إعداد - نهى حوّا
«نحو يوتوبيا خرسانية: العمارة في يوغوسلافيا 1948-1980»، هو عنوان معرض يقام حالياً في متحف الفن الحديث في نيويورك، يتعقب تطور ثقافة العمارة في تلك البلاد التي تفككت في تسعينيات القرن الماضي. المعرض يضم أكثر من 400 مادة من رسومات وصور وبكرات أفلام عن مبانٍ ونصب تذكارية ذات دلالات فكرية، تم بناؤها في يوغوسلافيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية حتى وفاة الزعيم اليوغوسلافي جوزيف تيتو.
وكانت يوغوسلافيا قد خرجت من الحرب العالمية مدمرة بالكامل، فشكل ابتكارها لنظامها الخاص، سواء «الإدارة الذاتية الاشتراكية» أو دورها في حركة عدم الانحياز، منطلقاً أيضاً لأشكال من البناء والتصاميم والتقنيات المتماشية والمتمايزة عن مناهج أخرى في عمارة المباني وأشكال النصب التذكارية.
النصب التذكاري في سوتيسكا، البوسنة والهرسك
الفوز الثوري
في أواخر عام 1968، نصبت الدولة أكبر منحوتة تجريدية في قارة أوروبا، على قمة تل في ريف كرواتي، وكانت عبارة عن نصب من الفولاذ المقاوم للصدأ، بطول 100 قدم، لكن هذا النصب التذكاري المسمى «الفوز الثوري لشعب سلوفينيا» قصفه الجيش الكرواتي عام 1992، وكان واحداً من مئات النصب التي تم بناؤها في يوغوسلافيا لإحياء ذكرى المقاتلين الصرب والكروات الذين انتفضوا ضد القوات الفاشية المحتلة خلال الحرب العالمية الثانية.
وفيما لا يزال العديد من تلك النصب قائماً حتى يومنا هذا، مثل «جاسينوفاك» لبوغدان بوغدانوفيتش (1959-1966)، فإن رعاتها قد طواهم الزمن. وكان بناؤها قد تم في وقت بدأ الواقع الاجتماعي والسياسي ليوغوسلافيا، بأثنياتها المترابطة والمتمايزة، متلاحماً جزئياً بفضل العمارة، فأقام تيتو تكريماً لضحايا النازية، أكثر من 100 نصب تذكاري بين 1960 إلى 1980، ليس في سبيل استذكار الحرب، بل برؤية نحو مستقبل عصري.
وقد أخذت تلك النصب شكلاً جديداً من اللغة كان لا بد من ابتكاره، لجذب سكان البلاد بمعزل عن هوياتهم وطوائفهم، فتلك النصب لم تكن تحوي رموزاً تدل على أيديولوجيات أو أبطال أو أديان وطوائف، بل كانت أشكالاً مجردة تشير إلى مستقبل عصري، كانت تنتمي إلى يوتوبيا تضم كل اليوغوسلافيين في محاولة للخروج على تاريخ تشوبه التوترات المستمرة.