المدينة المنورة – العرب اليوم
يبتهج الصائمون عند سماع دوى الطلقات السبع لصوت المدفع الرمضاني، التي تكون بمثابة الإعلان عن دخول غُرة شهر رمضان الفضيل وفقًا لما هو مُتبع في عدد من المُدن بالدول العربية والإسلامية.
وبالعودة إلى القصة التي يرويها المؤرخون حول تاريخ "مدفع رمضان"، والذي يترقب العامة طلقاته الثلاثة يوميًا طيلة أيام شهر رمضان المبارك، بحيث تكون أولها عند موعد الإفطار إلى جانب الأذان والأخرى في وقت الإمساك فيما تكون الأخيرة مع صدوح أذان الفجر، يتضح أن القاهرة كانت أولى المُدن التي شهدت استخدام المدفعية عن طريق المصادفة قبل حوالي ست قرون عندما سمع الأهالي صوتًا للمدفع، وذلك عند محاولة بعض الجنود إجراء تجربة على أحد المدافع الجديدة وقت أذان المغرب واعتقد الناس آنذاك أن صوت دوى المدفع كان بمثابة تنبيه للصائمين بدخول وقت الإفطار.
وهناك راوية أخرى كانت تدور أيضًا حول قصة مماثلة لبدايات المدفع الرمضاني، والتي تفيد بأن أهالي القاهرة سمعوا دويًا في سمائها في يوم من أيام الشهر الفضيل عندما همّ الجنود في عهد الخديو إسماعيل، بتنظيف أحد المدافع وانطلقت منه قذيفة سُمع دويها عاليًا وتصادف ذلك مع وقت أذان المغرب تحديدًا فظن الناس بأن ذلك تقليد جديد للإعلان عن موعد الإفطار وأصدرت الحكومة في ذلك الوقت أمرًا باستخدام المدفع عند الإفطار والإمساك وفي الأعياد الرسمية.
وتشير المصادر التاريخية إلى تبني بلاد الشام بعد ذلك فكرة استخدام المدفع للإعلان عن مواعيد الإفطار والإمساك في أيام وليالي شهر رمضان الكريم في أواخر القرن التاسع عشر وانتقل التقليد الجديد بعد ذلك إلى العراق ومن ثم إلى الكويت كأولى الدول الخليجية، التي استخدمت المدفع الرمضاني في العام 1907 وظل يتنقل الأسلوب الجديد في استخدام ما يُسمى بـ"المدفع الرمضاني" إلى بقية دول الخليج حتى وصل إلى شرق آسيًا في العام 1944م.
وارتبط صوت المدفع الرمضاني في المملكة بالركن الرابع من أركان الإسلام قبل عقود مضت حيث كان يأخذ المدفع موقعه في عدد من المواقع في العاصمة الرياض، وأيضًا فوق أعلى جبال مكة المكرمة وكذلك في المدينة المنورةـ إذ يُعلن مع طلقاته حلول شهر رمضان الكريم، ويظل الأهالي في عدد من المدن في حالة من الترقب للاستماع إلى صوت المدفع عند الإفطار والسُحور والإمساك بشكل يومي طيلة أيام الشهر الفضيل.
150 طلقة
وخصصت الجهات المسؤولة منذ بدايات دخول التقليد الجديد في ذلك الوقت عددًا من رجال الأمن للعناية بمدافع رمضان وتجهيزها وتهيئتها وصيانتها وتنظيفها منذ أوقات مبكرة قبل حلول الشهر الكريم بعد إجازاتها السنوية الطويلة، الذي يظل فيها صامتًا، وذلك تمهيدًا لدخولها إلى الخدمة مجددًا عشية الإعلان عن دخول شهر الصوم والبركات، وتظل تلك المهام مستمرة والمتمثلة في إطلاق الذخيرة الصوتية من ثلاث إلى أربع مرات يوميًا – بحسب المُدن - حتى اليوم الأخير من الشهر الفضيل، حيث كانت تُطلق 7 طلقات من المدفع الرمضاني إعلانًا عن دخول الشهر الكريم، ويبلغ مجموع الطلقات 150 طلقة من البارود، الذي تُزن كيلو ونصف غرامًا في الكبسولة الواحدة.
ومع تطور التقنيات ووسائل الاتصال، الذي ظل مواكبًا للتطور العمراني الكبير الذي تشهده المدن في المملكة بدأت أصوات تلك المدافع الرمضانية تتلاشى شيئًا فشيئًا حتى باتت الحاجة إلى استخدام الذخائر الصوتية للإعلان عن حلول شهر رمضان غير ضروري إلا أن المدفع الرمضاني ارتبط في ذاكرة السعوديين وظل يشكل رمزًا لليالي الفضيلة وأحد أهم الطقوس الرمضانية المتوارثة كما هو الحال في عدد من البلدان العربية والإسلامية .