والملل. ولأن فناني الأوبرا يلزمون بيتهم مثل غيرهم من المواطنين، فقد دار المخرج عليهم مع كاميرته لكي يسجل لهم رسائلهم، مع حفظ مسافة التباعد الموصى بها لمنع احتمالات العدوى. ومن مجموع التسجيلات، كان يمكن للمتفرج أن يرى نسخة فريدة من عرض «روميو وجولييت» يمكن وصفها بأنها «نسخة كورونا». وإلى جانب الفن الأوبرالي، قدم الراقصون والراقصات وصفات لأطباق خفيفة من مطابخهم، وعرض بعضهم محتويات المكتبة أو مخزن البيت وموجودات غرفة الاستحمام. وجاء في تعليق لمدير الفرقة أن توقف التدريبات والعروض بسبب الوباء لا يعني أن فنانينا في إجازة. فالكل يتمرن في بيته استعداداً لموسم مقبل. وحتى خياطات الفرقة اللواتي كن متخصصات في ثياب المسرح، فقد كرسن جانباً من وقتهن لخياطة الكمامات الواقية التي يشتد عليها الطلب حالياً.
والمخرج كلابيش ليس غريباً عن أجواء «أوبرا باريس» فهو كان قد أنجز قبل سنوات فيلماً وثائقياً عن أوريلي دوبون، الراقصة النجمة في الفرقة ومديرة فرع الرقص فيها حالياً.
قد يهمك ايضا: