أبوظبي - وام
يشكل التراث أحد أهم المظاهر الحضارية في دولة الإمارات العربية المتحدة وبوابتها التي عبرت منها نحو الألفية الجديدة وسيظل بدعم القيادة الرشيدة حاضرا بقوة صامدا وسط أجواء الحداثة التى تشهدها دولتنا في المجالات كافة.
والمتابعون للشأن الثقافي في الإمارات يرون أن التراث لايزال مقدرا ومؤثرا في جميع جنبات حياتنا في ظل ما تبديه المؤسسات الرسمية المعنية بالتراث وحفظه من اهتمام كبير عبر تخصيص فرق بحثية تنشط داخل الدولة حفظا للتراث وعناية به.
ويشهد مجال التراث اهتمامًا خاصًا على يد مجموعة من شباب الوطن الهواة فقد بدأ مئات الشباب يتخلون عن ألعاب الكمبيوتر ويتجهون إلى الجلوس مع الآباء والأجداد لكي يقتربوا من الماضي ويجمعوا التراث المحلي الذي يحظى باحترام وتقدير العالم .
وسجلت الجمعيات والنوادي المتخصصة في مجال جمع التراث إقبالًا كبيرًا في الآونة الأخيرة من الشباب المهتمين بهذا الموروث وساعدهم على ذلك أن الدولة تولي اهتماما كبيرا بالتراث حتى لا يندثر جزء مهم من تاريخ هذا البلد العريق فتوثيق الموروث الإماراتي وجعله في أيد أمينة تقدمه للباحثين والدارسين بموضوعية ومصداقية هو الهدف والغاية التي يسعى إليها الجميع خاصة في ظل هذا الزخم من الانفتاح والتطور في فضاء العولمة.
وعندما باشرت تلك الجمعيات والنوادي المحلية بإقامة المهرجانات والفعاليات للهواة في البداية كانت تعتبر نفسها محظوظة إذا ما تمكنت من اجتذاب بضع عشرات من الأشخاص حينها .. أما الآن فإن أعداد الشباب والمهتمين تصل إلى الآلاف من الراغبين في العودة للتراث وفهم مفرداته وفنونه من خلال تلك العروض والمشغولات التي وضعت تحت تصرف الهواة الشباب.
ويقول محمد سالم - أحد الشباب المهتمين بالموروث الإماراتي - : " يجب الحفاظ على تراثنا حتى لا يتأثر بنمط الحياة العصرية ومظاهرها ونقله من أصحاب الموهبة والتجربة من كبار السن إلى الأبناء والأحفاد من أجل توارثه جيلا بعد جيل " .
ويضيف " حضرت ثلاث مرات بمهرجان أيام الشارقة التراثية في دورته الأخيرة وحرصت على المشاركة في المحاضرات التراثية في كل مرة أزور المهرجان فيها وسط حضور كثيف غصت به القاعة من جانب الجمهور خاصة الشباب المحب للتراث وهذا شيء عظيم" .
وشغل عدد كبير من شباب الإمارات المحب لوطنه وموروثه مناصب مرموقة في مجال التراث منهم الدكتور إبراهيم حسن الحمادي مدير إدارة القرية التراثية بنادي تراث الإمارات وأحد شباب الوطن المهتم بالتراث الذي يقول: " بدأت حياتي المهنية في مؤسسة وطنية تعنى بتراث الدولة ونشره بكل جوانبه المادية والمعنوية وهو نادي تراث الإمارات والذي ينال دعما ومتابعة من قبل سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة رئيس نادي تراث الإمارات حيث شغلت وظيفة " مشرف أنشطة بجزيرة السمالية" عام 1998 ثم شغلت وظيفة " رئيس قسم المعارض والمهرجانات بالقرية التراثية" في عام 2009 والآن أشغل منصب مدير إدارة القرية التراثية.
ويضيف "العمل مميز في نادي تراث الإمارات ويتصف بالجماعية والحيوية وسط نخبة مميزة من شباب الوطن وفرق العمل الدائمة في المهرجانات والسباقات والأنشطة جلها من الشباب المواطن المؤهل والقادر على تنظيم وإنجاح ابرز الفعاليات التراثية وبفضل روح الشباب فالانجازات والنجاحات متتالية ومستمرة في النادي ولله الحمد" .
**********----------********** ويؤكد الدكتور الحمادي أن التراث يشكل جزءا أساسيا من حضارات الشعوب والأمم ..و يعكس تراث أي دولة أو شعب مدى التقدم والرقي في الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية للدول ويأتي تمسك أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة بتراث الآباء والأجداد نتيجة وصية الوالد القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وعمله على أحياء التراث بجميع جوانبه المادية والمعنوية والتشجيع على التمسك به هذا إضافة إلى دعوته إلى إقامة القرى التراثية والنوادي التي أخذت على عاتقها خدمة التراث الإماراتي وتقديمه بصورة عصرية لأبناء الدولة والمقيمين والزوار ومن هنا جاء تبني صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" رؤية إستراتيجية للمحافظة على التراث وحمايته من الاندثار والزوال حيث خصص سموه عام 2008 عاما للهوية الوطنية حرصت فيه الجهات المعنية بالتراث والثقافة والهوية الوطنية على إقامة العديد من الفعاليات والمبادرات التي رسخت مفهوم الهوية لدى أبناء الدولة.
ويوضح أن التعلق بالتراث الوطني لدولة الإمارات من قبل الشباب يبرز من منطلق أنه سبيل رفعة ورقي الدولة وتهيئة الأبناء للتمسك والمحافظة على التراث من أجل تعاقبه بين الأجيال.. منوها بمقولة المغفور له الشيخ زايد "من ليس له ماض ليس له حاضر ولا مستقبل".
وسشدد مدير إدارة القرية التراثية بنادي تراث الإمارات على أن الجميع لابد أن يحرص على المحافظة على التراث الإماراتي نتيجة التغيير والانفتاح الذي أحدثته الطفرة الاقتصادية والانفتاح المعلوماتي والتقني للمجتمع في العقدين الماضيين التي قد تغيب التراث غير المادي كالعادات والتقاليد والفنون الأدائية .. داعيا إلى الحفاظ على التراث حتى لا تحدث فجوة مع الجيل الجديد وليظل عارفا بتراثه ولهجته وعاداته وتقاليده ..
ونوه في الوقت ذاته إلى أهمية المحافظة على ثقافتنا في عصر العولمة بما لا يتعارض مع التطور الحديث دون تغيير في هويتنا و ثقافتنا .
وحول مستقبل التراث المحلي لدى جيل الشباب.. يقول: " على أرض الإمارات يتعانق التراث والفن مع التاريخ والأدب لرسم لوحة جميلة تتشابك خيوطها لتمزج الماضي بالحاضر لتستشرف آفاق المستقبل وإذا كانت رسالة التراث تتخطى كثيرا المتعة والإبهار وتترجم بصدق واقع أي مجتمع فإن رسالته الأكثر أهمية ينبغي أن توجه تجاه الجيل الحاضر الذي شغلته التكنولوجيا الحديثة وأبعدته ولو جزئيا عن ماضي آبائه وأجداده ويرى أن تراث دولة الإمارات أصبح جزءا أصيلا من حضارتها المشرقة فهو داعم ومحرك لأبرز المجالات حتى في مجال العمران والبناء تعتبر الإمارات موطن المباني التاريخية قبل أن تكون موطنا لأعلى ناطحات السحاب والأبراج السكنية في العالم.
**********----------********** والرأي نفسه يتبناه الشاب محمد بن علي المطروشي ـ أحد الأسماء البارزة في مجال "الفروسية" ـ الذي يرى أن التراجع الذي فرضته الحياة المدنية العصرية لم يؤثر على مكانة التراث في دولة الإمارات وقال إن تلك الموروثات لا تزال فاعلة في المجتمع لأن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس الدولة وباني نهضتها الحديثة /طيب الله ثراه/ زرع فينا نحن الأجيال الجديدة حب التراث وحب العادات والتقاليد وأصبح للماضي رائحة طيبة عبقة يشتمها الكبار فيشعرون بالحنين إليه ويشتمها الصغار فيشعرون بالنشوة والاعتزاز والفخر ولا أروع من الفخر عند العرب بأصولهم وأنسابهم وعاداتهم.
ويقول: " كوني أحد المهتمين بالتراث بصفة عامة والفروسية بصفة خاصة فإنني أؤكد أن عشق الفروسية تراث وطني خالد إذ يعتبر عشق أهل الإمارات للخيول العربية الأصيلة تقليدا توارثه الإماراتيون جيلا عن جيل وهو متأصل في النفوس منذ القدم ولا يزال حيث تعد دولة الإمارات موطنا لأفضل أنواع الجياد العربية ولقد حققت سمعة مرموقة على مستوى العالم كونها تمتلك سلالات وأنسابا رائعة من الخيول لذا تفننوا في أساليب تربية الخيل وترويضها وتدريبها على شتى أنواع السباقات ورياضات الفروسية المعروفة " .
ويضيف " للفروسية رونق خاص في دولة الإمارات حيث أصبحت من الرياضات الشعبية المحببة للإماراتيين وباقي الجاليات التي تعيش على أرض الدولة فتم إنشاء أندية لتعليم الفروسية ومضامير للسباقات على مستوى عالمي وكذلك لابد أن نشير إلى اهتمام الدولة بإقامة أكبر السباقات العالمية للفروسية وأكثرها شهرة وهو سباق دبي العالمي للخيول والذي يعد أحد أكبر سباقات الخيول في العالم كما يعد الإماراتيون أحد أكبر ملاك الخيول في العالم ودائما خيولهم حاضرة وفائزة في السباقات العالمية" .
ويقول : " يتملكني الحنين للماضي وأهوى زيارة المناطق القديمة في مختلف إمارات الدولة وقد عملت جامعا ميدانيا في لجنة جرد التراث غير المادي " التراث الشفاهي" التابعة لوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع منذ عام 2009 واستفدت كثيرا من المقابلات التي أجريتها مع رواة التراث وأعتز بأنني قد وثقت جانبا مهما من تراث الدولة ويشرفني أن أكون حاملا لرسالة التراث لكي أوصلها إلى أبناء دولتنا الحبيبة فهناك الكثير من أبناء الدولة قد أهملوا تراث الآباء والأجداد ويجب أن لا ننسى مقولة المغفور له والدنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه "من ليس له ماض ليس له حاضر ولا مستقبل".
ويضيف : لقد أدرك المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أهمية الموروث الثقافي والشعبي في حياة الشعوب والأمم فعمل على المحافظة عليه وتشجيع أبناء الوطن للتمسك بتراثهم واليوم ليست الجمعيات والمؤسسات المعنية في الدولة وحدها التي تعنى بأمور التراث وإحياء العادات الشعبية فإلى جانب دورهما البارز تتنفس عبق الماضي وتراثه الكثير من منازل المواطنين الشباب الذين حولوا جزءا أو كل منازلهم ومشاريعهم التجارية إلى متاحف مفتوحة الأبواب ينهل منها الزوار والأصدقاء وأحيانا السياح تاريخ ومراحل نهضة الإمارات ولأن الشباب هم عماد المجتمع نرى العديد منهم اليوم متطوعين في الفعاليات التراثية وحتى في مشروعاتهم يحرصون على أن يكونوا مرشدين لنقل تفاصيل وجوانب ماضيهم اعتزازا به .
ورأى أن تبادر جهة بمساعدة المواطنين الشباب الذين يقيمون متاحف شخصية في بيوتهم وتقديم الدعم اللازم لهم بما يحقق الحفاظ على المقتنيات التاريخية والعمل على عرضها بالأسلوب والطريقة الصحيحة .
ويضيف المطروشي: " نحتاج جميعا للتراث في زمن اختلطت الأجيال بالثقافات المختلفة وصرنا نعض على الهوية الوطنية بالنواجز ونحتاج إليها ونحن نرقى إلى القمم ونستقبل إكسبو 2020 .. هذا الذي نريد للعالم أن يفهمه أن وراء نجاح الإمارات تراثا وطنيا مهما فلا حاضر بلا ماض ..
نحتاج للتراث في لحظات الحنين إلى الأصيل ولموروثات بقيت في الذاكرة..
نحتاج لـ " التراث" للعودة للتاريخ والقيم الإنسانية والموروث الشعبي ..
نحتاج إليه ليكون مرآة للموروث الوطني ومرجعا موثقا للأسماء والمسميات والمواقع ونحتاج للكثير من " هواة التراث" أيضا ..وكلها احتياجات تحملهم مزيدا من المسؤولية في الاختيارات وما يقدمونه من محتوى .. فهم أبناء الوطن الذين ينتظرهم ليكونوا وجها مشرقا ومشرفا له.