الكويت - كونا
يعد مسرح الطفل من الوسائل التربوية والتعليمية التي تسهم في تنمية الطفل فكريا واجتماعيا ونفسيا وعلميا وهو فن درامي تمثيلي يحمل منظومة من القيم التربوية والأخلاقية والتعليمية والنفسية على نحو نابض بالحياة من خلال شخصيات متحركة.
ولاشك في أن للطفل عقلية خاصة كون عالمه لا يتصف بالثبات ويتركز فكره حول ذاته فهو يتصور الحياة في لعبه وأشيائه الخاصة وخيال الطفل يفوق خيال الكبار لذلك فإن المسرح من أهم السبل الفاعلة للوصول إلى عقول الاطفال ووجدانهم.
ولتسليط الضوء على مسرح الطفل التقت وكالة الانباء الكويتية (كونا) عددا من الأكاديميين والمتخصصين الذين اكدوا أن هذه الوسيلة التربوية المهمة يجب أن تحمل رسالة ذات مضمون قيمي تبني شخصية الطفل بطريقة علمية صحيحة وبناءة.
وأكد هؤلاء أهمية مسرح الطفل في بناء جيل لمستقبل واعد تغرس فيه المبادئ الجيدة بما يتناسب مع مرحلتهم العمرية وبلغة محببة وشيقة ومدروسة من متخصصين لضمان وصول الرسالة الصحيحة اليهم بعيدا عن الاعمال المسرحية الهادفة الى "ابراء الذمة" وليس الى "انجاز المهمة".
وقال عميد الشؤون الأكاديمية والدراسات العليا المساعد بجامعة الكويت الدكتور حمود القشعان "اننا نعيش في عالم الجيل الرقمي" الذي يتحدث فيه الأطفال عادة عن طريق الأنامل وليس اللسان.
وأضاف القشعان ان دور الوالدين تقلص بسبب الثورة الاعلامية مقارنة بما كان عليه في السابق كمصدر أساسي يتلقى منه الطفل معلوماته وتعليمه اذ دخلت اليوم وسائط تكنولوجية استحوذت على كثير من اوقات الأطفال وجهودهم وتركيزهم.
وشدد على أن للمسرح دورا مهما كرافد لتفاعل الطفل الذي يرى الحدث وشخوص الأبطال مباشرة عبر المسرح الذي كان في السابق يغرس في الأطفال المبادئ الجيدة من خلال التفاعل معها ولايزال ذلك الجيل يحفظ أغاني تلك المسرحيات ويرددها حتى الان.
وأوضح ان أغلبية المسرحيات المقدمة للطفل اليوم جاءت ككتابات عفوية غير مدروسة وغير تخصصية وأغلبها يهدف الى الربح ما دعاه الى أن يطلق عليها مسمى مسرحيات "ابراء الذمة" وليس "انجاز المهمة" مطالبا المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب بالمبادرة الى وضع جائزة تشجيعية لكتابة سيناريو بأدب الطفل للمسرح التفاعلي.
وأشار الدكتور القشعان الى أن مسرح الطفل يفتقد للممثلين والكتاب المختصين مبينا أن ما يكتب عبارة عن خطابات للبالغين "ثم يتم انزالها للطفل وهذا ما يجعل الطفل يستمع الى لغة الكبار حتى انعكس ذلك على حياته".
وقال ان المسرح الكويتي اليوم عاجز على مستوى العائلة والشباب والاطفال لافتقاره الى مؤسسة علمية متخصصة تخرج طاقات فنية مبدعة تتعامل مع مسرح الطفل كرسالة يؤديها بشكل سليم دون النظر الى المكاسب المادية أو النجومية منها.
وأضاف القشعان أن هذا الوضع "أخرج لنا الطفل السلبي" الذي يؤمن بالخرافات لا الانجازات مشددا على ضرورة ايجاد مسرح طفل يبني الانسان قبل الحجر "لكننا بدلا من ذلك نهتم بالديكور على حساب المادة العلمية وبالحركة والأغاني والصوتيات على حساب تغذية عقل الطفل ليكون منتجا ويأخذ العبرة من القصة".
ولفت الى أن أغلبية مسارح الأطفال في الكويت تقدم "وكأننا نعيش في بيئة تتسم بالغابات وحيواناتها" على الرغم من ان الطفل الكويتي لم يعش في غابة وقد لا يعرفها كما يعرف بيئته المكونة من صحراء وبحر.
واعتبر أن كثيرا من المفاهيم التي "نحتاج الى غرسها في الطفل لم تطرح في مسرح الطفل" وآن الأوان لهذا المسرح أن يكون فاعلا وأن يزرع الاحترام والمودة بين أبناء الكويت ويذيب كل الفوارق بينهم.
ودعا الى قيام المسرح بغرس قيم التعايش بين أطفال الكويت ونبذ العنف في طرحه والتشديد على قيم مهمة مثل احترام المعلم والتعامل الجيد مع الخدم في البيوت ليؤثر ذلك كله في تعاملهم مع هذه الفئة.
وبين أن المشكلة تكمن في ضعف تعليم فن المسرح لدينا داعيا الى ابتعاث دارسي المسرح الى الخارج "للتعلم والاطلاع على احدث وأفضل الثقافات بما يناسبنا وهنا لا ندعو الى الاقتباس من الغرب أو غيرهم بل التوجه الى تراثنا وقصص آبائنا وأجدادنا الزاخر بالقيم".
وأوضح القشعان أن "اطفالنا يعانون الجهل والامية بتاريخ بلادهم ما يدعو الى ضرورة أن يكون هناك بانوراما كويتية من قصص الآباء والأجداد".
وقال ان الطفل لا يحبذ الرسالة المباشرة داعيا الى احترام عقلية طفل اليوم الذي يتمتع بذكاء أكبر من الأجيال السابقة ما يدعو الى تجنب أن تكون الرسالة من خلال الوعظ بل من خلال المعايشة.
من جهته أكد عميد المعهد العالي للفنون المسرحية الدكتور فهد السليم أن أهمية المسرح للطفل تكمن في تنمية قدراته وتوسعة مدارك معرفته بالمعطيات والحيثيات الحديثة التي تحيط به بداية من أسرته الصغيرة في بيته متدرجا نحو مجتمعه الكبير وهو وطنه وكيفية تعامله مع هذه المعطيات.
واضاف السليم ان للمسرح دورا تربويا واجتماعيا وتعليميا حيث كان (المسرح المدرسي) في السابق بعناية ثلة من الأساتذة المتخصصين الذين كانوا يقومون باجراء دراسات تحاكي وتنمي قدرات الطفل متمنيا عودتها في "عصرنا الحالي".
واوضح أن هناك عددا من الصعوبات المشتركة التي تواجة الفنان والكاتب والمخرج نظرا لعدم اهتمام الجهات المختصة بالقدر الكافي بهذه الفئة المهمة بالمجتمع لانعاش الحركة المسرحية الخاصة بالطفل لأنه مسرح يعتمد على مقومات تختلف تماما عن المسارح الأخرى.
وأشار الى ان مسرح الطفل ان جاز التعبير "مسرح حساس ودقيق" ومن أساسياته المصداقية التي تجب مراعاتها ويتحملها بالدرجة الأولى الكاتب المسرحي المختص بمسرح الطفل خاصة في "عصرنا الحالي حيث اصبح العالم قرية صغيرة من خلال شبكة الانترنت التي باتت في متناول الصغير والكبير".
وأكد السليم ضرورة وجود المخرج المختص الذي يمتلك القدرة الابداعية لترجمة النص المكتوب على أرض الواقع من خلال رؤيته الاخراجية التي تواكب التطور العالمي الخاص بمسرح الطفل.
ودعا الجهات المختصة بمسرح الطفل أن توليه اهتماما أكبر وذلك لحساسيته وخطورته إن لم يقدم بالطرق المثلى لأنه يعتبر اللبنة الاولى والأساسية لغرس مفاهيم ايجابية عدة وأهمها حب الوطن.
وشدد على ضرورة أن تضم اللجنة المختصة باجازة النصوص أكاديميين وتربويين في شتى حقول المعرفة لأن ذلك يصب في مصلحة انتاج أعمال مميزة يستفيد منها الأطفال ليتم تأسيسهم بشكل علمي وسليم.
وطالب الدولة ببناء منشآت مسرحية خاصة لمسرح الطفل وتوفير كافة الأجهزة المتطورة من اضاءة ومؤثرات مسرحية وأجهزة للصوت تضاهي تلك الموجودة في الدول المتقدمة في مجال الفنون المسرحية الخاصة بمسرح الطفل.
وأكد وجود أزمة كتاب متخصصين بمسرح الطفل وعلى الرغم من وجود قسم النقد والأدب المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية فانه ليس هناك أساتذة متخصصون بفن الكتابة المسرحية الخاصة بالطفل رغم وجود بعض المحاولات الفردية من أساتذة وطلاب والتي لاقت نجاحا بهذا المجال.
من ناحيتها قالت أستاذة علم النفس بجامعة الكويت الدكتورة فاطمة عياد ان كل انسان والطفل بشكل خاص بحاجة الى الترفية والترويح والتغيير مبينة أن المسرح يستطيع أن يسد هذه الحاجة للفرح ويعد تغذية نفسية وعقلية كحاجة ضرورية للطفل.
وأضافت عياد أن المسرح يستطيع تقديم النصيحة والقدوة بصورة غير مباشرة عن طريق طرفة أو قصة لأن العقل البشري يميل الى كلمة "افعل" أكثر من "لا تفعل" ويحب الأشياء غير المباشرة اذ يمكن للمسرح عن طريق القصة ان يعلم الطفل وتوسع مداركه لا ان تكون عملية ترفيهية فقط.
وأشارت الى انه ليس من السهل كتابة قصة أو أغنية أو مسرحية للطفل وذلك لصعوبة الوصول الى مستوى الطفل ومخاطبة عقليته وافهامه مشددة على ضرورة اختيار اللغة العربية المبسطة التي يفهمها الطفل وذلك عن طريق النشيد والموسيقى والقصة والابتعاد عن التخويف وارهاب الطفل لأن ذلك يزعج الطفل وينفره.
ودعت الى استخدام التبسيط وعدم تشتيت الطفل من خلال استخدام مؤثرات صوتية متنوعة وكثيرة والابتعاد عن الصوت العالي الذي يمكن أن يحمل رسالة خاطئة للطفل.
وبينت ان كتابة النص المسرحي للأطفال يحتاج الى عرضه على مختص بمجال النمو قبل انتاجه كمسرحية أو مسلسل لتلافي أي أخطاء علمية لأن كل مرحلة عمرية يوازيها عمر عقلي تتزامن معه قدرات للفهم والاستيعاب من أجل استثارة الطفل وجذب انتباهه.
بدورها قالت الأستاذة في قسم الاعلام الدكتورة عالية المتروك ان المسرح يعتبر من أهم العناصر والعوامل التي تساعد في تنشئة الطفل مشيرة الى أن الطفل في المراحل المبكرة من عمره يكتسب مهارات كثيرة دون أن يعي صحتها من خطأها.
وأوضحت المتروك ان المسرح يشكل مصدرا مهما كالعديد من وسائل الاعلام الأخرى في غرس المفاهيم الجيدة لدى جمهور الأطفال لاسيما في مرحلة الطفولة المتوسطة التي يسهم المسرح فيها بشكل كبير في غرس تلك المفاهيم والقيم الأخلاقية والاجتماعية.
واشارت الى اهمية أن يكون هدف الرسالة واضحا ومباشرا لان هذا النمط من الرسائل هو الذي "يجب أن نخاطب به جمهور الاطفال لما له من تأثير إيجابي".
من جهته قال المخرج والكاتب المسرحي نصار النصار انه يفضل أن تكتب المسرحية بلغة تناسب عقلية الطفل وتكون مقبولة للكبير ايضا لتصبح مسرحية عائلية مبديا اعتراضه على مسمى (مسرح الطفل) لضرورة وجود أشخاص كبار مع الأطفال لتنبيههم وتوجيههم للتركيز على نقاط معينة وتوضيحها للطفل لان "المسؤولية مشتركة بيننا وبين أولياء الأمور".
ودعا النصار الى اعتماد الطرق الحديثة في المسرح مبينا أن مسرح الطفل الكويتي متطور جدا وقد كلفت بعض العروض مبالغ كبيرة وأصبحت كالعروض المبهرة من حيث العدد الكبير للممثلين والعزف الحي من الفرقة الموسيقية المصاحبة خلال العرض.
وأشار الى ضرورة ايجاد مواسم حقيقية لمسرح الطفل وألا تكون مقتصرة على موسم الأعياد بل تتعدى الى مواسم متنوعة تناسب كل وقت من السنة.
وأكد أن هناك مشكلة في ايجاد النص المناسب مع قلة النصوص والكتاب المتخصصين بمسرح الطفل وقلة الباحثين في هذا المجال ليكون هناك إعداد صحيح للنص.
واوضح انه يؤيد ان تتم كتابة النص بالكامل من كتاب محليين واعداد نصوص أجنبية "بما يتناسب مع ثقافتنا دون أن يمس عادات مجتمعنا وتقاليده ومبادئه".
واشار الى انه يستخدم في أعماله "شخصيات تاريخية عربية من تراثنا كانت قد استخدمت في قصص عالمية بشكل خاطئ بعد أن قام بالبحث والدراسة في ماهية تلك الحقب حتى يقدمها بالشكل الأقرب الى الصحة لتقديم فكرة صحيحة للأطفال".
وذكر ان الدولة تدعم مسرح الطفل لكن دعم غير كاف معربا عن الامل في أن تتم زيادة هذا الدعم من أجل ايجاد "منتج جيد نقدمه لبناء الطفل والناشئة بالشكل السليم".
وشدد النصار على ضرورة ابهار الطفل وجذبه بالقصة أكثر من أن يتم ابهاره بالديكورات والاضاءة والمؤثرات الصوتية وغيرها كي نبرز القيمة في القصة مشيرا الى اهمية أن يتم ايصال القيمة الى الأطفال "بطريقة صحيحة ومفيدة".
واكد ان الهدف من تقديم الأعمال المسرحية للطفل يجب ألا يكون كسبا ماديا بل ايصال القيمة الجيدة لهم والشعور بالسعادة لانتاج واخراج هذه الأعمال التي "نرجو أن تكون مفيدة للطفل".