مكة - العرب اليوم
بعدما اشتد أذى الكفار على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مكة مع بداية الدعوة الإسلامية، بدأ النبي في عرض الدعوة على الحجاج في العقبة، فأسلم ستة من أهل يثرب، وعندما عادوا للحج مرة أخرى مع بعض الرجال من قومهم وكان عددهم اثنى عشر رجلًا، أسلموا وبايعوا النبي محمدًا على الإسلام، وبعد البيعة طلبوا من النبي أن يرسل معهم صحابيًا يعلمهم تعاليم الدين الإسلامي، فوقع اختيار النبي على الصحابي الجليل مصعب بن عمير ليصبح بذلك أول سفير في الإسلام.
من هو مصعب بن عمير؟
هو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف، نشأ في أسرة من أثرياء قريش، عرف عنه الترف، وكان يستخدم أفضل العطور، وأغلى الثياب، ويتميز بجماله ونعومة جسده. دخل الإسلام، عندما كان النبي في دار الأرقم، ولكنه كتم إسلامه خوفًا من أمه التي كانت من الأثرياء وتتميز بقوة شخصيتها، وكان يلتقي بالنبي سرًا حتى يتعلم منه مفاهيم الدين الإسلامي، ولكن لم يستمر الأمر هكذا، حيث كشف أمره عثمان بن طلحة، الذي ذهب إلى أم مصعب وأبلغها بإسلام ابنها فحرمته من الثراء، ولكنه تمسك بالدين الإسلامي وقرر أن يبيع الدنيا ويشتري الآخرة.
من الثراء إلى الزهد
بالرغم من ثراء عائلة مصعب بن عمير، والرفاهية التي كان يعيش بها قبل أن تعاقبه أمه بعد أن علمت بإسلامه، فإنه ظل متمسكًا بالدين الإسلامي، وتحول من شاب مترف لا يشغله سوى المظاهر، إلى صحابي جليل يملأ قلبه الإيمان ولا يشغله سوى ذكر الله. وعن تخلى مصعب عن الثراء من أجل الآخرة، قال سعد بن أبي وقاص عنه "لقد رأيته جهد في الإسلام جهدًا شديدًا حتى قد رأيت جلده يتحشف كما يتحشف جلد الحية".
وروى الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال "إنا لجلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، إذ طلع علينا مصعب بن عمير وما عليه إلا بردة مرقومة بفرو، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى للذي كان فيه من النعمة والذي هو فيه اليوم، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف بكم إذا غدًا أحدكم في حلة وراح في حلة، ووضعت بين يديه صحفة ورفعت أخرى، وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة، قالوا: يا رسول الله، نحن يومئذ خير منا اليوم نتفرغ للعبادة ونكفى المؤنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم اليوم خير منكم يومئذ".
أول سفير في الإسلام
بعد بيعة العقبة الأولى اختار النبي صلى الله عليه وسلم مصعب حتى يذهب معهم إلى المدينة ليعلمهم مفاهيم الدين الإسلامي، وبذلك أصبح أول سفير في الإسلام. وبمجرد أن توجه مصعب إلى يثرب، بدأ في نشر الدعوة وأسلم على يديه ما يقرب من 52 رجلًا وامرأة، ليصل عدد المسلمين إلى 70 رجلًا وامرأة في المدينة بعد بيعة العقبة، من بينهم 12 رجلًا بايعوا الرسول في العقبة، وبذلك مهد لهجرة المسلمين من مكة إلى المدينة. استشهاده استشهد الصحابي الجليل مصعب بن عمير في غزوة أحد، وفي الصحيحين عن خباب رضي الله عنه قال: "هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله ووجب أجرنا على الله، فمنا من مضى ولم يأكل من أجره شيئًا، منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم نجد شيئا نكفنه فيه إلا نمرة، كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، فإذا غطينا رجليه خرج رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعطي رأسه بها، ونجعل على رجليه إذخرا، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهذبها".